«حزب الله» وزعيمه أعلنا بصراحة أنهما في مواجهة الجميع، وأنهما مستمران في استخدام لبنان، شعباً ودولة، دروعاً بشرية واقتصادية لحماية مصالحهما
«حزب الله» من بعد جميع القوى السياسية، واجه الاحتجاجات الشعبية في لبنان، واعتبرها موجهة ضده. خرج اللبنانيون بكافة طوائفهم دون استثناء، منذ عشرة أيام، بعد أن بلغ السيل الزبى. لم يحددوا قوى سياسية بعينها، لم يرفعوا شعارات ضد «حزب الله» أو غيره، لم يرفعوا سوى علمهم، ولم يحملوا غير همومهم، ولم يثوروا إلا على مآسيهم، لكن حسن نصر الله استوعب جيداً أنه وحزبه وحلفاءه هم من تسببوا في الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة. خطابان سارع بهما نصر الله لتبرير موقفه أولاً، ولتهديد خصومه عن بكرة أبيهم، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم ثانياً، قبل أن يجد نفسه وحيداً في عين العاصفة. نصر الله رمى بثقله للحفاظ على ما سماه «العهدَ الحالي»، واصفاً إياه بالخط الأحمر، رغم أنف الجميع، كيف لا يفعل ذلك، وهو عراب التسوية السياسية التي جعلت زعيم المليشيات المتحكم الأول في لبنان، كيف لا وقد هندس قدوم رئيس محسوب على «حزب الله»، كما هندس تشكيل حكومة لأول مرة بـ30 وزيراً، منهم 18 وزيراً من حزبه وحلفائه، فات عليه أن من يخاصمهم هذه المرة أكبر من طاقته، وأقوى من تهديده، من يواجههم شعب لبناني بكافة طوائفه، مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة، موارنة وأرثوذكس ودروزاً، فالمشكلة أكثر تعقيداً من محاولات «حزب الله»، طوال العقود الماضية، شراء الوقت تحت طائلة تهديد السلاح، فاللبنانيون الغاضبون أعلنوها أخيراً أن النظام الطائفي السائد في بلادهم، والقائم على المحاصصة، وإعاقة العمليات التنموية، آن له أن يتغير.
ما سكت عنه اللبنانيون طويلاً انتفضوا عليه أخيراً، فصوت اللبنانيين الهادر لم يستطع «حزب الله» إيقافه، لا بالتهديد ولا بالوعيد، ولا بالمليشيات التي يتفاخر نصر الله بأنها الأقوى على الأرض.
وفيما يبدو رئيس الحكومة سعد الحريري، بات مقتنعاً بأن تغيير الحكومة قادم، وإن تأخر، بعد أن أصبح وحيداً بلا حلفاء داخل حكومته؛ خصوصاً بعد استقالة وزراء «القوات اللبنانية»، يرفض «حزب الله» هذه المعادلة قطعياً، فهو لم يكتفِ باعتبار العهد الحالي خطاً أحمر مهدداً الجميع بعدم المساس به، وكأنه كتاب مقدس، بل واستهزأ بمطالب المحتجين بتشكيل حكومة التكنوقراط، فهو يعي جيداً أنه الخاسر الأكبر في أي تغييرات قادمة للنظام السياسي الذي يرزح تحته لبنان، لذلك لم يحذر نصر الله المحتجين فحسب، وإنما هددهم بـ«حرب أهلية»، بينما هو وحده من يملك أدوات هذه الحرب، وليس الشعب الأعزل من السلاح، أما تسطيح الاعتبارات السياسية مهما كانت ضرورتها للشعب اللبناني، فهي ليست سوى عادة متأصلة لدى حسن نصر الله، الذي لم يعرف عنه النظر أبداً لمصالح اللبنانيين، في ظل استمرار التبعية الدينية والسياسية للمرشد الأعلى القابع في إيران، لكن ما غفل عنه أن المشروع الإيراني الذي يقاتل نصر الله للتمسك به، مناقض لطبيعة لبنان، ولا يمكن أن يستمر أطول مما استمر أكثر من ثلاثة عقود بهذه الصيغة الطائفية.
«حزب الله» وزعيمه أعلنا بصراحة أنهما في مواجهة الجميع، وأنهما مستمران في استخدام لبنان، شعباً ودولة، دروعاً بشرية واقتصادية لحماية مصالحهما، أما كذبة «العهد الحالي»، فقد انتهت صلاحيتها إلى غير رجعة، حيث لم يعد ذلك عهداً لبنانياً خالصاً، بل «عهد حزب الله» الذي يدافع عنه نصر الله، لعلمه أن ما سكت عنه اللبنانيون طويلاً انتفضوا عليه أخيراً، فصوت اللبنانيين الهادر لم يستطع «حزب الله» إيقافه، لا بالتهديد ولا بالوعيد، ولا بالمليشيات التي يتفاخر نصر الله بأنها الأقوى على الأرض.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة