سلاح حزب الله بعد "الترسيم".. معركة بين فكي "هدنة إجبارية"
"هدنة" إجبارية يفرضها اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على "حزب الله"، ويفجر تساؤلات بشأن سلاح مليشيات لطالما هددت الأمن.
وأعاد توقيع رئيس لبنان ميشال عون النهائي، الخميس، على نتائج اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وما سيفرضه من هدوء على جانبي الحدود بين البلدين، ملف سلاح حزب الله وإدماجه في الجيش اللبناني إلى الواجهة من جديد.
ففي وقت سابق اليوم، وقع عون رسالة تحمل موافقة لبنان على مضمون الرسالة الأمريكية حول نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل.
وقالت الرئاسة اللبنانية، في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، إن عون ترأس اجتماعا لأعضاء الوفد المغادر إلى الناقورة (جنوب) والذي ضم مدير عام الرئاسة أنطوان شقير، ومفوض الحكومة لدى القوات الدولية العاملة بالجنوب العميد منير شحادة، وعضو مجلس إدارة هيئة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونية في وزارة الخارجية أحمد عرفة، مشيرة إلى أنه "زودهم بتوجيهاته".
وأكد عون أن "إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول".
وفي كلمة وجهها إلى اللبنانيين، وصف الرئيس عون الاتفاق بـ"الإنجاز التاريخي" الذي يتوافق مع المطالب اللبنانية ويحفظ حقوق لبنان، مؤكدًا أن بلاده لن تدخل في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض.
وأكد الرئيس اللبناني أن بلاده حصلت على كامل حقل قانا النفطي من دون دفع أي تعويض، واستعادت بموجبه 860 كيلو مترا مربعا من المنطقة المتنازع عليها، ولم تقدم أي تنازلات جوهرية.
من جهتها، وافقت الحكومة الإسرائيلية أيضاً على اتفاق الترسيم وأشار رئيس الوزراء يائير لابيد إلى أن "الاتفاق البحري مع لبنان إنجاز دبلوماسي واقتصادي"، معتبرا أن لبنان بذلك "اعترف بدولة إسرائيل".
وفي ظل تلك المعطيات الجديدة، تساءلت أوساط سياسية في الداخل اللبناني، عن مبررات إبقاء حزب الله على سلاحه، وما وظيفته بعد أن دخلت المنطقة الحدودية فترة "هدنة" غير معلنة طويلة الأمد بضمانة أمريكية؟
سلاح سياسي
العميد الركن اللبناني خالد حمادة، مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، يرى أنه بات هناك اقتناع بأن "سلاح حزب الله ليس لقتال إسرائيل، بل سلاح سياسي لخدمة إيران، فإذا شاءت الجمهورية الإسلامية أن يلعب السلاح دورا عسكريا فهو يقوم به، وإذا لم تشأ فهو يصبح راعيا لاتفاقيات الترسيم كما حدث مؤخرا".
حمادة، قال في حديث خاص من بيروت لـ"العين الإخبارية"، إن السلاح "كان يمارس نوعا من التعبئة على الجانبين، ويتبادل الخدمات المعنوية والتعبوية سواء للداخل الإسرائيلي، أو اللبناني لإيهام الشعب اللبناني أن هناك حالة عداء بين إسرائيل وحزب الله".
وبالسؤال عن إمكانية دمج سلاح "حزب الله" فى الجيش اللبناني، اعتبر الخبير أن "هذا نقاش لبناني مفتوح منذ فترة طويلة، لكن فيما لا يزال حزب الله يأسر القرار اللبناني، لذا فليس هناك جدية حقيقية في طرح الأمر".
وشدد على أنه لن يكون هناك نقاش جدي في ظل هذه المعطيات التي يبدو أن لبنان سيتعايش معها طويلا.
وأوضح أن "القضية ليست اقتناع حزب الله بالدولة اللبنانية وسيادة قرارها، فالحزب يريد أن تكون الدولة على مقاس طموحاته، بعد أن تمكن من إخضاع مؤسساتها الأمنية والسياسية لرغبته، ويمعن فى التسلل لكل مفاصل الدولة".
وبحسب حمادة، فإن خط الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل بات جديدا لمزيد من تطبيع العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، وهذه المرة في الجنوب اللبناني.
ولفت إلى أن "لبنان الذى لم يكن المحاور والمفاوض الأساسي بشأن اتفاق الترسيم، لكن العامل الحاسم لدفع هذا التطبيع نحو الأمام هو حزب الله ومن خلفه طهران، وبالتالي فإن هذا التطبيع إيراني إسرائيلي برعاية أمريكية".
ذريعة جديدة
من جانبه، يعتبر الخبير الاستراتيجي والعميد المتقاعد ريشار داغر، أن "اتفاق الترسيم يفتح نظريا الباب لمناقشة السلاح ومستقبله وجدواه، وهذا ما ننتظره من الحزب".
واستدرك داغر، في حديث خاص من بيروت لـ"العين الإخبارية": "لكن في الواقع، فإن الحزب سيعطي ذريعة أو تبريرا جديدا لوجود السلاح بيده، بالحديث علنا خلال الفترة المقبلة، بأن هذا الاتفاق لم يكن ليصبح واقعا، لولا التصعيد الذي مارسه الحزب في وجه العدو، عبر المسيرات وغيرها، وهو ما تمخض عن خضوع العدو لمطالب الدولة اللبنانية".
وتابع: "وسيستخدم الحزب اتفاق الترسيم للتصدي لأي حديث يحاول النيل من سلاحه، والزعم بأن السلاح عنصر من عناصر القوة في لبنان ويجب الحفاظ عليه".
ولفت إلى أن المليشيات "ستتحدث مجددا بأنه لازالت هناك أراض لبنانية محتلة مثل مزارع شبعا في الجنوب ما يتطلب أعلى درجات الاحتفاظ بعناصر القوة".
وإزاء ذلك، خلص "داغر" إلى أن لبنان سيدخل في دوامة النقاش المستعر الذي قد يرتفع أو ينخفض وفقا للظروف دون أن يفضي الى أي نتائج عملية بشأن السلاح".
دمار واستراتيجية
وفي تعقيبه، قال عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب فادي كرم، لوكالة الأنباء المركزية اللبنانية، إن "سلاح حزب الله لا قيمة له؛ لأنه يجلب المصائب والدمار للبنان وليس المكاسب".
كما أشار إلى أن "المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية برعاية أمريكية تغلبت على موضوع السلاح الإقليمي".
أما عضو تكتل "لبنان القوي" النائب أسعد درغام، فقال إن "الرئيس عون كان قد دعا في وقت سابق إلى حوار لمناقشة قضية الإصلاح واللامركزية الإدارية والاستراتيجية الدفاعية".
وأشار إلى أن هذا الأمر يتم بحثه من ضمن الخطة الاستراتيجية الدفاعية، واللبنانيون مجتمعون يتوافقون عليه ويحددون مصير هذا السلاح وكيفية استعماله ومرجعية قراره من ضمن حوار يجري بين كافة الفرقاء".
وأكد درغام أن اتفاق الترسيم "فرصة تاريخية وثروة طبيعية لكل لبنان. ومن المفترض أن يستفيد منها، وأعتقد أنه ليس في مصلحة أحد ممارسة النكد السياسي الذي مورس في السنوات الماضية أو بالأحرى نأمل ذلك"، مضيفا أن "أزمتنا الاقتصادية والمعيشية لا يمكن أن ينتشلنا منها إلا أمر كهذا الذي حصل اليوم".
ويرى مراقبون أن سلاح حزب الله يمثل "معضلة كبيرة" ويضع لبنان بشكل مستمر في "مأزق سيادي" عبر هيمنة محور إيران الخارجي على قرارات الحكومة.
aXA6IDE4LjIyMS4yNy41NiA= جزيرة ام اند امز