"العين الإخبارية" ترصد "قطار الشلل" قرب برلمان لبنان
يعيش لبنان أجواء صعبة من تعقد مسار الحكومة، إلى تهديد كتل مسيحية بالاستقالة، لكن البرلمان يبدو عصيا على الحل، وإن تعرض للشلل.
وفي الآونة الأخيرة، عادت الأجواء السياسية اللبنانية إلى وضع الانسداد، وسيطر التراشق بين تيار "المستقبل" ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، و"التيار الوطني الحر" ورئيس البلاد ميشال عون.
هذا الوضع أكد أن مبادرات رأب الصدع بين الحريري وعون، وتشكيل حكومة جديدة، منيت بضربات كبيرة، إن لم تكن وصلت إلى مربع الفشل.
وفي خضم هذه الأجواء، عاد الحديث عن استقالات من البرلمان ينوي التيار الوطني الحر المتحالف مع عون، تقديمها، ربما تتبعها استقالات أخرى، خاصة في ظل إعلان كتلة حزب "القوات اللبنانية" استعدادها للاستقالة من البرلمان أيضا.
وفي حال استقالة كتلتي "التيار الوطني الحر"، و"القوات اللبنانية"، يفقد مجلس النواب جزءاً كبيراً من أعضائه لأن الكتلتين تمثلان أكبر تكتلين مسيحيين، فضلا عن تقديم بعض النواب من حزب الكتائب ونواب مستقلين أغلبهم من الطائفة المسيحية، استقالات سابقة بالفعل من المجلس النيابي.
ونظريا، يرمي البعض إلى أن تقود هذه الاستقالات، إن حدثت، لحل مجلس النواب وسقوط تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، إذ لا توجد طريقة دستورية لسحب تكليف الحكومة من الأخير إلا بهذه الطريقة، ثم تتجه البلاد إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
لكن الواقع العملي يفرض صعوبات وعقبات سياسية ودستورية أمام هذا المسار النظري، إذ إن الحليف الرئيسي لعون والطرف الذي يفرض وصاية بقوة السلاح على البلاد؛ حزب الله، يرفض فكرة الانتخابات المبكرة.
ومؤخرا، أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله أن الانتخابات النيابية المبكرة مرفوضة، ناصحاً الجميع بشطب هذه الفكرة من حساباتهم.
وما أعلنه نصرالله لا يختلف عن رأي رئيس مجلس النواب، نبيه بري الذي يعتبر المس بمجلس النواب، هو مساس به شخصياً.
وكشفت مصادر مقربة من الثنائي الشيعي: حركة أمل وحزب الله، لـ"العين الإخبارية"، أن التكتلين يرفضان إجراء انتخابات نيابية مبكرة لاعتبارات مختلفة، أبرزها أنهما لا يزالان يعتقدان أن الأولوية اليوم لتشكيل حكومة توقف الانهيار الكبير، وهي أهم من إجراء انتخابات في ظروف معيشية صعبة، خاصة أن ولاية مجلس النواب لم تنتهِ بعد.
وفي الوقت نفسه، يتبقى في المدة التشريعية للبرلمان الحالي، أقل من عام، لذلك لا داعي لانتخابات مبكرة تفصل بينها وبين الاقتراع العادي بضعة أشهر، وفق ما نقلته المصادر عن مواقف التكتلات الشيعية.
وتابعت المصادر: "لماذا التركيز على السلطة التشريعية في هذا الوقت بالذات، ومطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري بتقصير ولايته؟".
وأضافت: "لا يمكن إعادة تكوين السلطة جزئياً، لذلك يكون الطرح الأسلم بإعادة تكوين السلطة بمجملها، أي إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة"، إن كان هذا هو التوجه العام.
وأوضحت المصادر ذاتها أن أي استقالات نيابية أحادية يقدم عليها أي من الكتل، ستتمّ معالجتها بالدعوة إلى انتخابات تكميلية لملء المقاعد الشاغرة، حتى إن كان عدد المقاعد الشاغرة كبيرا.
لكن المصادر أقرت بأن هذه الاستقالات، إن حدثت، ينتج عنها "خلل ميثاقي بحكم أنها تأتي من كتل وازنة ومن طائفة واحدة، وبالتالي يتعطل عقد جلسات تشريعية"، غير أنها "لن تؤدي إلى حلّ مجلس النواب، وهذا أمر محسوم ولا نقاش فيه".
وأكدت المصادر أن خطوة الاستقالة "لن تؤدي إلا لمزيد من التعطيل في مشهد مؤسسات الدولة المتحلّلة".
أما من الناحية القانونية، فيرى الرئيس السابق للمجلس الدستوري، القاضي عصام سليمان، أن استقالة أكثر من 65 نائباً من مجلس النواب؛ أي نصفه زائد واحد، تعرقل عمل البرلمان، وبالتالي لا يمكنه أن يجتمع، لكنها لا تسقطه.
وفي حال استقالة كتلتي "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، وهما تضمان 35 نائباً، بالإضافة إلى عشرة مقاعد شاغرة بالفعل نتيجة استقالات ووفيات، ما يعني أن العدد لا يقترب حتى من حد الـ65 نائبا.
وقال سليمان لـ"العين الإخبارية": "الدستور واضح فهو يدعو إلى إعادة انتخاب نواب بدلاً من الذين استقالوا في مهلة أقصاها ستون يوماً من موعد استقالتهم، ولكن إذا كان عدد النواب المستقيلين أكثر من النصف، أي 65 نائباً، فهذا يعني أنه لم يعد هناك نصاب قانوني في المجلس".
وتابع: "وفي هذه الحالة، يُعتبر المجلس بحكم المنحل إذا لم تتم الدعوة لانتخابات تكميلية، وانتخاب بدلاء للمستقلين، لأنه لم يعد بإمكانه الانعقاد".
ولفت الخبير القانوني إلى أن "استقالة نواب القوات والتيار الوطني الحر من مجلس النواب، تفقده ميثاقيته المسيحية وفق المادة 24 من الدستور".
وأوضح: "تتحدث هذه المادة عن فقدان الميثاقية في حال استقالة عدد كبير من نواب طائفة محددة"، فيما تنص المادة 95 على أن "المقاعد النيابية موزعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ونسبياً بين الطوائف والمناطق، وفي حال شكلت الاستقالة خللاً كبيراً بالتوازن الطوائفي داخل مجلس النواب، يُعتبر الأخير فاقداً ميثاقيته".
سليمان أشار إلى أن "الفقرة (ي) من مقدمة الدستور تنص على أنه لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك"، مضيفا: "لكن في حال قررت السلطة التشريعية الاستمرار إذا استقال أكثر من 65 نائباً، فهي قادرة على تجاهل ذلك والاستمرار".
ونتيجة لذلك، يبدو خيار الاستقالات إن لم يتم عبر اتفاق سياسي عابر للكتل والوظائف، غير مجد، ولن يؤدي إلى الغاية المرجوة منه، كما أنه لن يؤدي إلى انتخابات مبكرة، وجلّ ما يستطيع فعله هو شلّ مجلس النواب بحجة الميثاقية، من دون حلّه، وفق مراقبين.
وبعد أكثر من تسعة أشهر على تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، لا يزال السباق على الحصص الوزارية يعرقل التأليف، فيما يعاني الشعب اللبناني من أزمات متفاقمة اقتصادية واجتماعية، خاصة في ظل ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 60 بالمئة.