تمارس تركيا دورا تصعيدا في الإقليم بأكمله، وليس في ليبيا فقط، وهو يكشف عن توجهات عدائية مسبقة من قبل أردوغان وحزبه
سيبقى الحضور التركي مهددا لأمن الإقليم بأكمله، وليس ليبيا، وهو ما يتطلب تحركات عربية في اتجاه الاتحاد الأوروبي عامة والفرنسي خاصة وتجاه بناء قاعدة مصالح حقيقية عربية روسية، وعربية أمريكية.
تمارس تركيا دورا تصعيديا في الإقليم بأكمله، وليس في ليبيا فقط، وهو ما يجب الانتباه إليه جيدا خاصة وأن تصعيد الخيارات العسكرية التركية في سوريا والعراق وليبيا، وفي منطقة شرق المتوسط تكشف عن توجهات عدائية مسبقة من قبل قيادات حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان، بعيدا عن التأكيد المكرر على مسعاه لإحياء دور الإمبراطورية العثمانية في الإقليم بأكمله ارتكانا لحالة من عدم الاستقرار والاضطراب التي تعم المنطقة بأكملها، وتحتاج إلى إعادة ترتيب الأجواء العربية- العربية، والعربية -الإقليمية.
وهو ما سيرتب متغيرات ثابتة ومستجدة في الإقليم، بعيدا عن التفكير التنظيري بالتأكيد على مخطط تقسيم المنطقة، والعودة لصفقات من أعلى تشمل دولا كبرى وأخرى إقليمية بدليل وجود مؤشرات حقيقية لتراضٍ مستتر أمريكي روسي عما يجري، ويدفع بمساحات من التقابل بين الولايات المتحدة وتركيا.
كما يقر بوجود تشابكات استراتيجية كبيرة بين روسيا وتركيا في سوريا وشرق المتوسط بصرف النظر عما يجري عبر طرف ثان في ليبيا وبصرف النظر عن الاتصال الدبلوماسي الذي تم بين الرئيسين المصري والأمريكي والمعني أن تركيا تستثمر جيدا الموقف الدولي والإقليمي لتحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية.
سيبقى الحضور التركي مهددا لأمن الإقليم بأكمله، وليس ليبيا، وهو ما يتطلب تحركات عربية في اتجاه الاتحاد الأوروبي عامة والفرنسي خاصة وتجاه بناء قاعدة مصالح حقيقية عربية روسية، وعربية أمريكية
وعبر رؤية طويلة الأجل حيث يتصور الرئيس أردوغان أن لديه وافرا من القوة العسكرية الذي يدفعه للتحرك إقليميا وعبر وسائل ضاغطة، مما يدفع بسيناريو حقيقي من التدخلات القادة في الإقليم في الفترة المقبلة، ولعل الخيارات التركية المطروحة تركز على عدة مسارات:
الأول: العمل على الأرض انطلاقا من ليبيا باعتبارها جزءا من كل، وأن الهدف الاستراتيجي الوصول إلى شرق المتوسط حيث صراع الكبار، والعودة إلى دول الإقليم التي ترتبط تاريخيا بالدولة العثمانية، لهذا يتحدث الرئيس التركي ورفاقه في حزب العدالة والتنمية عن التواصل التاريخي والإرث العثماني في الشرق الأوسط.
ومن ثم، فإن الأمر يتجاوز ليبيا إلى الدول المغاربية ومرورا بسوريا والعراق ومصر وفلسطين، حيث يسعى أردوغان لإقرار استراتيجية تركية ممتدة بطول وعرض الإقليم.
والواضح أن هذا المخطط بات يحظى بقبول ضمني أمريكي روسي أوروبي خاصة وأن مساحات التوافقات التركية الأوروبية كبيرة، وليست هامشية، ولا تنطبق أية خلافات حقيقية إلا بين فرنسا وتركيا على الملف الليبي.
ولكن تتلاقى المصالح الأوروبية في الاستثمارات المتوقعة في ملف أمن الطاقة وخطوط الغاز الكبرى الجاري تجهيز عملها، والتي سيكون لها المدخل الحاسم في إعادة ترتيب العلاقات التركية الأوروبية، بعيدا عن التحفظات الأوروبية على الممارسات التركية في شرق المتوسط، حيث تبدو العقوبات التي تطرح تجاه تركيا في إطارها النظري، خاصة أن إلحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي تجاوزته الخيارات والتوقيتات.
الثاني: مسعى الجانب التركي لتحقيق استراتيجية مقيمة في ليبيا، ومنها إعادة ترتيب الحسابات السياسية والاستراتيجية، بدليل تحرك تركيا في مسارات متعددة، مثلما الجارية مع الجزائر وتونس انطلاقا من ورقة الاستثمارات التركية التي ستدفع لمواقف أخرى للبلدين بصرف النظر عن الموقف الجزائري الراهن ودعمه للتحركات المصرية المسؤولة، والتي تؤكد وجود أكثر من اقتراب لدى الساسة الأتراك للتحرك وفرض خيارات مباشرة، ووفقا لقاعدة المصالح المحددة مع الجانب المغاربي.
وهو أمر ما لن تقبله مصر، وستعمل على مواجهته باعتبار أن ما يجري في ليبيا يؤثر على الأمن القومي المصري والعربي في آن واحد، ويلقي بتبعاته على الأطراف العربية، لهذا كان التحرك السعودي المصري، والتأييد الإماراتي اللافت، وهو ما يؤكد وجود مصالح عربية واضحة في إقرار الأمن والاستقرار في ليبيا، وعدم الإبقاء على الوضع الراهن بين ليبيا الشرقية وليبيا الغربية، أو حتى تثبيت حالة المشهد ومنع تمدده عسكريا، وهو ما يجب التعامل معه بجدية، خاصة أن مصر رتبت كافة حساباتها بما فيها الخطوة الدستورية، وموافقة البرلمان المصري على إرسال قوات خارج الحدود، فالمخطط التركي بات واضحا وشاملا لليبيا وللإقليم بأكمله.
وهو ما يدفع الدول العربية الرئيسة السعودية ودولة الإمارات العربية ومصر للوقوف أمام التدخل التركي في الإقليم، ومجابهة المشروع التركي شأنه شأن المشرع الإيراني الذي يسعى لفرض هيمنته على الإقليم أيضا، والعمل على تطويع المواقف العربية لصالحه الأمر الذي يؤكد في مجمله على أن المنطقة العربية بدولها مستهدفة من الأطراف الإقليمية المختلفة.
أضف إلى ذلك أيضا إسرائيل بمشروعها لرسم شرق أوسط إسرائيلي نتيجة لغياب النظام الإقليمي العربي، وفشله في تحقيق استراتيجية مواجهة، الأمر الذي يشير إلى ضرورة تحرك الدول العربية لإعادة ترتيب الأولويات العربية في ليبيا، وفي سوريا وفي العراق وفي فلسطين، وإلا فإن ترك الأمور على ما هي عليه يدفع بقوة الأطراف الإقليمية لمزيد من التدخل وإعادة ترتيب بل تقسيم دوائر النفوذ وفقا رؤية أكثر مصلحية في ظل غياب عربي مؤثر .
الثالث: إن الاستمرار التركي في التصعيد والمواجهة وتجاوز سرت والجفرة وفقا للرؤية المصرية سيدفع إلى مزيد من ردود الفعل الأخرى، وقد حذرت مصر من تداعيات ذلك خاصة أن التهديدات التركية كاملة في الإقليم، ولا تحظى بأي شرعية داخلية على عكس الجانب المصري الذي دعاه البرلمان الليبي والمكون العشائري للتدخل وحسم الأمر، وهو ما قبلت به القاهرة، وستعمل على تسليح العشائر لمواجهة ما سيجري في حالة التصعيد العسكري.
إن الخطر التركي سيمتد من ليبيا إلى شرق المتوسط في حسابات معقدة وتقديرات متداخلة في دوائر متقاطعة تعمل على توازنات حقيقية، وهو ما يفسر تقاعس البعض دوليا في مواجهة تركيا، واستمرار الاتصالات التركية مع الجميع تحت مسمى نقل الرؤية والتصور التركي برغم الرفض الفرنسي، والتحفظ الإيطالي، والصمت الروسي، والتقاعس الأمريكي، فالجميع لديه مصالحه في ليبيا وخارجها حيث مشروعات الإعمار الكبرى وكعكة النفط وتشغيل الموانئ، ولعل ما طرح مؤخرا في إمكانية تشغيل الموانئ وتصدير النفط والقبول ما يشير إلى نموذج مصلحي على أرضية مشتركة.
سيبقى الحضور التركي مهددا لأمن الإقليم بأكمله، وليس ليبيا وهو ما يتطلب تحركات عربية في اتجاه الاتحاد الأوروبي عامة والفرنسي خاصة وتجاه بناء قاعدة مصالح حقيقية عربية روسية من جانب وعربية أمريكية من جانب آخر، بدلا من ترك الجانب التركي يعبث بأمن ليبيا اليوم، وغدا في عواصم عربية أخرى مكررا السيناريو الإيراني في مجمل تحركاته التكتيكية والاستراتيجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة