لا يمكن للبنان، أو بالأصح لا يحتمل أن يكون أكبر من مساحته، ولكن «الحزب» يذهب به إلى أبعد.
من المبكر جدا أن يتشكل في لبنان وضع مهيأ للثورة ضد «حزب الله».
تحجيم المليشيا لن يتحقق قبل أن تحظى حركة واشنطن الدولية بتفاعل داخل بيروت؛ الأحزاب المتحالفة، والقوى المتسامحة معها، والمؤسسات الرسمية، وصولا إلى الجمهور المحتقن.
مشوار طويل لابد أن تعيه واشنطن؛ فـ«الحزب» مثل المرض المتفاقم ينهش أرجاء البلاد كلها؛ في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والجيش والأمن، ولا يوجد رأس من هذه الرؤوس يستطيع أن يرتفع قليلا من دون إذن الإرهابي الأول.
من مصلحة مواطن «حزب الله» أن يعيد ترتيب تعريفه؛ أن يقدم نفسه لبنانيا شيعيا، وليس شيعيا في لبنان، وأن يأخذ من تاريخ بلاده عبرة، فلا قوي يدوم، ولا شعارات تحيا أبد الدهر.
يظن «حزب الله» أنه يدير لبنان مثل رقعة شطرنج، وعلى طاولتها يجلس لاعبان، ووفق «شطرنج لبنان» لاعب واحد هو «حزب الله»، وأمامه 16 قطعة هي طوائف البلاد، يحركها ويطوعها لرؤيته بدقة متناهية؛ بالترهيب الدامي والتخويف الكلامي، ولا يحتاج إلى الإطاحة بكل هؤلاء، فقد استسلموا للقوة والقدر، وفازت المليشيا بالمباراة، وصار لها رئيس جمهورية لا يحرك ساكنا، ورئيس حكومة يدير الطريق الصعب، فيغير الاتجاه كل مرة من دون أن يغير مكانه بخطوة واحدة، ورئيس برلمان بأفق فاسد يضيق عند حدود «الأنا»، ووحده يقف رئيس «حزب القوات» ثابتا، انتظارا للقدر الإلهي أو الإسناد الدولي. وعندها يأتي الاستعجاب: كيف لبلاد أن تكون الكلمة فيها للعَلم، والثقة للحكم، ولا يوجد فيه رجال بثقة واحدة تنزع كل الخوف من الشارع والبيت والمدرسة؟!
لنتذكر أن مشكلة «حزب الله» تتجاوز لبنان؛ فهي تفوق مقدراته، وأكبر من جغرافيته. لا يمكن الاكتفاء باحتوائها أو تحجيمها إلى داخل أسوار الجمهورية، بل يجب أن تواجه مواجهة شاملة، لا تسمح لأي دولة في المنطقة لتكون نافذة للمليشيا اقتصاديا أو سياسيا أو إعلاميا. ونوافذ المليشيا مشرعة علنا في العراق وسوريا وقطر والكويت وتركيا، وخفية في وسط وشرق أوروبا؛ إذ ما زالت القارة الأوروبية مسرحا مريحا للخلايا، بعكس التضييق اللافت في أمريكا الجنوبية.
الرحلة الطويلة لابد أن تلتزم بمراحل زمنية واستراتيجيات مستدامة. ولكل مرحلة مجموعة أهداف، تفكك هذا الكائن المتحزب بقوة خارجية، وتعيد حاضنته الشعبية إلى الوطن، وهذه من الرحلة الطويلة؛ لأن سفينة إيران في لبنان ما زالت رأسية وثابتة أمام الأمواج الصغيرة، ولا شيء يدفع ركابها إلى استعجال القفز منها.
أما في حال الجمهور؛ فمن مصلحة مواطن «حزب الله» أن يعيد ترتيب تعريفه؛ أن يقدم نفسه لبنانيا شيعيا، وليس شيعيا في لبنان، وأن يأخذ من تاريخ بلاده عبرة، فلا قوي يدوم، ولا شعارات تحيا أبد الدهر. وقبله استقوت قوى على البلاد وخسرت، وقدم آخرون طائفتهم على لبنان، ونبذهم البعيد قبل القريب.
لا يمكن للبنان، أو بالأصح لا يحتمل أن يكون أكبر من مساحته، ولكن «الحزب» يذهب به إلى أبعد، حتى أصبح وطنا موزعا في الولاء والعلم والنشيد؛ وكأننا بالحراك الجديد اليوم نرى هذا الوطن مدعوا إلى طاولة الولادة، وفي رحلة شاقة لبناء كيان جديد، له رجال يعون مفهوم الدولة ويحافظون على حدود الوطن، وهذا حلم سيتحقق، عاجلا أم آجلا.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة