عام على انتفاضة لبنان.. تحول تاريخي بلا تغيير
الانتفاضة نجحت في إسقاط حكومتين، وإرباك الزعماء السياسيين، وإقرار قوانين لطالما ظلت حبيسة مكاتب المسؤولين، لكنها لم تحقق المنشود منها
حين توحد اللبنانيون، قبل عام، تحت راية بلد الأرز وأسقطوا الشعارات الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية، كانوا مفعمين بأمل التغيير.
غير أن عاما انقضى على انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019، حاملا معه إحداثيات واحدة من أصعب الأزمات التي شهدتها البلاد منذ الحرب الأهلية.
إحداثيات على خط التماس بين واقعين سياسي واقتصادي ـ اجتماعي، لم يراوح مكانه، بل تهاوى نزولا إلى مستويات قياسية تقاطعت عند خطوط عريضة لإفلاس الدولة والسياسيين، وأزمة كورونا وانفجار المرفأ.
ثورة على الطوائف
شكّلت الاحتجاجات التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، رفضا لضريبة إضافية على خدمة "واتس آب"، محطة مفصلية في تاريخ لبنان، خرج خلالها الآلاف عن عباءة طوائفهم وزعاماتهم، رافعين شعارات إصلاح النظام وإسقاط السلطة، لخصتها عبارة "كلن يعني كلّن" (كلكم).
ونجحت الانتفاضة في إسقاط حكومتين، وإرباك الزعماء السياسيين، وإقرار قوانين لطالما ظلت حبيسة مكاتب المسؤولين.
- عام من ثورة لبنان.. أزمات اقتصادية تطيح بمستقبل وطن وأحلام مواطن
- عام على حراك لبنان.. حكومات سقطت ومحرمات تبخرت
فبعد أيام من انطلاقها، دفعت الاحتجاجات حكومة سعد الحريري إلى الاستقالة، قبل أن تتراجع وتيرتها مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، سيطر عليها حزب الله وحلفاؤه.
غير أن تلك التشكيلة فشلت في تحقيق تطلعات المحتجين، لتسقط بدورها على وقع غضب اللبنانيين بعد انفجار المرفأ المروّع في 4 أغسطس/آب الماضي.
زياد ماجد، الباحث وأستاذ العلوم السياسية في باريس، اعتبر أن المسؤولين اللبنانيين "يخشون أن يتم استهدافهم من المتظاهرين، فاختفوا.. يخشون أن يتم ربط أسمائهم بالفساد".
وبعد انفجار المرفأ، لم يجرؤ أي مسؤول رفيع على تفقد الأضرار خشية ردّ فعل الأهالي، فيما تعرّض وزيران على الأقلّ للطرد من قبل محتجين.
الحراك الشعبي كسر أيضاً حواجز عدة بعدم استثنائه منطقة أو طائفة أو زعيم، خصوصاً بعدما طالت الهتافات حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، في مشهد لطالما اعتُبر من "المحرّمات".
وخلال عام، أقرّ مجلس النواب اللبناني قانونين لمكافحة الفساد، في محاولة من الأحزاب السياسية لتهدئة الشارع من جهة، وإرضاء المجتمع الدولي الذي يطالب بيروت بإجراء إصلاحات مقابل دعم مالي.
حراك بلا تغيير
ويقر ناشطون بأن انتفاضة لبنان فشلت في تحقيق هدف التغيير المنشود، وأنه لا يمكن إنكار مكتسباتها من حيث كسر رؤى نمطية، وحواجز الطائفية وغيرها من التقسيمات.
الناشط السياسي اللبناني إبراهيم منيمينة، اعتبر أن "لثورة 17 أكتوبر طبيعة مختلفة عن التحركات الأخرى، لأنها انطلقت بعفوية بدون أي قيادة ولا مشروع سياسي".
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال منيمينة إن أهمية الثورة كانت بخروج الناس إلى الطرقات من منطلقات مختلفة ومتعددة، والتقوا في الساحات التي شكلت مساحات مشتركة لهم".
وأضاف: "هذا برأيي من أهم الإنجازات لأن اللبنانيين التقوا من مختلف الطوائف والطبقات والمناطق على رفض هذه السلطة الطائفية وأدواتها ونهجها".
ومستدركا: "رغم إيجابيتها، كانت عفوية الثورة هي نقطة ضعفها، بحيث لم يكن لها أهداف واضحة باستثناء الإطاحة بالنظام بأي طريقة".
ووفق الخبير، فإنه "عندما حاولت مجموعات الناشطين تنظيم نفسها، كان من الصعب تشكيل نوع من القيادة، لأن الحركة الشعبية أكبر وأوسع من أن تنتظم تحت إطار واحد".
ورأى أن ذلك ما جعل السلطة تستغل هذا الموضوع بأدواتها المعروفة التي استعمتلها لإفشال الثورة، ما شكل عائقا إضافيا أمام تبلور رؤية سياسية أو ابتكار أدوات جديدة للتعبير والاشتباك والمواجهة السياسية مع الأحزاب.
هوية جامعة
إشكال آخر، بحسب منيمينة، يكمن في عدم خلق إطار تنظيمي وعدم القدرة على المناورة مع السلطة.
وخلص الخبير إلى ضرورة التعلم من التجربة، وسد الثغرات، والعمل على خلق هوية جامعة تحافظ على تنوع المجموعات، ووضع منصة تتضمن هذا الإطار وفق أسس واضحة في المشروع السياسي، ثم التواصل مع الناس كي لا يكونوا هم بمكان والنخب التغييرية بمكان آخر".
وأكد أن "المطلوب يتمثل في الاستمرار وبناء زخم جديد ينطلق من هذا المشروع السياسي، حتى ننتقل إلى مرحلة متطورة ومتقدمة، ونتخطى مرحلة 17 أكتوبر/تشرين الأول إلى أخرى أنضج سياسيا وأكثر فعالية لتحقيق التغيير".
تحول تاريخي
من جهتها، تقول أستاذة التاريخ والعلوم السياسية كارلا إده، إن "الثورة شكلت تحولاً تاريخياً بالتأكيد في لبنان، لكنه لا يزال من المبكر الحديث عن مرحلة تأسيسية".
واعتبرت إده، في تصريحات إعلامية، أن المثال الأكثر وضوحاً هو أن "الطبقة السياسية التي يطالب المتظاهرون منذ عام برحيلها واستبدالها بحكومة اختصاصيين مستقلة تماماً، لا تزال تتحكم بالحياة السياسية، وتتقاسم الحصص في ما بينها وتحدد شكل الحكومات وأعضاءها".
وتوضح إده أن الحركات الثورية "تحتاج لوقت بشكل عام" لتحقيق التغيير "إلا أن الوقت وحده لا يكفي".
كما ترى أن الحركات التي نجحت في "هيكلة" نفسها تمكّنت من تحقيق تغيير، فيما "تغيب القيادة" عن الحراك اللبناني الذي يقوم على مجموعات مختلفة تتباين وجهات نظرها أحياناً.