سجال عالي السقف يقطع "شعرة معاوية" بين عون والحريري
تنابز بالاتهامات، ولهجة حادّة، بين الرئاسة اللبنانية وتيار المستقبل، في مستوى خطاب عالي السقف، قد يقضي على شعرة معاوية بين الطرفين.
ويتدافع الفرقاء اللبنانيون المسؤولية حول تعطيل تشكيل الحكومة، وسط اتهامات بانتهاك الدستور، على وقع سجال ساخن بين قصر بعبدا وتيار المستقبل؛ برئاسة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري.
الأحدث في هذا السجال الذي يصب الزيت على نار الأزمة المستفحلة، هو رد تيار المستقبل على بيان الرئاسة اليوم الأربعاء شديد اللهجة.
وفي بيان صادر عن مكتب رئاسة الجمهورية اتهم القصر سعد الحريري، بانتهاك الدستور وتعطيل تأليف الحكومة.
ويضرب السجال الحادّ التفاؤل الذي يكاد يعول عليه اللبنانيون، بنجاح مبادرة رئيس البرلمان، ورئيس حركة "أمل" نبيه بري.
وقال بيان المكتب الإعلامي الذي وصلت "العين الاخبارية" نسخة منه في رده على ما أسماه "حملات تيار المستقبل"، إن "الرئاسة آثرت طوال الأسابيع الماضية عدم الدخول في أي سجال مع التيار، إفساحا في المجال أمام المبادرات القائمة لمعالجة الوضع الحكومي".
انتهاك الدستور
وأضاف أن بيان "تيار المستقبل"، أمس الثلاثاء، "خير دليل على الدرك غير المسبوق في الحياة السياسية الذي انحدر إليه القيّمون على هذا التيار، واستمرار هروب الرئيس المكلف من تحمل مسؤولياته في تأليف حكومة متوازنة وميثاقية تراعي الاختصاص والكفاءة وتحقق المشاركة، ما يشكّل إمعانا في انتهاك الدستور ووثيقة الوفاق الوطني".
وأردف بيان الرئاسة: "الادعاء بأن رئيس الجمهورية يحاول الانقضاض على اتفاق الطائف ومفاعيله الدستورية قمّة الكذب، ومن يضرب اتفاق الطائف هو من يعمل على ضرب الدستور والتلاعب على نصوص واضحة فيه".
وتابع البيان في نفس الاتجاه: "الرئيس المكلف يصّر على محاولة الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال اللجوء إلى ممارسات تضرب الأعراف والأصول، وابتداع قواعد جديدة منتهكا التوازن الوطني".
ورأت الرئاسة في بيانها أن "الرئيس المكلف وتياره يتعمّدان تحميل عهد الرئيس عون مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، وما ورثه العهد من أوضاع مالية وديون، ثمرة سوء إدارة فريق الرئيس المكلف لشؤون الدولة".
استعصاء تكليف الحكومة
وردا على وصف بيان تيار المستقبل وضع لبنان بـ"المستنقع"، الذي تتجه إليه البلاد، قال المكتب الإعلامي للرئاسة إن "(تيار الحريري) أطلق النار مسبقا على اقتراح الدعوة إلى عقد مؤتمر حوار وطني، وقطع الطريق على أي محاولة إنقاذية لتأليف الحكومة، وإجراء الإصلاحات التي تؤمن للبلاد استقرارها"، حسب تعبير البيان.
ووصف بيان "الرئاسة" بيان "المستقبل" بأنه يحمل اللغة السوقية قائلا: "لن تنحدر رئاسة الجمهورية إلى المستوى المتدني في اللغة السوقية أو الأكاذيب والأضاليل والوقاحة، وتفسح في المجال أمام مساعي إيجاد معالجات إيجابية للأزمة الحكومية التي افتعلها الرئيس المكلف".
ردّ على ردّ
ولم تمضِ غير ساعتين على بيان المكتب الإعلامي للرئاسة حتى سارع تيار المستقبل إلى الرد، قائلا: "من يستولي على صلاحيات رئيس الجمهورية يا فخامة الرئيس، هو من يتاجر بها ويضعها في البازار السياسي للبيع والشراء بها، ويستدرج العروض بشأنها، كما هو حاصل من خلال احتجاز التوقيع على تشكيل الحكومة كرمى لعيون الصهر"، في إشارة إلى باسيل.
وأبدى بيان تيار المستقبل أسفه "أن يصبح موقع الرئاسة ممسوكاً من قبل حفنة مستشارين، يتناوبون على كسر هيبة الرئاسة وتلغيمها بأفكار واقتراحات وبيانات لا تستوي مع الدور الوطني المنوط بها"، داعيا رئيس الجمهورية إلى العودة إلى الدستور وتجنيب اللبنانيين "كأس جهنم"، وفق تعبيره.
وفي بيانه أمس الثلاثاء تساءل "تيار المستقبل" قائلا: "هل نحن في عهد جبران باسيل أم في عهد ميشال عون؟".
واتهم "المستقبل" رئيس التيار الوطني الحر، بتحويل القصر الرئاسي في عهد (عمه) عون إلى مؤسسة حزبية تابعة له، مؤكداً أنه نجح في استنزاف الرئاسة اللبنانية وتعريضها لأبشع التهم والأوصاف وتفخيخها بفريق عمل من المستشارين تتنافس على تنصيب "سيد العهد على عرش أسوأ العهود في تاريخ لبنان"، وفقا للبيان.
هجوم على رئيس الظل
ووصف البيان النائب باسيل بـ"رئيس الظل" قائلا: "لا يترك رئيس الظل جبران باسيل مناسبةً إلا ويتكلم بها بلسان رئيس الجمهورية، ويؤكد ذلك أن إرادة تعطيل تشكيل الحكومة، تتقدم لدى الرجلين على كل الإرادات الوطنية الساعية إلى تأليف حكومة طال انتظارها من قبل اللبنانيين".
وأضاف بيان تيار المستقبل: "المشكلة أن جبران باسيل لا يقيم أي وزن لمعاناة اللبنانيين بفعل فشل العهد وحكومته، وجل ما يعنيه اليوم استدراج العروض السياسية من أجل استعادة اعتباره السياسي الذي مُني بانتكاسة العقوبات الأمريكية".
وأردف: "لم يكتفِ بإفشال عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، بل يمعن في استخدامه أداةً لإعادة تعويم نفسه".
وعن دعوة باسيل لعقد حوار وطني في قصر بعبدا، قال تيار المستقبل: "قد فاته أن غالبية اللبنانيين، وبفضله، ينظرون إلى القصر في عهد عون على أنه مؤسسة حزبية تابعة لباسيل، وليس موقعاً للرئاسة الأولى".
ورأى البيان أن "جبران باسيل يتوهم، باستخدامه لعون كمبرر وجوده في الحياة العامة في لبنان، التمكن من الانقضاض على رئاسة الحكومة وكسر شوكتها والاستيلاء على صلاحيات التكليف والتأليف، وإحكام السيطرة على السلطة التنفيذية" .
وتوجه التيار لباسيل بالقول: "لا يا جبران، لن يكون لك ذلك، ولن تحصل، مهما ناورت وغامرت واستقويت بالعهد وسيده، على تعويم نفسك والجلوس إلى طاولة تريدها جسراً لتحقيق أحلامك وأوهامك ."
وخًتم البيان الحادّ بالقول : "لقد بات القاصي والداني يعلم في لبنان والخارج، أن باسيل الذي يقود اللبنانيين إلى جهنم، التي بشرنا بها رئيس جمهوريته، مولعا بإشعال النيران السياسية هنا وهناك".
اتهام بالتلكؤ
وكان رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل أكد في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء أنه "سيطفئ أي ذريعة جديدة لعدم تشكيل الحكومة".
ومتهما الحريري بالتلكؤ في تشكيل الحكومة، قال باسيل: "واضح أن هناك "فبركة" للحجج لعدم التأليف، ونحن أظهرنا مرارا عدم تمسكنا بأي وزارة، لكننا مع توزيع الوزارات بالمناصفة وبين الكتل والطوائف".
وأضاف خلال مؤتمره الذي جاء بيان تيار المستقبل ردا عليه: "نحن لن نترك مجالا لأي أمر يمكن أن نقوم به إلا ونفعل للتسهيل.. لأننا نريد حكومة وبرئاسة سعد الحريري".
وشدد على أنه "إذا حدثت مماطلة أكثر من ذلك، فنحن مجددا ندعو رئيس الجمهورية أن يدعو إلى حوار مكاشفة صريح"، مشدداً على أن "الحوار سيؤدي حتما إلى تسريع وتسهيل تأليف الحكومة"
وهدد رئيس التيار الحر بقوله: "إذا حصل امتناع عن حضور الحوار فمن الطبيعي أن نفكر عندها بمبادرة جديدة وخطوات ضاغطة أكثر وملزمة لعملية التأليف".
ويأتي هذا السجال المتجدد عشية بدء الحديث في لبنان عن إمكانية التوصل إلى حل عبر مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري؛ حيث شهدت الساعات الأخيرة حراكا سياسيا واجتماعات على خط المباحثات، فيما من المتوقع أن يلتقي اليوم الأربعاء البطريرك الماروني بشارة الراعي رئيس الجمهورية ميشال عون للبحث في الموضوع.
وتنص "مبادرة بري" على تشكيل حكومة من 24 وزيرا من اختصاصيين غير حزبيين لا ثلث معطل فيها، وهو الأمر الذي كان محور بحث على أكثر من خط، أبرزه اللقاء الذي عقد بين بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
وفيما يتهم عون وباسيل الحريري بالاستئثار بالحصة المسيحية في الحكومة وهو ما ينفيه الرئيس المكلف، يرفض الأخير تحقيق مطلب رئيس الجمهورية وصهره بالحصول على الثلث المعطل ووزارات أساسية.