ما تفعله السياسة الأردوغانية في ليبيا يدخل ضمن المعادلة المتوسطية والتجارة منذ عهد القذافي من خلال شركات واستثمارات تركية بين البلدين.
يأتي المؤتمر الدولي في برلين بحضور الأطراف المتنازعة وبمشاركة عدة دول عربية وأجنبية لمعالجة الأزمة الليبية وإجراء حوار مع الأطراف المعنية، وصولاً إلى إحداث توافقات سياسية جديدة وانتخابات عامة ترضي الجميع بما في ذلك الدول صاحبة المصلحة في ليبيا، ومن ثم الوصول إلى قناعات مؤكدة توحي بأهمية الحوار السياسي وجدواه واستحالة الحل العسكري وبعيداً عن النزعات العدوانية ودور الطامعين بالموارد والثروات الليبية.
وتعتمد استراتيجية باريس لتحقيق الاستقرار في ليبيا على أسس سياسية وعسكرية؛ منها تكوين جيش نظامي تحت إشراف قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتـر، للسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي الليبية ومراهنتها على إجراء الانتخابات الرئاسية، وفي هذا السياق فإن الجدول الزمني الذي حدده الرئيس الفرنسي ماكرون في المبادرة الثانية قد يهيئ حليفها المشير حفتـر للسباق الرئاسي، وهو ما يمكنه تحقيق ما تتطلع له فرنسا من ضرورة استعادة الأمن والاستقرار.
لا يمكن للدول المغاربية تجاهل الموضوع الليبي خاصة بتصاعد حدة التوتر وتفاقم الأخطار عليها، ذلك يهدد هذه البلدان أمنياً وسياسياً واقتصادياً لوجود حدود مشتركة بينها.
أما التحرك الإيطالي تجاه ليبيا فإن دافعه الأساسي تأمين مصالح روما الاقتصادية خاصة في مجال الطاقة، حيث تسعى للمحافظة على استمرارية تدفق النفط والغاز الطبيعي لها، فعمدت على تعزيز علاقتها بمناطق الغرب الليبي، أي في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق.
وتعمل شركة- إيني- الإيطالية بالتنسيق مع المؤسسة الوطنية للنفط في هذا الجانب، وتحاول روما الدخول بشركاتها ومؤسساتها في مراحل إعادة الإعمار، مستندة إلى دورها التاريخي في ليبيا، كونها تشكل منطقة نفوذها التقليدي، ومع تركز كل مصالح إيطاليا في الغرب الليبي، لا يبدو أن روما تملك خياراً آخر غير الحفاظ على روابطها مع مليشيات طرابلس ومصراتة، والرهان على حكومة الوفاق الوطني، والتعامل بحذر مع حفتر.
تحرك تركيا نحو الضفة الأخرى من مياه البحر الأبيض المتوسط سيكون ذا انتشار عسكري في ليبيا أكبر من حجم عملية بارخان الفرنسية في منطقة الساحل، أي أكثر من 4500 جندي، وقد يصل إلى عشرة آلاف عسكري، وهناك خلفيات واضحة لتدخلها المشبوه، عدا عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا والتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الشرقية من المتوسط، الذي ترفضه اليونان والاتحاد الأوروبي، ويرى فيه الأتراك ضماناً لمصالحهم ولفك الخناق الذي فرض عليها في شرق المتوسط، حيث ترى أن مصر واليونان وقبرص والإمارات وحتى فرنسا تشكل تحالفاً لوقف امتداداتها.
وما تفعله السياسة الأردوغانية في ليبيا يدخل ضمن المعادلة المتوسطية والتجارة منذ عهد القذافي من خلال شركات واستثمارات تركية بين البلدين، لكن بعد الحرب الأهلية خسرت ليبيا من أهميتها الاقتصادية، مما أدى دولياً إلى قوة نزاع كبير جراء تلك الأنشطة غير القانونية.
وهناك الكثير من الدوافع الإيديولوجية التي تتصدر الواجهة بالنسبة إلى أنقرة، خاصة مساندتها في الحرب الأهلية مجموعات مقربة من حركة الإخوان المسلمين، لأن الدعم لا يقتصر على الإخوان المسلمين فقط، وتركيا تدعم في المقام الأول حكومة السراج، وهي على عتبة المشاركة في حرب أهلية بالوكالة.
ولا يمكن للدول المغاربية تجاهل الموضوع الليبي، خاصة بتصاعد حدة التوتر وتفاقم الأخطار عليها، ذلك يهدد هذه البلدان أمنياً وسياسياً واقتصادياً، لوجود حدود مشتركة بينها، وتدرك تلك الدول تبعات الصراعات القائمة، بالرغم من أنها أخذت احتياطاتها الأمنية لحماية حدودها، وبدأت استعداداتها لموجة نزوح من الأراضي الليبية، ولما استقبل الرئيس التونسي أردوغان استدرك قيس سعيّد بقوله: إن الشرعية الدولية هي المرجع، ولكن يجب الانتقال إلى شرعية ليبية- ليبية، وكأنه يحاول تبرير استقباله أردوغان لا يتناقض مع إعلان دعا إليه غداة انتخابه يحمل اسم إعلان تونس للسلام، محاولاً التركيز على شرعية ليبية شعبية، وهي رسائل تونسية للتأكيد أن الدعم الضمني للسراج لا يعني تجاهل نفوذ حفتر.
وفي حالة فشل المبادرات الإقليمية والحوارات الدولية وانسداد أفق التسويات السياسية بين الفصائل الليبية المتصارعة، مع صعوبة الحسم العسكري فمن المحتمل حدوث سيناريوهات قد تؤدي بمجملها إلى تزايد حدة الصراعات وحالات الفوضى وتفكيك الدولة وتقسيم البلاد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة