في ظل التوترات التي مرت على لبنان خلال العشرين عاما الماضية والصراع الطائفي السياسي الذي جعل منه محطة تصفية الحروب الجيوسياسية، لا يستحق لبنان البلد العريق بحضارته وشعبه المسالم المتعايش مع كل مكوناته والمحب للأمل، إلا أن يكون درة الشرق العربي.
ففي وسط الظروف التي أنهكت هذا البلد الجميل بكل أطيافه، ما زال يبحث عن الأمل في ظل الفوضى الجيوسياسية للخروج من عدة أزمات مرت به، وأصبح جسراً لساحة حرب لأطراف متنازعة من أجل مصالح لا تعي أهمية لاستقرار الوطن، فحوله التنافس الإقليمي إلى مسرح للصراعات.
إن عودة لبنان إلى الحضن العربي تُعد خطوة مهمة، تساعد في الحفاظ على اقتصاده وتحمي مصالحه الجغرافية في ظل توترات الشرق الأوسط وما يمر به من حروب ليست بعيدة عن أراضيه.
لكنّ هيمنة التيارات الإسلاموية جعلت منه أرضًا طاردة لأحلام الشعب اللبناني، وساهمت في تدمير مستقبله وأوصلته لحافة الانهيار الاقتصادي وانهيار العملة، وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، وانهيار النظام المصرفي، واستمرار الشلل الحكومي، وهيمنة الطبقة السياسية التقليدية، وغياب الإصلاحات الهيكلية الحقيقية، مع فقر يُهدد أكثر من 80% من سكانه.
أمام لبنان فرصة تاريخية تحمل في طياتها إمكانات إنقاذ بلد شجرة الأرز من براثن الخراب، لكنها تتطلب إرادة سياسية جريئة، وإصلاحات عميقة، وتعاوناً إقليمياً غير مسبوق.
ولعل الزيارات التي يقوم بها الرئيس اللبناني جوزيف عون لدول الخليج بما فيها السعودية ودولة الإمارات، تأتي في هذا الصدد، لما تحمله من ثقل استراتيجي سياسي في منطقة الشرق الأوسط. وتعد العلاقات الخليجية اللبنانية ذات بعد استراتيجي واستثنائي يجمعهم الترابط التاريخي والثقافي والاقتصادي، فلبنان بوابة ثقافية تاريخيّة لم تغلق أبوابها في وجه العالم العربي.
ولبنان بالفعل على أعتاب مرحلة جديدة في ظل التحديات الموجودة، ويدرك جيداً ما تحمله دول الخليج من صدق النوايا الإصلاحية تجاهه، فدول الخليج تعد شريكاً حقيقياً وفرصة للتعاون من جديد وممر عبور سيُعيد للبنان دوره كجسر بين الشرق والغرب.
من جانبها، تتبنى دول الخليج استراتيجية طويلة الأمد تتجاوز فيها كافة العقبات لصالح استقرار المنطقة وما حولها من دول، تتجاوز فيها الحسابات السياسية الآنية، وتستثمر في استقرار لبنان كجزء من أمن المنطقة.
إن الشراكة بين الرئيس الجديد ومجلس التعاون الخليجي هي نفق آخره نور وقد تكون الشمعة المنيرة في نفق الأزمة الطويلة، تجاه شعب لبنان القادر على النهوض كما عهدته شعوب العالم، قادر على إعادة اختراع نفسه.
التاريخ يشهد أن اللبنانيين، حين تتوفر عندهم القيادة الحكيمة والشراكات الواعية والأفق الاستراتيجي، يمكنهم تحويل التحديات إلى فرص. فإنقاذ لبنان يجب أن يبدأ من الداخل، ولا بد لعصر الظلام أن يختفي إذا أراد لبنان العودة للحضن العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة