«غزة مصغرة في لبنان».. ماذا تريد إسرائيل؟
لطالما كانت الحرب على حزب الله على جدول أعمال القيادات في إسرائيل منذ سنوات قبل أن يحركها انضمام الحزب إلى معركة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها "حماس" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومحاولا استعادة سمعة خسرها في العالم العربي بعد مشاركته بالحرب الأهلية في سوريا، فإن حزب الله انضم إلى الحرب بين حماس وإسرائيل بعد يوم واحد من اندلاعها أي في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واقتصرت مشاركة حزب الله على تبادل لإطلاق النيران على طرفي الحدود الإسرائيلية واللبنانية ولكن طول فترة الحرب في غزة فجر غضب نحو 70 ألف إسرائيلي اضطروا لترك منازلهم في عشرات البلدات في شمالي إسرائيل القريبة من حدود لبنان، سيما في ضوء عدم وجود أفق لانتهاء الحرب في غزة.
وأدت ضغوط السكان في شمالي إسرائيل، مدعومة بانتقادات حادة من قبل المعارضة للحكومة، إلى تبني المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية "الكابينت" بند "العودة السالمة لسكان الشمال إلى منازلهم" كأحد أهداف الحرب التي اقتصرت حتى ذلك الحين على غزة.
ومباشرة بعد ذلك، بدأ الجيش الإسرائيلي هجمات جوية واسعة خاصة في منطقة جنوب لبنان أدت الى مقتل وإصابة مئات اللبنانيين.
غزة مصغرة؟
وطوال سنوات كرست الاستخبارات الإسرائيلية مواردها لجمع المعلومات عن حزب الله واستغلتها في هجماتها على الحزب في الأسابيع الأخيرة، والتي شملت اغتيالات وضرب أجهزة اتصال عناصر حزب الله.
وبهجماتها منذ أول أمس الإثنين، تريد إسرائيل تحويل لبنان إلى "غزة مصغرة"، ولكن ثمة فوارق هي تحديدا ما يجعل المستوى السياسي في إسرائيل يتردد في إقرار مخططات الاقتحام البري لجنوب لبنان.
وتستنسخ إسرائيل في لبنان ما قامت به في الأيام الأولى من الحرب في قطاع غزة في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
فدعوات الإخلاء للسكان هي ذاتها التي تمت في قطاع غزة في بداية الحرب والهجمات الجوية المكثفة هي ذاتها التي تم تنفيذها في قطاع غزة.
ولكن يبقى ثمة خطوة أخيرة نفذتها إسرائيل في غزة، وما زالت، منذ نحو 11 شهرا، وليس من الواضح إذا ما كانت ستطبقها في لبنان وهي الغزو البري.
وقال الخبير بالشأن الإسرائيلي وديع أبو نصار لـ"العين الإخبارية": "اليمين الإسرائيلي المتشدد يضغط لتنفيذ عمل بري في لبنان انطلاقا من نظرية إن الجيش الإسرائيلي هو الأقوى في المنطقة، وأن من يعتدي على إسرائيل تتم معاقبته بأخذ أجزاء من أرضه".
وأضاف "عمليا هناك 3 فروقات أساسية ما بين لبنان وغزة، الأول أن لدى حزب الله قدرة قتالية أكبر بكثير من قدرة حماس بكل المقاييس، خاصة وأن حزب الله تمرن لسنوات طويلة على حرب العصابات في سوريا ولديه ترسانة أسلحة غير متوفرة لدى حماس مثل الصواريخ المتعددة بما فيها الصواريخ بعيدة المدى وبكميات كبيرة فضلا عن الصواريخ المضادة للدروع والسفن الحربية والصواريخ الدقيقة وعناصره مسلحون بأسلحة متطورة وفد خضعوا لتدريبات عديدة".
وتابع قائلا إنه "لهذا السبب يفكر الجيش الإسرائيلي كثيرا قبل القيام بغزو بري في لبنان دون أن ننسى أن ذات الجيش فكر مرات قبل القيام بغزو بري في غزة، رغم الإمكانيات المتواضعة للفصائل الفلسطينية في غزة مقارنة بحزب الله".
وأعرب عن اعتقاده أن الجيش الإسرائيلي قد يقوم بعمليات برية محدودة في لبنان، أما احتمالات الاجتياح البري الواسع فهي منخفضة في هذه المرحلة.
وأوضح أن الفارق الثاني هو أن الإمداد لحزب الله متواصل بما في ذلك من خلال سوريا في حين أن حماس في غزة ليس لديها إمداد سلاح منذ بداية الحرب وتواجه صعوبة في إنتاج الأسلحة وهو المصدر الأول لأسلحة حماس أصلا.
وقال: "الفارق الثالث هو أن إسرائيل قادرة على اجتياح كل قطاع غزة ولكنها غير قادرة على اجتياح لبنان".
واعتبر أن هذه الفروقات الجوهرية تعمل لصالح حزب الله، معربا عن اعتقاده أن المستوى العسكري في إسرائيل يفهم هذا الأمر جيدا، مضيفا "لكن المشكلة هي أن السياسيين يحاولون دفع العسكريين إلى مغامرات هم في غنى عنها".
وتابع: "بالمقابل فأعتقد أنه على حزب الله أن يفهم الأمور التي لربما لم تفهمها حماس، وهي أن إسرائيل هي امتداد للغرب الذي يريد إضعاف حزب الله ولذلك فإن إسرائيل نوعا ما لديها هامش أن تقوم بما تريد لعدة أسابيع دون حساب دون الوصول إلى مرحلة الخلل الإقليمي بمعنى وقوع حرب إقليمية".
وأشار أبو نصار إلى أنه "لهذا السبب نلاحظ أن هناك حراكا للسماح لإسرائيل بالعمل العسكري ضد حزب الله ولكن بشرط ألا تتدحرج الأمور إلى حرب شاملة أو حرب إقليمية".
فرصة للحل
وقال: "وعلى الرغم من صعوبة الوضع فلربما نحن أيضا أمام فرصة للحل ليس فقط في لبنان، وإنما أيضا في غزة لأن حزب الله ما زال مصرا على مبدأ ربط لبنان بغزة، فمن الممكن أن يكون التصعيد الإسرائيلي الحاصل في لبنان فرصة لحل في لبنان وغزة".
واستبعد أبو نصار أن تجتاح إسرائيل لبنان وتبقى هناك، وقال "حتى في إسرائيل يقولون إن حزب الله لن ينهار، فحماس في غزة هي في وضع صعب للغاية لأنها محاصرة من قبل إسرائيل من كل الجهات بينما في إسرائيل غير قادرة على محاصرة حزب الله في لبنان".
ورأى أبو نصار أن هناك وضعا آخر يضغط على إسرائيل لعدم إطالة عملياتها في لبنان وهي الجبهة الداخلية في إسرائيل.
وقال: "في بداية الحرب استهدفت حماس منطقة وسط إسرائيل بما فيها تل أبيب ومحيطها ولكن واضح للجميع أن إمكانيات حزب الله ليست أقل من 5 أو 10 أضعاف حماس وبالتالي فإن قدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على الصمود محدودة وهو ما يؤثر على مدى الحرب".
وكان القادة السياسيون والعسكريون في إسرائيل قد دعوا في الأيام الأخيرة مواطنيهم إلى الصمود ورباطة الجأش.
وتأمل إسرائيل أن تجبر هجمات لبنان، حزب الله على إبرام صفقة، لكن الحرب قد تستمر.
وعلى ذات الصعيد، اعتبر عاموس هارئيل محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن "إسرائيل تأمل أن تجبر هجمات لبنان حزب الله على إبرام صفقة، لكن الحرب قد تستمر".
وقال في تحليل نشره، الأربعاء، وتابعته "العين الإخبارية: "إن الرد المحدود نسبياً من جانب حزب الله قد يعكس معضلة في صفوفه العليا، أياً كان ما تبقى منهم بعد الاغتيالات الإسرائيلية، ومع ذلك، لا تزال المجموعة تمتلك قدرات إطلاق كبيرة، ولا يُتوقع أن توقف قوات الجيش الإسرائيلي ضرباتها في أي وقت قريب، وعلى هذا فإن التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يعالج التهديد القادم من الشمال لن يتم بهذه السرعة".
ورأى أن إطلاق حزب الله للصواريخ يحرك الكرة في ملعب إسرائيل، مشيرا إلى أن زعماء إسرائيل سيضطرون إلى اتخاذ قرار بشأن توسيع الهجوم بشكل منهجي ليشمل الضاحية الجنوبية معقل حزب الله في جنوب بيروت، والتي لم تشهد حتى الآن سوى ضربات اغتيال مستهدفة".
وقال إنه: "من المرجح أن يعكس الرد المحدود نسبياً، من الناحية الجغرافية، مدى الضرر الذي لحق بأنظمة القيادة والسيطرة لدى حزب الله، ويشهد على حالة عدم اليقين التي تعيشها قيادة الحزب، بعد القضاء على معظم كبار قادته العسكريين".
وأضاف: "ولكن سياسة حزب الله قد تتغير، والواقع أن الجماعة تمتلك القدرة على إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل، سواء في الشمال أو في وسط البلاد، ومن الأفضل ألا نرتكب خطأ التفاؤل الكوني، على الرغم من الضربات المؤلمة التي تلقاها حزب الله على مدى الأسبوع الماضي ـ والتي ربما كانت الأسوأ في تاريخه".
واعتبر أنه حتى لو كان التأخير في الرد نتيجة للتدبر، فإنه يبدو أنه يحدث لأن حزب الله يدرك أن إطلاق النار على وسط إسرائيل سوف يؤدي إلى هجوم إسرائيلي مميت ومركّز على الضاحية الجنوبية ببيروت حيث فر العديد من اللاجئين من قرى جنوب لبنان.
هل تأذن إيران؟
واعتبر هارئيل أن الاستخدام المكثف لأسلحته الاستراتيجية لحزب الله، مثل الصواريخ الدقيقة بعيدة ومتوسطة المدى، والتي قد تلحق أضراراً جسيمة بالمنشآت العسكرية والبنية الأساسية الاستراتيجية في وسط إسرائيل ـ يتوقف على إذن إيران.
وقال إنه "عمل النظام في طهران على بناء هذه القدرة في لبنان لتكون بمثابة ردع ضد إسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، والآن يتعين عليها أن تقرر ما إذا كان استخدامها الآن ــ وهو الوضع الذي انجرت إليه بسبب الهجوم غير المنسق الذي شنته حماس من غزة، وإصرار حزب الله على مهاجمة إسرائيل لإظهار للتضامن مع الفلسطينيين ــ يبرر الثمن".
وأضاف: "يبدو أن نصر الله تصور مرة أخرى أنه يفهم الإسرائيليين أفضل مما نفهم أنفسنا. ومرة أخرى ـ كما حدث في عام 2006 ـ راهن على مغامرة كان ثمنها أعلى كثيراً مما خطط له، فقد قدم حزب الله نفسه لسنوات باعتباره فخر الشيعة والمدافع عن لبنان بالكامل، والآن، وعلى غرار حماس في غزة، يُنظَر إليه باعتباره يجلب كارثة على الطرفين".
وتابع هارئيل قائلا إنه "إذا افترضنا أن إيران قد بنت حقاً خطة تدمير تهدف إلى إلحاق الهزيمة بإسرائيل في غضون بضع سنوات، فمن الممكن أن تضطر الآن إلى العودة إلى لوحة الرسم، فقد فقدت حماس، كمنظمة عسكرية، جزءاً هائلاً من قدراتها على مدى العام الماضي في الحرب مع جيش الدفاع الإسرائيلي".
ولفت إلى مقتل وإصابة العديد من القيادات الرئيسية في حزب الله، بالإضافة إلى تضرر أنظمته الاستراتيجية، في غضون فترة قصيرة للغاية، مضيفا "لا يعني أي من هذا أننا في حاجة إلى الانجراف وراء النشوة التي تظهر في استوديوهات التلفزيون، والتي تعكس بشكل مقلق طريقة التفكير بين القيادة السياسية وفي أجزاء من قوات الدفاع الإسرائيلية، ولكن من الممكن أن نفهم من أين تأتي هذه النشوة".
وخلص محلل الشؤون العسكرية لصحيفة هآرتس إلى القول: "لقد عانت إسرائيل من فشل مروع وإذلال في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان نصر الله يهدد إسرائيل لسنوات، ومن الجيد أن نرى أن العمل الاستخباراتي والعملياتي المدروس على مدى عقدين من الزمان على الجبهة الشمالية قد أثمر عندما تم اختباره ــ على النقيض التام لما حدث في المنطقة المتاخمة لقطاع غزة، ولكن من المستحسن عدم تصديق البيانات المبالغ فيها التي نشرتها القيادة السياسية منذ مساء الأحد، وكأن نصف قوة حزب الله الصاروخية قد دمرت، وليس لدى الجيش الإسرائيلي أي تأكيد على الإطلاق لهذه الأرقام، والتقديرات الحقيقية أكثر تواضعا بكثير".
aXA6IDE4LjIyMS45MC4xODQg جزيرة ام اند امز