الانشقاق من الداخل.. ملامح تصاعد وتيرة الخلافات بين السراج والإخوان
الانقسام من الداخل بين السراج وحلفائه السياسيين وحتى المليشياويين من شأنه أن يكون أحد أسباب التعجيل بحسم معركة طوفان الكرامة قريباً.
تعاني حكومة الوفاق الليبية، بقيادة فايز السراح من أكثر من مأزق في الوقت الحالي، سواء على المستوى العسكري في ظل نجاحات الجيش الوطني وإصراره استكمال معركة طوفان الكرامة لهزيمة المليشيات المسلحة في طرابلس، أو على المستوى السياسي في إطار اتهامات الإخوان للسراج بالسلبية والضعف، وتعدُّد مظاهر الخلاف بين الطرفين في الآونة الأخيرة.
حيث تراجعت حكومة الوفاق في 30 يوليو/ تموز 2019 عن قرارها بالإفراج عن رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي، في ظل رفض الإخوان لذلك القرار الذي اعتبروه مخالفًا للقانون الليبي، كما اعتبر الناطق باسم لواء الصمود التابع لصلاح بادي "الإرهابي الليبي المفروض عليه عقوبات أمريكية" أن ذلك القرار يُربك الرأي العام، ومن جانبٍ آخر فقد اتهم تيار الإخوان فايز السراج الأسبوع الماضي بالسلبية في مواجهة الجيش الوطني، بل ودعا إلى تغيير بعض مناصب حكومة الوفاق، وذلك في خضم تكهنات حول انقسام حكومة الوفاق إلى تيارين أحدهما يقوده فايز السراج والآخر يقوده وزير الداخلية الإخواني فتحي باشاغا.
مظاهر الخلاف بين السراج والإخوان
تعدَّدت أوجه الخلاف بين حكومة الوفاق برئاسة السرّاج من جانب، والإخوان من جانبٍ آخر، ولعلَّ آخرها في 22 يوليو/تموز 2019 بإعلان المجلس العسكري بمصراتة واتحاد ثوار 17 فبراير رفضهم لقرار وزارة العدل بحكومة الوفاق الإفراج الصحي عن "البغدادي المحمودي" آخر رئيس حكومة في عهد القذافي، حيث إن المحمودي محكوم عليه بالإعدام بحُكم قضائي، وهو ما اعتبره تيار الإخوان طعنة في ظهر الثوار من جانب حكومة الوفاق، وكذلك اعتبروه قرارا مخالفا للقانون الليبي، وهو ما حدا بحكومة الوفاق إلى التراجع عن القرار؛ بسبب ضغط الإخوان والمليشيات المسلحة في طرابلس ومصراتة، وفق مصادر مقربة من عائلة المحمودي في تصريحات لموقع "العربية" في 30 يوليو/تموز 2019.
من جانبٍ آخر، فإن بعض الإخوان ينتقدون طريقة تعامل السراج مع معركة طوفان الكرامة التي أطلقها الجيش الوطني في مطلع أبريل/نيسان الماضي؛ بهدف تحرير طرابلس من المليشيات المسلحة المدعومة من حكومة الوفاق، وهو ما تجلّى بشكل كبير في منتصف يوليو مع إعلان بعض أعضاء مجلس الدولة المحسوبين على تيار الإخوان رفضهم أسلوب إدارة حكومة الوفاق للمعركة، حيث اعتبر الإخواني عبدالرحمن الشاطر عضو مجلس الدولة، أن هناك عدم تناغم في الأداء بين العمل العسكري والعمل السياسي، ففي حين اكتفى السراج بإعلان النفير العام عسكريا بقيت الأذرع السياسية والدبلوماسية شبه معطلة.
وقد تزامن ذلك مع تكهنات حول انقسام حكومة الوفاق إلى تيارين متعارضين؛ أحدهما يقوده فايز السراج، والآخر يقود وزير الداخلية فتحي باشاغا المحسوب على تيار الإخوان، وهو ما يعكس انقساما كبيرا من الداخل، خاصةً في ظل إصرار الإخوان على رفض أيّة مبادرات للتهدئة مع الجيش الوطني الليبي، ورفض أيّ مقاربات خاصة بوقف إطلاق النار، وهو ما يتجلّى بشكل واضح في تصريحات القيادي في حزب العدالة والبناء الإخواني خالد المشري الذي يشغل منصب رئيس مجلس الدولة الليبي، والذي أكّد أن مجلسه غير مستعد للحوار على الرغم من إعلان السراج في وقت سابق نيته للحوار.
الوفاق.. مأزق إدارة المعركة سياسيًا
تتجّلى أسباب نشوء درجة من درجات عدم الثقة بين الإخوان والسراج بشكل كبير في ظل نجاح المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي في إدارة معركة طوفان الكرامة بنجاح سواء على المستوى السياسي أو حتى العسكري، ولعلَّ نجاح وفد من مجلس النواب الليبي، الداعم لحفتر، في زيارة الولايات المتحدة أواخر يوليو/تموز 2019، ولقائه بعض كبار المسؤولين الأمريكيين، يعد مؤشرا مهما على تعثُّر الإخوان وحكومة الوفاق في إدارة المعركة سياسيا.
خاصة في ظل قيام الوفد بتقديم ملف كامل عن انتهاكات النظامين القطري والتركي في بلاده إلى الإدارة الأمريكية، ويتضمن ذلك إثباتات وأدلة دامغة على تورط قطر وتركيا في دعم المليشيات المسلحة ماليًا ولوجستيًا، وتقديم اعترافات موثقة لإرهابيين، تم القبض عليهم، عن الدعم المُقدّم من الدوحة وأنقرة، وهو أمر بات واضحًا للعيان لاسيما مع السعي التركي الحثيث لنقل المقاتلين من إدلب السورية إلى ليبيا من أجل تدعيم حكومة الوفاق.
وفي محاولة يائسة من حكومة الوفاق من أجل نفي الاتهامات الدولية المتلاحقة لها بالارتباط بتنظيمات إرهابية، فقد أعلنت الوفاق في 24 يوليو/تموز 2019 اعتقال مطلوبين دوليين يصنفون كقادة في تنظيم القاعدة، وذلك خلال عملية مداهمة بإحدى ضواحي العاصمة طرابلس، وهو من شأنه ألا يفك الارتباط الواضح بين الوفاق والإرهابيين بل إنه قد يُعمّق الخلاف بين الوفاق وبين المليشيات المسلحة وكذلك الإخوان.
ولعلّ تداول خبر اختطاف وزير النفط الليبي السابق عبدالباري العروسي المنتمي لحزب العدالة والبناء الإخواني من أمام منزله بالعاصمة طرابلس في 24 يوليو/تموز 2019 من جانب مجموعة مسلحة واقتياده إلى وجهة غير معلومة، قد يكون أحد مظاهر الانقسام الآخذ في الاتساع بين حكومة الوفاق وبين الإخوان بشكل عام، وكذلك فإن اختطاف مسؤول على هذا المستوى من قلب العاصمة طرابلس يعكس حجم الفوضى الأمنية التي تشهدها العاصمة وحجم المأزق الذي تعيشه حكومة الوفاق ليس سياسيًا فحسب ولكن عسكريًا أيضًا.
هشاشة تحالف السراج والإخوان .. مآلات متعددة
في ظل هذا المستوى من الفشل العسكري والسياسي الذي يلاحق السراج وحكومته في مقابل نجاح قوات الجيش الوطني في التقدم باتجاه العاصمة طرابلس لاسيما مع نجاحات الجيش في استهداف مواقع استراتيجية في مدينة مصراتة للمرة الأولى، وإسقاط عدد كبير من الطائرات المُسيّرة التركية، كل تلك المعطيات تُسبّب حالة ارتباك شديدة في معسكر الوفاق، خاصةً مع تزايد أزمة الثقة بين الإسلاميين والسرّاج، وهو ما يعني أن هذا الخلاف مُرشّح للتزايد بين الطرفين في المدى المنظور.
وهو ما قد يعني احتمالية تصعيد أحد الوجوه المحسوبة على التيارات المتشددة على غرار وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا إلى الواجهة السياسية والإطاحة بالسراج الذي يتهمه كثير من الإخوان بالضعف والسلبية في مواجهة شخصية حفتر الكاريزمية والقوية، كذلك فإن توجُّه حكومة الوفاق نحو القبض على بعض قيادات القاعدة في طرابلس من شأنه أن يعمق أزمة الثقة بين الوفاق والمليشيات المسلحة التي تقاتل بضراوة من أجل إفشال مخططات الجيش الوطني لدخول العاصمة طرابلس.
وفي ذات السياق، فإن دائرة القبول الدولي لتحركات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر آخذة في الاتساع بشكل كبير، خاصةً في ظل نجاح وفد مجلس النواب الليبي في زيارة الولايات المتحدة وفضح حلفاء السراج الإقليميين "تركيا وقطر"، ودعمهما للإرهابيين في العاصمة طرابلس، وفي خضم تزايد التقارب الأمريكي مع حفتر والجيش الوطني الليبي فإن السراج قد حاول استمالة الطرف الروسي بإعلانه في 30 يوليو/ تموز عن أمله في أن تلعب روسيا دورًا إيجابيًا لحل الأزمة في ليبيا باعتبارها دولة كبرى مسؤولة عن حفظ الأمن والسلم الدوليين.
بيد أن هذا التوجُّه نحو روسيا من جانب السراج بمثابة محاولة فاشلة، خاصةً في ظل الانتقادات الروسية السابقة للدور التركي بنقل المقاتلين من إدلب إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق، وهو موقف روسي يعكس بشكل ضمني رفض توظيف المقاتلين والمليشيات المسلحة من جانب حكومة الوفاق في معركتها مع الجيش الوطني الليبي.
وكذلك فإن البيان السداسي الصادر في منتصف يوليو/ تموز، الذي دعت فيه الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، الإمارات، ومصر إلى ضرورة وقف القتال في محيط العاصمة الليبية طرابلس، والعودة إلى العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، يجعل في حال القبول به الموقف التفاوضي لحفتر أقوى بكثير من السراج وحكومته.
وفي المجمل، فإن الانقسام من الداخل بين السراج وحلفائه السياسيين وحتى المليشياويين من شأنه أن يكون أحد أسباب التعجيل بحسم معركة طوفان الكرامة في المدى المنظور، خاصةً في ظل نجاح الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر على إدارة المعركة بشكل ناجح على المستويين السياسي والعسكري، وهو ما قد يُمهّد لتحول الخلافات بين السراج والإخوان من خلافات سياسية إلى مواجهات عسكرية، خاصةً في ظل وجود عداءات سابقة بين بعض تلك المليشيات والسراج في ظل هشاشة التحالف القائم بين الطرفين والمَبني بشكل رئيسي على إسقاط الجيش الوطني والإبقاء على سطوة ونفوذ المليشيات المسلحة بالتحديد في العاصمة طرابلس.
** أحمد عبدالعليم - باحث متخصص في الأمن الإقليمي
aXA6IDMuMTMzLjE0MC44OCA=
جزيرة ام اند امز