احتجاجات لبنان.. رقص ويوجا وقرع للطناجر على "جثة الطائفية"
بأساليب مبتكرة ومختلفة عن المظاهرات المعتادة نجح الشباب اللبناني في خطف عدسات وسائل الإعلامية العالمية.
منذ الشرارة الأولى للاحتجاجات في لبنان، بدت شهية المتظاهرين مفتوحة على جميع أصناف الاحتجاج، لتخرج أطباقا مختلفة منها.
وبأساليب مبتكرة ومختلفة عن المظاهرات المعتادة في دول الجوار العربي أو العالم نجح الشباب اللبناني في خطف عدسات وسائل الإعلامية العالمية لرصد معاناته حينا ومطالبه حينا آخر.
وإذا كانت المظاهرات في مختلف مناطق لبنان قد أثبتت أن أبناء هذا البلد كسروا حاجز الخوف المذهبي والطائفي؛ فإنهم بأساليبهم المبتكرة استطاعوا رسم صورة لا تشبه سوى حبهم للحياة، والذي اعتادوا أن يحوّلوا به الأزمة إلى فرح والمعاناة إلى ضحكة ونكتة.
من الموسيقى التي تصدح في الساحات بالأغاني الوطنية والثورية فالرقص والهتافات التي تخطت كل القوالب النمطية إلى إغلاق الطرق بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات حينا وافتراش الشباب للطرقات حينا آخر، حتى وصل بهم الأمر إلى القرع بالطناجر (أوانٍ) أو إطلاق أبواق السيارات في الطرقات تعبيرا عن تأييدهم للثورة.
ويرى المتنقل بين ساحات المظاهرات في مختلف المناطق الصورة نفسها تقريبا؛ ففي بداية الحراك الشعبي طغت الموسيقى وحلقات الرقص والدبكة على ما عداها من مظاهر في التجمعات مع ما رافقها من هتافات مستوحاة من الواقع اللبناني وشعارات ترفع المطالب التي خرجت من أجلها التحركات الاجتماعية.
لكن المؤكد أن هذه المطالب ليست عشوائية، وأثبتت مدى وعي مطلقيها من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات، وباتوا ينافسون رجال السياسة في النقاش ومعرفتهم لحقوقهم وواجباتهم.
ومع مرور الأيام بدأت تظهر إبداعات المحتجين الترفيهية منها والثقافية ليخرجوا من صورة الاحتجاجات النمطية عبر أساليب جديدة ولافتة؛ فها هي جلسات تدخين النرجيلة صارت متلازمة للشباب في نهاية النهار بعد ساعات طويلة من "النضال".
بينما اختار آخرون بدء نهارهم بصحة وهدوء عبر تقديم متطوعين صفوف في "اليوجا" على الطريق المقطوعة في وسط بيروت، وهو ما لاقى تجاوبا لافتا من الشباب والشابات المشاركين في الاحتجاجات.
وبعد مرور أكثر من أسبوع على الثورة التي جمعت كل المناطق تحت مطالب واحدة أهمها مكافحة الفساد وإسقاط النظام، كانت مبادرة تنظيم سلسلة بشرية توصل الشمال بالجنوب مرورا ببيروت، وهذا ما نجح في تحقيقه نحو 170 ألف لبناني ممسكين بأيادي بعضهم بعضا تأكيدا منهم على أنهم يد واحدة بعيدا عن أي محاولات للتفرقة الطائفية والسياسية.
وفي العاصمة بيروت أيضا وتحديدا عند مدخل الوسط، وما بات يعرف خلال الثورة بـ"جسر الرينغ"، تحوّلت هذه النقطة إلى "بيت" المتظاهرين الذين أقفلوا بداية الطريق بأجسادهم ثم عمدوا إلى استقدام أثاث منزل شبه كامل، من مقاعد الجلوس إلى البراد والتلفزيون.
بينما حمل بعض المتظاهرين الحاسب الآلي (الكمبيوتر) الخاص بهم، وجلسوا يقومون ببعض أعمالهم في وسط الطريق المقطوع.
وهنا أيضا في النقطة نفسها نصبت خيمة "المطبخ"؛ حيث المشروبات الساخنة والمياه التي يقدمها المتبرعون للمتظاهرين خلال ساعات النهار الطويلة.
ولاكتمال المشهد أيضا، ما كان للشبان إلا استقدام الدجاج واللحوم، وتحضير غداء من "المشاوي" على الجسر.
وفي ساحة رياض الصلح وسط بيروت، اختار لبنانيون، الأحد الماضي، في المظاهرات التي سميت بـ"أحد الغضب" توجيه رسائل من على حبل المشنقة، لتعبر عن معاناة لطالما شكلت سببا في الأزمة والحالة التي يعيشها اللبنانيون منذ عشرات السنوات.
واختارت إحدى الشابات أن "تعلّق نفسها" على حبل المشنقة حاملة ورقة كتب عليها (1795) في إشارة إلى تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية، وكأنها أرادت إعدام هذا العام والتخلص منه ومن تداعياته التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وفي المناطق، لم تختلف الأجواء كثيرا وشارك اللبنانيون في الاحتجاجات كل على طريقته؛ فها هو "مادي كريمة" أحد شباب طرابلس يبدع في إدارته للسهرات عبر الموسيقى المميزة التي يلعبها وأطلق عليه لقب "دي جي الثورة".
وإلى عاصمة الشمال أيضا التي كانت محطة جامعة لكل الثوار اللبنانيين قبل أيام، وفتحت أبوابها لاستقبالهم، أنارت أضواء هواتف المحتجين "ساحة النور" بألوان العلم اللبناني الـ3 (الأبيض والأخضر والأحمر)، راسمين لوحة فريدة من نوعها.
وإذا كان أبناء طرابلس قد اختاروا هواتفهم لإضاءة ثورتهم، فقد اتجه شباب بعلبك لتنظيم مسيرات بالشموع رافعين لواء السلام والمحبة وحقوقهم التي لا تختلف عن أي حقوق أي لبناني.
ولأبناء صيدا الجنوبية، بدورهم ابتكاراتهم الخاصة في هذه الثورة، مرّة عبر إطلاق حملة قرع الطناجر (الأواني) التي دعوا فيها أبناء المدينة إلى الخروج عند الساعة الثامنة مساء إلى الشرفات وإصدارها بصوت واحد، وأخرى عبر الطلب من السائقين إطلاق العنان لأبواق السيارات.
وبين كل هذه التحركات وتلك الابتكارات، أثبتت الاحتجاجات اللبنانية أنها فريدة من نوعها، وتكاد تكون جامعة لكل اللبنانيين الذين خرجوا للمرة الأولى بهذا العدد من عباءة أحزابهم وطوائفهم.
aXA6IDE4LjE5MS45My4xOCA= جزيرة ام اند امز