الدولار بريء من أزمة كهرباء لبنان.. فتش عن المصالح
خبراء يرون أن أزمة كهرباء لبنان ليست بسبب نقص العملة، ولكن هناك عوامل أخرى لها علاقة بالصراعات السياسية.
أصبح الدولار هو التهمة التي يتحدث عنها بعض المسؤولين في لبنان مع كل أزمة لتبرير فشلهم في إدارة أمور البلاد التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة.
وفي أزمة الكهرباء، كانت التهمة جاهزة، وهي عدم توافر العملة الصعبة لاستيراد النفط اللازم لتوليد الكهرباء، لكن الحقيقة والتفاصيل أكبر من كل هذا، فالمصالح الشخصية والحسابات السياسية هي التي خلفت هذه الأزمة.
ورأت مجلة "فوربس" الأمريكية أن حالات انقطاع الكهرباء الأخيرة في البلاد لا يبدو أنها ناجمة عن عجز في مصادر شحنات الوقود، استنادًا لبيانات تتبع سفن الشحن، ولكنها بالأحرى بسبب عقود من سوء الإدارة والمشاحنات السياسية.
الجغرافيا السياسية والنفط
خلال خطاب متلفز في 16 يونيو/حزيران، زعم حسن نصر الله أمين عام حزب الله، أن قانون قيصر الذي فرضته واشنطن وجاء بعقوبات جديدة على دمشق، يستهدف لبنان بنفس الطريقة التي يستهدف بها سوريا، ويسعى لإحداث مجاعة بالبلاد كما الحال في دمشق.
لكن في وقت لاحق من الشهر، نفت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا مزاعم نصر الله، متهمة الجماعة بزعزعة استقرار البلاد وتقويض تعافيها الاقتصادي، وذلك فيما يواجه لبنان أسوأ أزماته المالية.
وذكرت "فوربس" أن حسن نصرالله اقترح تواصل لبنان مع إيران التي ستكون مستعدة لتزويدها بالمنتجات الأساسية، وتحديدًا إمدادات الوقود، لتصريف نفطها الراكد بسبب العقوبات الأمريكية.
لكن لن يتم الدفع بالدولار الأمريكي، بل بالليرة اللبنانية - وهي العملة التي فقدت نحو 80% من قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 – أو عن طريق المقايضة.
وتظهر هنا المصالح المشتركة بين إيران وحليفها في لبنان حزب االله الذي يسعى لمساعدة طهران للتحايل على عقوبات واشنطن.
وفي 9 يوليو/تموز، حذرت واشنطن من هذه الخطوة كونها تمثل اختراقا للعقوبات المفروضة على طهران، قائلة "إنه إذا جرى تسليم شحنات النفط الإيرانية سرًا إلى لبنان، يمكن رصد حركة السفن من طهران إلى الشرق الأوسط".
وفي هذه الأثناء، قال وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر إنه لم يكن هناك مفاوضات مع إيران بشأن استيراد الوقود، مضيفًا أن المناقشات جرت مع العراق.
لكن المجلة الأمريكية قالت إن هذا الخيار أيضًا غير قابل للتحقيق، وعلى الأرجح سيخضع للتدقيق؛ مشيرة إلى أن العراق أنتج متوسط 265 ألف برميل يوميًا من الوقود النفطي منذ عام 2009، وهو ما يتجاوز الطلب المحلي (الذي يتراوح ما بين 140 ألف برميل و190 ألف برميل يوميًا)، طبقًا لدراسة أجراها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة عام 2018.
ورأت "فوربس" أنه إذا أراد لبنان حقًا استيراد الوقود من بغداد، لتوصل لاتفاق معها منذ سنوات بدلًا من البحث عن دول أخرى، وعلاوة على ذلك، يواجه العراق أزمته المالية الخاصة بسبب تراجع أسعار النفط، لذلك، فهو ليس البلد الأمثل لـ"مساعدة" لبنان.
سوء إدارة
عانى لبنان مؤخرًا من حالات انقطاع شديدة بالتيار الكهرباء خاصة بعد تقارير بشأن الكشف عن شحنة وقود ملوثة في مارس/آذار، الأمر الذي تمخض عنه عمليات اعتقال وتحقيقات، وأرجع تكرار انقطاع الكهرباء على مدار الأسابيع القليلة الماضية جزئيًا إلى تلك الشحنة.
وأفاد تقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولي بأن قطاع الكهرباء كان في صميم الاختلال المالي لمدة عقود.
وقال الناشط السياسي اللبناني أدهم الحسنية إنه "على ما يبدو ولمدة 30 عامًا، كانت هناك محاولات لإبقاء أزمة الطاقة مستمرة، مع الحفاظ على نظام مواز غير رسمي لتوليد الكهرباء، مثل شبكة مولدات الديزل الخاصة المتنامية"، مشيرًا إلى أن الوضع الراهن يفيد ملاك تلك المولدات الذين يجنون الأرباح المالية لرسوم الاشتراك.
وبالرغم من أن بعض الشخصيات في لبنان استخدمت الانهيار المالي لتبرير أزمة الوقود التي ضربت البلاد مؤخرًا، لا يبدو أنها متعلقة بنقص الأموال.
وقالت خبيرة شؤون الطاقة جيسيكا عبيد إن أزمة الوقود ليست متعلقة بنقص الدولار الأمريكي، بل مشاحنات سياسية.
وقالت "فوربس" في ختام تقريرها إن انقطاع الكهرباء في لبنان أصبح هو القاعدة، مع فشل الحكومات المتعاقبة في حل الأزمة منذ نهاية الحرب الأهلية، لكنها أكدت أن لبنان لا يحتاج إمدادات الوقود الإيراني أو العراقي من أجل توليد الطاقة، ولكن يحتاج قادة تتحمل المسؤولية كاملة عن أزمة من صنيع أيديهم، والمشاركة في إصلاحات جدية خاصة بقطاع الطاقة.