أشارت حيثيات حكم المحكمة إلى مسؤولية الحزب بالفعل، معتبرة أن هذه الجريمة تمت لأسباب سياسية، وأدارها هؤلاء الذين شكل الحريري تهديدا لهم.
بعد نحو 15 عاماً من الانتظار وإنفاق أكثر من 700 مليون دولار من أموال اللبنانيين، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري حكمها الأسبوع الماضي بحق المسؤولين عن ارتكاب هذه الجريمة الإرهابية المروعة، التي استهدفت موكبه وسط بيروت يوم 14 فبراير 2005، وأودت بحياته وحياة أكثر من عشرين شخصاً آخرين تواجدوا في مسرح الجريمة، حيث أدانت المحكمة القيادي في جماعة حزب الله الإرهابية، سليم جميل عياش، فيما برأت ثلاثة متهمين آخرين هم أعضاء أيضاً في الحزب لعدم ثبوت الأدلة ضدهم.
ولاشك أن إدانة عضو قيادي في حزب الله مثل سليم عياش بارتكاب هذه الجريمة الإرهابية يمثل إدانة من قبل محكمة دولية للحزب كله؛ إذا لا يعقل أن يكون هذا الشخص قد تجاوز قيادة الحزب أو أنه استطاع بمفرده ارتكاب جريمة بهذا الحجم باستخدام مئات الأطنان من المتفجرات وبهذا المستوى من التخطيط والتنفيذ. وقد أشارت حيثيات حكم المحكمة إلى مسؤولية الحزب بالفعل، معتبرة أن هذه الجريمة تمت لأسباب سياسية، وأدارها هؤلاء الذين شكل الحريري تهديدا لهم، بل إنها ذكرت بشكل صريح أنها تشتبه في وجود دوافع لحزب الله وسوريا في الجريمة، لكنها لم تجد أي دليل مباشر على ضلوعهما فيها.
إن أهمية هذا الحكم الذي نطقته المحكمة الدولية يتجاوز مجرد إدانة عضو في حزب الله أو حتى الحزب كله بالإرهاب، فهذا مفروغ منه وواضح للجميع في داخل لبنان وخارجه، حيث يمكننا القول إنه يؤسس لمرحلة جديدة في لبنان تفصل بين عهدين؛ هما: عهد الإفلات من العقاب وتوفير الملاذ الآمن للقتلة والإرهابيين الذين يرعاهم حزب الله، وعهد المحاسبة والعقاب لهؤلاء المجرمين، بما يفتح الباب على مصراعيه أمام محاسبة المسؤولين عن كل الجرائم التي ارتكبت في لبنان وبحقه، ولاسيما سلسلة الاغتيالات التي طالت مسؤولين آخرين عقب اغتيال رفيق الحريري، وأخيراً الانفجار الضخم الذي دمر مدينة بيروت بالتزامن مع صدور حكم المحكمة، والذي ترتب عليه تأجيل النطق بالحكم لمدة أسبوعين حفاظاً على مشاعر اللبنانيين في مصابهم الجلل. فهناك الكثير من الأدلة والشواهد على مسؤولية الحزب عن هذا الانفجار المدمر، سواء بشكل مباشر "في ضوء الحديث عن إشراف الحزب على تخزين المادة التي انفجرت بشكل مباشر وجلبها إلى لبنان، أو حتى تنفيذ التفجير بشكل متعمد كما تشير بعض المصادر" أو غير مباشر من خلال دور الحزب في إضعاف سلطة الدولة اللبنانية ونشر الفساد في أرجائها واختطاف قرارها.
إن مشكلة تحقيق العدالة في لبنان كانت وماتزال خضوع هذا البلد لسلطة وإرادة ميليشيات حزب الله التي لا تسمح بأي مسار للعدالة يمكن أن يدين الحزب بشكل مباشر، ولكن صدور هذا الحكم يؤكد أنه يمكن للبنان أن يحقق العدالة ويحاسب القتلة والمجرمين على جرائمهم. وعلى الرغم من أن عياش لا يزال طليقاً، وأن حزب الله لم يقرر تسليمه بعد للعدالة، فإن هناك إصرار من جانب سعد الحريري ومن جانب اللبنانيين على أن يتم تسليمه للعدالة لبدء هذا العهد الجديد للبنان من حكم القانون. وفي جميع الأحوال، فإن الأمر الأكيد الذي بات واضحاً للبنان واللبنانيين والعالم كله هو أن تحقيق الأمن والاستقرار وحكم القانون للبنان لن يتحقق إلا باستعادة الدولة اللبنانية من هيمنة الحزب وسطوته، فهذا أول الطريق الصحيح لتحقيق العدالة والأمن للبنان الشقيق وربما المنطقة كلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة