«ثمن الحرب».. نازحو لبنان يعودون إلى «نقطة الصفر»
منذ نحو 4 أشهر فرّت إيناس طحيني مع عائلتها من بلدتها الحدودية جنوب لبنان مع بدء حزب الله وإسرائيل تبادل القصف ولم تظنّ أن النزوح سيطول.
وتتحسّر الأم لثلاثة أطفال على مصير بيتها وعلى ظروف النزوح الصعبة، بعدما باتت تقيم في مدرسة تمّ تحويلها على عجل إلى مركز إيواء في مدينة صور الساحلية يفتقد لأبسط مقومات الحياة.
- تهديدات إسرائيلية بتحرك «قريب» على حدود لبنان.. ومقترح جديد بغزة
- أحدث قتلى الضربات الإسرائيلية.. 2 من أعضاء حماس بجنوب لبنان
"من الصفر"
وتقول طحيني (37 عاماً) لوكالة فرانس برس: "قصفوا (الإسرائيليون) بيت شقيقي ما أدى إلى احتراقه بالكامل، بينما تضررت شقتي في الطابق الأسفل".
وطحيني في عداد أكثر من 86 ألف شخص نزحوا، وفق الأمم المتحدة، من منازلهم منذ بدء التصعيد عبر الحدود على وقع الحرب في قطاع غزة.
وتتعرّض البلدات الحدودية اللبنانية منذ أشهر لقصف إسرائيلي رداً على إطلاق حزب الله صواريخ من جنوب لبنان، يقول إنها دعم لحركة حماس الفلسطينية.
وتعتمد عائلة طحيني التي نزحت من بلدة عيتا الشعب الحدودية على راتب زوجها الجندي البالغ حاليا 150 دولاراً، والذي لم يكن يكفي العائلة حتى قبل النزوح.
وتوضح بينما تغرورق عيناها بالدموع "لو كنت قادرة على استئجار منزل في صور لفعلت ذلك، لكن ذلك ليس بمقدورنا ولا نعرف ماذا سيحدث لنا".
وعيتا الشعب من البلدات الحدودية الأكثر تضرراً بالقصف الإسرائيلي الذي أدى إلى دمار عدد كبير من المنازل.
وتنشر الوكالة الوطنية للإعلام بشكل شبه يومي تقارير عن ضربات تلحق أضراراً بالغة بمنازل وتدمر بعضها الآخر، فيما يعلن حزب الله بانتظام مقتل عناصر منه في تبادل إطلاق النار مع إسرائيل، ويطول القصف أيضا مدنيين.
وتنقل طحيني عن جيرانها تضرّر ممتلكات لهم جراء القصف الإسرائيلي. وتقول بحرقة "على كل هؤلاء الناس أن يبدأوا مجدداً من الصفر".
"انقلبت حياتنا"
وتسبّب التصعيد بمقتل 216 شخصاً في لبنان بينهم 161 مقاتلاً من حزب الله و26 مدنياً، ضمنهم 3 صحفيين، وفق تعداد لوكالة فرانس برس، بينما قتل 15 شخصاً في الجانب الإسرائيلي بينهم ستة مدنيين، بحسب الجيش الإسرائيلي.
ويعلن حزب الله استهداف مواقع ونقاط عسكرية إسرائيلية، بينما يردّ الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي يقول إنه يستهدف "بنى تحتية" للحزب وتحركات مقاتلين قرب الحدود.
وفي قاعة تدريس باتت مسكنه في مركز الإيواء ذاته في صور، يروي حافظ مصطفى (46 عاماً) لفرانس برس أن أولاده الـ10 انقطعوا عن التعلّم في المدارس والجامعات نتيجة النزوح.
ويقول الرجل الذي كان يعتاش من مزرعتي بقر قبل نزوحه من بلدته بيت ليف: "اضطرت ابنتاي للتوقف عن ارتياد الجامعة بسبب عدم قدرتي على توفير 400 دولار قبل الامتحانات".
واستهدف القصف الإسرائيلي على حد قوله مزرعة يمتلكها مع شريكه، ما أدى إلى مقتل عدد من الأبقار وهروب بعضها الآخر، واضطر لبيع 17 بقرة كانت في مزرعة ثانية بسبب عدم قدرته على تأمين مكان لإيوائها ومن أجل توفير مورد عائلته.
ويقول بحسرة "كنا نعلّم الأولاد ومعنا المال وأمورنا جيدة.. الحرب قلبت حياتنا رأسا على عقب".
ويتابع "حتى لو عدت إلى بلدتي، فسأبدأ حياتي من الصفر"، مضيفاً "ملّينا من الحرب، لقد طالت كثيراً ولم نعد نحتمل".
وتؤوي منطقة صور العدد الأكبر من النازحين مع هرب أكثر من 27 ألف شخص إليها، وفق الأمم المتحدة. ويقيم قرابة ألف منهم في مراكز إيواء.
"هدنة"
يحتاج النازحون المتحدرون من 87 قرية وبلدة معظمها حدودية إلى مساعدات، وفق مهنا الذي كان يتحدث من غرفة إدارة الكوارث محاطاً بمتطوعين وموظفين حكوميين يعملون دون توقف وقربهم شاشات وقوائم عليها أسماء وأرقام هواتف.
وعلى وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق وتدهور قيمة العملة المحلية منذ عام 2019 في لبنان، تضاءلت قدرة السلطات على تقديم الخدمات الأساسية.
ولم يتلق النازحون في منطقة صور، وفق مهنا، حصصاً غذائية إلا مرة واحدة في غضون نحو أربعة أشهر، وسط نقص في الحاجات الرئيسية من فرش وأغطية ووسائد.
ويتابع "هذه العائلات خسرت ممتلكاتها وأشغالها وليست قادرة على شراء ما تحتاج اليه".
وعلى غرار مصطفى، يؤكد كثر أنهم وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها نازحين بعدما كانوا ميسورين وقادرين على تأمين كل احتياجاتهم.
واختار عباس فقيه (40 عاماً) النزوح مع زوجته وأطفاله الأربعة من قرية رب تلاتين إلى بلدة صريفا الواقعة على بعد 15 كيلومتراً من الحدود، والتي بقيت بمنأى عن القصف الإسرائيلي.
ويعتبر نفسه محظوظاً كونه يقيم مع عائلته الكبيرة في منزل دون دفع بدل إيجار، ولتمكنّه من نقل ماشيته إلى قطعة أرض قريبة.
لكن ذلك لم يحل دون خسارته بعضاً من مصدر رزقه.
ويقول لفرانس برس بينما يلهو أطفاله مع أولاد عمهم قربه "كان لدي 250 رأساً من الماعز، بعت قرابة ستين منها حتى الآن من أجل تأمين الطعام للعائلة والعلف لبقية الماشية".
ويوضح أن العديد من الجديان المولودين حديثاً ماتت بسبب البرد ولعدم جاهزية قطعة الأرض التي نقلها إليها. ويتحسّر لعدم قدرته هذا العام على زرع مواسم القمح والعدس.
ويأمل فقيه أن يتوقف القصف ويعود إلى قريته، ويقول "نتابع الأخبار بفارغ الصبر على أمل سماع أخبار عن هدنة".
aXA6IDE4LjExOS4xMjUuNjEg
جزيرة ام اند امز