دروس خاطئة من الحرب في أوكرانيا.. المعارك الكبرى مختلفة
مع كل حرب، يبدأ الخبراء والمحللون في تحديد الدروس الميدانية المستفادة من أجل المستقبل، لكن تظهر دروس خطأ لا ينبغي اتباعها بحروب جديدة.
منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، ظهرت عدة تحليلات للدروس المحتملة من الصراع لحروب المستقبل، بما في ذلك تداعيات مواجهة عسكرية محتملة بين الولايات المتحدة والصين بسبب تايوان.
وطبقا لتحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية يعج التاريخ العسكري بأمثلة عن جيوش استخلصت الأمثلة الخاطئة من الحروب السابقة وتطبيقها في حروب جديدة مع آثار كارثية.
ولأنه من الصعب التنبؤ بطابع الحرب التالية، فإن أي دروس مستخلصة من الصراع الحالي للتالي يحتمل بشكل كبير أن تكون خاطئة.
وبدلًا من ذلك، يمكن للمخططين العسكريين وصناع القرار التركيز على الأخطاء المفترضة من الحرب الروسية التي يجب تجنبها.
ويستعرض التحليل 6 قراءات خاطئة من الحرب في أوكرانيا، يجب على تايوان أو أي أطراف حرب جديدة تجنبها:
1- منظومات الأسلحة:
منذ بداية الحرب، تم الترويج للعديد من الأسلحة باعتبارها تغير قواعد اللعبة مع احتمال تغيير مسار الحرب بأكملها. وقد مكنت صواريخ ستينغر وجافلين الأمريكية الصنع الجنود الأوكرانيين من تدمير الطائرات الروسية والمركبات المدرعة.
كما حققت مسيرات "بيرقدار تي بي 2" التركية نجاحا كبيرا أمام الأهداف الروسية، ومؤخرا مكنت منظومات هيمارس ومنصات الإطلاق المتحركة الأوروبية المشابهة أوكرانيا من توجيه ضربات في عمق المناطق الخلفية للروس وتعطيل عملياتهم اللوجيستية بشدة.
ويتمثل الخطر في هذا الدرس في أنه يؤكد أهمية التكنولوجيا الجديدة على التدريب، والمفاهيم العملياتية المبتكرة، لكن أوكرانيا تمكنت من تحويل الحرب ليس بسبب بعض الجودة التكنولوجية لأي نظام أسلحة، بل بسبب قدرتها على دمج الأسلحة الفردية فيما يعرف بعمليات الأسلحة المشتركة.
وهذه إجراءات منسقة من جانب عدة وحدات بساحة المعركة، يسهلها على الأرجح الدعم الأمريكي للاستخبارات والمراقبة واكتساب الهدف ومهام الاستطلاع (ISTAR).
2- الدفاع:
ساعد الإخفاق الروسي في أوكرانيا أيضًا في تشجيع الرواية القائلة إن الدفاع سيهيمن على ساحة المعركة في حروب القوى العظمى بالمستقبل، وبعبارة أخرى ستكون مهاجمة الخطوط الأمامية للعدو أكثر صعوبة بشكل غير متناسب من الدفاع عنها.
والسبب الرئيسي في هذه الطريقة من التفكير هو صعوبة تحقيق مفاجئة تكتيكية واستراتيجية بساحة المعركة مشبعة بأجهزة الاستشعار، التي تجعل من الصعب عدم اكتشاف أي حركة مباغتة.
وقد يهيمن الدفاع على مراحل حرب القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان على الأرض، لكن لتحقيق الفوز ستحتاج القوات البرية في النهاية لاتخاذ الموقف الهجومي، ومن المرجح أن ينتصر الجانب الأكثر قدرة على تنفيذ مناورات الأسلحة المشتركة خلال هذه الهجوم.
3- التكنولوجيا التجارية:
أكد عدة محللين أن التوافر غير المسبوق واستخدام التكنولوجيا المتاحة تجاريا -بما في ذلك الطائرات المسيرة، ومحطات ستارلينك للإنترنت، وصور الأقمار الصناعية التي توفرها الشركات الخاصة- أعطت أوكرانيا أفضلية مهمة على روسيا.
لكن رأى التحليل أن الدور الكبير الذي تلعبه الأطراف التجارية في هذا الصراع لم يصبح ممكنا إلا لأنها تعمل في الواقع انطلاقا من ملاذات آمنة حصينة ضد هجمات العدو، وبعبارة أخرى لدى أوكرانيا سلسلة إمدادات مؤمنة نسبيا؛ حيث تعمل ستارلينك في أوكرانيا لأن محطاتها الأرضية متمركزة في بولندا، وتركيا، وإستونيا.
لكن في حرب قوى عظمى تشمل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والصين، و/أو روسيا، قد لا يكون هناك ملاذات جغرافية آمنة، وستكون هذه الأهداف الثابتة هدفا معقولا للضربات الدقيقة طويلة الأمد للصواريخ الفرط صوتية على سبيل المثال. وينطبق نفس الشيء على الأقمار الصناعية، ومرافق إنتاج الطائرات المسيرة.
وعلاوة على ذلك، توضح الأحداث الأخيرة الهشاشة التشغيلية التي تشير إلى مخاطر الاعتماد على الحلول التجارية من الشركات التكنولوجية الكبرى.
وتعتمد القوات المسلحة الأوكرانية بشدة على أجهزة اتصالات "ستارلينك" من أجل دعم الاستخبارات والمراقبة وتحديد الهدف ومهام الاستطلاع.
وعندما تعطلت خدمات ستارلينك في أوكرانيا الشهر الماضي، تأثرت قدرة القوات الأوكرانية على ضرب الأهداف الروسية بشدة.
ومن هذا المنطلق، يعتبر أن يكون الاعتماد الزائد على القطاع التجاري في تقديم المساعدة بحروب القوى العظمى في المستقبل، الدرس الخطأ الذي يمكن استنباطه من أوكرانيا.
4- العمليات السيبرانية:
كان تأثير العمليات السيبرانية الروسية محدودا حتى الآن ليس فقط داخل أوكرانيا ولكن أيضًا ضد الأهداف الغربية، على الرغم من التقارير بشأن محاولات روسية للتشويش على ستارلينك واختراقها.
وحتى الآن، كان الهجوم الأكثر تأثيرًا الذي تم الكشف عنه هو الاختراق الروسي لشبكة KA-SAT، المقدمة من شركة "Viasat"، الرائدة بمجال تقديم خدمات الإنترنت الفضائي لعدة عملاء بينهم أوكرانيا.
وكانت هناك تكهنات كثيرة بشأن سبب عدم فاعلية العمليات الإلكترونية الروسية نسبيا. وقد يكون أحد التفسيرات أنهم لم يتوقعوا قتالا كبيرا عندما شنوا الحرب، وبالتالي لم يخططوا بحملة سيبرانية معقدة لعرقلة البنية التحتية العسكرية والحيوية في أوكرانيا.
والتفسير المحتمل الآخر هو أنهم ببساطة يفتقرون للقدرات التكنولوجية الهجومية المتطورة لعرقلة منظومات الأسلحة الأوكرانية، ولديهم ترسانة محدودة من البرمجيات الخبيثة والتي يحتفظون بها لحرب ساخنة فعلية مستقبلية ضد "الناتو".
5- منظومات متحركة أخف وأصغر:
أثارت الحرب في أوكرانيا جدلا بشأن ما إذا كانت الأسلحة الثقيلة -بما في ذلك الدبابات القتالية الرئيسية والطائرات المأهولة- لا تزال مهمة في ساحة المعركة الحديثة.
ويجادل بعض المعلقين بشأن تراجع قوة تلك المنصات في القتال بالمستقبل والحاجة إلى التأكيد على منظومات أخف وأصغر وأكثر قدرة على الحركة والتي يمكنها، في غضون سنوات قليلة، العمل بصورة مستقلة إلى حد كبير، لكن هذه الأسلحة الثقيلة تظل فعالة في حروب أكبر.
6- فوز أوكرانيا:
إحدى الروايات الشائعة عن القتال الدائر في أوكرانيا هي أن القوات المسلحة الأوكرانية تفوز لأنها تبنت معايير الناتو خلال سنوات التدريب، وضمنت ذلك بناء وتمكين فيلق محترف من ضباط الصف بالإضافة إلى تبني فلسفة القيادة الغربية اللامركزية المعروفة باسم قيادة المهمة.
وأعزي الفضل لتدريب الناتو بشكل خاص في إعطاء الجنود الأوكرانيين الأفضلية خلال الأيام الأولى للحرب، حيث نصبوا دفاعات مرنة لامركزية لم تكن بحاجة إلى أوامر صارمة من المستويات العليا للتحرك، على عكس الجانب الروسي.
ومع ذلك لا تؤكد حقيقة الحرب ذلك، حيث لا تزال أوكرانيا تعاني لتشكيل ضباط صف محترفين، فضلًا عن المشاكل المستمرة المتعلقة بإبقائهم في الخدمة والأجور المناسبة.
كما لعبت وحدات المتطوعين بلا تدريب على أيدي الناتو على الإطلاق دورا رئيسيا في وقف التقدم الروسي خلال الأيام الأولى للحرب.
aXA6IDMuMTQxLjE5OC4xMyA= جزيرة ام اند امز