لبنان بعد اتفاق وقف النار.. ندوب الحرب في كل مكان وعودة خجولة للحياة
انتهاء هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية، وعودة المحال التجارية لفتح أبوابها، فيما يحتضن الأصدقاء القدامى بعضهم بعضا على المقاهي، ملامح تكيف سكان بيروت مع السلام غير المستقر الذي حل بعد أكثر من عام على الحرب مع إسرائيل.
وتوصل لبنان وإسرائيل الأسبوع الماضي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الولايات المتحدة وفرنسا، ينص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان خلال 60 يوما، في وقت من المفترض أن يسحب حزب الله قواته إلى شمال نهر الليطاني (30 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل) ويفكك البنى التحتية العسكرية التابعة له في جنوب لبنان.
وقبل أن يجف حبر الاتفاق، أعادت المحلات التجارية فتح أبوابها في المباني التي تعرضت للقصف، واستؤنفت ليالي النوادي، على الرغم من أن رواد الحفلات يُنصحون بتوخي الحذر بشأن إظهار الفرح التباهي على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت امرأة تدير متجرا يبيع الأعشاب في حي البسطة، وهو حي معروف بالآثار القديمة تعرض لغارات جوية إسرائيلية في الساعات الأخيرة قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ يوم الأربعاء: «بدأت المدينة تعود إلى الحياة ببطء».
ملامح اليوم التالي غائبة
لكن المرأة، التي لم ترغب في ذكر اسمها، حذرت من أن التعافي سيستغرق وقتا طويلا، قائلة: «لم تعد الأمور إلى طبيعتها بعد. لا يزال الناس حذرين».
في بيروت، كما هي الحال في أغلب مناطق جنوب وشرق البلاد، تنتشر ندوب الحرب في كل مكان. فقد تضررت العاصمة اللبنانية بشدة من جراء القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من ضواحيها الجنوبية. ورغم أن وسط بيروت لم يتأثر بالقصف الإسرائيلي، فقد تعرض للهجوم أيضاً، مما خلف فراغات في الشوارع المزدحمة.
وعندما تصاعدت حدة الحرب الأخيرة في سبتمبر/أيلول، امتلأت المدارس والكنائس والمباني المهجورة في بيروت بالناس الذين أجبروا على الفرار من القتال في أماكن أخرى. والآن أصبح العديد منهم عالقين بلا مكان يذهبون إليه.
وتقول صحيفة «فايننشال تايمز»، إن إعادة بناء بلد أنهكته سنوات من الأزمة الاقتصادية والجمود السياسي ستكون مهمة ضخمة، فقد قدر البنك الدولي الأضرار المادية الناجمة عن الصراع بنحو 3.4 مليار دولار، ومن المرجح أن تكون تكلفة إعادة الإعمار أعلى من ذلك بكثير.
وقال ناصر ياسين الوزير المسؤول عن الاستجابة لحالات الطوارئ في الولاية، إن قائمة التحديات الفورية كبيرة للغاية لدرجة أنه من السابق لأوانه حتى البدء في الاستعداد للتعافي على المدى الطويل.
وأضاف ياسين: «لا أعتقد أننا وصلنا إلى اليوم التالي. فنحن ما زلنا في مرحلة ما قبل الوصول إلى اليوم التالي. وسوف يتطلب اليوم التالي قدراً كبيراً من الاستثمار وإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي»
بدأت الحرب بعد أن أطلق حزب الله صواريخ على إسرائيل في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتصاعد الصراع عبر الحدود بعد أن صعدت إسرائيل حملة القصف في سبتمبر/أيلول وشنت غزوًا بريًا.
ندوب الحرب في كل مكان
كان الهدف المعلن لإسرائيل هو دفع الجماعة المسلحة المدعومة من إيران بعيدًا عن الحدود وضمان العودة الآمنة لستين ألف نازح إسرائيلي. وقُتل حوالي 140 إسرائيليًا، بينما قُتل ما يقرب من 4000 شخص ونزح 1.2 مليون شخص في لبنان.
وانتهى الأمر بالعديد منهم إلى الملاجئ في بيروت وأماكن أخرى. وقال ياسين إن نحو 500 ألف شخص تضررت منازلهم أو دمرت، و150 ألف شخص يأتون من قرى حدودية تم القضاء عليها بالكامل أو لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية.
وبينما غادر نحو 80% من المقيمين في الملاجئ خلال يومين من وقف إطلاق النار، وفقاً لبيانات الحكومة، قال القائمون على إدارة الملاجئ في مختلف أنحاء العاصمة إن بعض الناس ظلوا هناك. وغادر بعضهم وعادوا بعد أن وجدوا أن منازلهم غير صالحة للسكن.
ليلى، وهي عاملة اجتماعية سابقة كانت تلجأ إلى مدرسة مهجورة في منطقة الحمرا التجارية القريبة من البحر حيث لجأ الآلاف، جلست خارج خيمتها البيضاء بينما كانت العائلات تحمل الشاحنات وتغادر إلى ديارها.
ولم تشعر بأي من نشوة الفرح التي انتابتها: فقد دمر الهجوم الإسرائيلي منزلها في جنوب بيروت. وقالت: «عدت لأراه وأنقذ ملابسي الشتوية. لكنه لم يعد سوى أنقاض... ليس لدي مكان أعود إليه».
فاتورة الإعمار
لكن من غير الواضح من أين ستأتي الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، فقد سبق لإيران أن دفعت الفاتورة، لكن الميزانية الأكثر صرامة والقيود الغربية قد تحد من مساهماتها. كما خفضت دول الخليج المساعدات منذ سنوات، بسبب إحباطها من الفساد، ونقص الإصلاح، والضائقة السياسية التي تعاني منها البلاد.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الأضرار التي لحقت بحزب الله، الذي دمرت قيادته وصفوفه بسبب الهجوم الإسرائيلي، تعني أيضاً أنه قد لا يملك القدرة المالية على تقديم نفس الدفعات السريعة والسخية التي قدمها بعد حرب عام 2006.
لكن في بيروت، بدأت الحياة اليومية تعود إلى طبيعتها. ففي الحي الشرقي الذي تقطنه أغلبية مسيحية، والذي لم يمسسه القصف، أصبحت الحانات التي ظلت فارغة لأسابيع، فجأة محجوزة بالكامل، حيث تدفق الزبائن إلى الشوارع.
وفي منطقة بسطة، كان المتسوقون يتجولون بلا مبالاة أمام كومة من الأثاث المكسور والخرسانة المهشمة التي خلفتها غارة جوية، بينما كان أحد عمال اللحام يقوم بإصلاح اللافتة فوق محل لبيع العصير.
وقال صاحب متجر للمجوهرات في الطابق الأرضي إنه يتفقد علبه الفارغة والنوافذ المحطمة لكنه قال إنه يخطط لإعادة فتح متجره خلال أسبوعين.