أثينا تتحرك وأوروبا قلقة.. حرائق أردوغان تشعل المتوسط
تركيا تتبنى سياسة التصعيد وإشعال المنطقة بحثا عن لهيب يخفي حقيقة نواياها ويمنحها مجالا للمناورة والتحرك لتحقيق أجندتها المشبوهة.
بعد يومين من تحذير اليونان من العدوان التركي المتصاعد في البحر المتوسط، وما أثاره من قلق أوروبي متزايد، أعلنت أثينا حالة التأهب، ونشرت بوارج عسكرية في بحر إيجه، في تحرك يشي بأن المواجهة قد تبدأ في أي وقت.
إجراء عسكري يأتي غداة احتجاج أثينا، رسميا، على إعلان أنقرة إرسال سفينة حفر للقيام بعمليات تنقيب في المنطقة البحرية جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية جنوب شرق بحر إيجه، في موقف تتطابق معه العديد من المواقف الأوروبية، لكن تركيا تواجه الرفض والتحذيرات بالتجاهل والاستفزازات.
وفي أحدث خطواتها الاستفزازية، أعلنت تركيا الاثنين، بدء التنقيب عن المحروقات في البحر الأسود، في انتهاكات صارخة جديدة يؤكد مراقبون أنها سترفع منسوب الخلافات مع بلدان القارة العجوز، وخصوصا اليونان، بشأن ملكية الثروات الطبيعية شرق البحر المتوسط.
أثينا تتحرك
في وقت كان فيه وزير الخارجية الألماني هيكو ماس يبحث، في أثينا، سبل إقرار حوار بين اليونان وتركيا على خلفية التوتر السائد بين البلدين بسبب أنشطة أنقرة في المتوسط، أعلنت الأخيرة استكشاف الغاز قبالة جزيرة كاستيلوريزو الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان.
- "الصراع على ليبيا".. خبراء يجمعون بـ"سوء حسابات" تركيا
- اليونان تتأهب عسكريا لصد استفزازات تركيا شرق المتوسط
استفزاز جاء محملا بشحنة من الرسائل السلبية فحواها أن أنقرة لا تريد هدوءا في شرق المتوسط، ولا اتفاقا مع بلد يشارك بدوره في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وإنما تتبنى سياسة التصعيد وإشعال المنطقة بحثا عن لهيب يخفي حقيقة نواياها ويمنحها مجالا للمناورة والتفاوض والتحرك لتحقيق أجندتها المشبوهة.
انتهاكات جعلت أثينا تمر من مرحلة التحذير والاحتجاج والتلويح بالتصعيد إلى التحرك، بوضع قواتها المسلحة في حالة تأهب، وطالبت الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ضد أنقرة.
ونقل إعلام فرنسي عن مصدر من البحرية اليونانية قوله إن أثينا نشرت، منذ الثلاثاء، بوارج عسكرية في بحر إيجه.
ولئن لم يكشف المصدر عن تفاصيل إضافية، إلا أن صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية حذرت من أن الخطوة اليونانية تحمل النزاع حول المنطقة الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط إلى مستوى جديد من التصعيد.
كما لفتت إلى أن "التوترات المتزايدة تشغل برلين التي تمثل حاليا الاتحاد الأوروبي باعتبارها الرئيسة الدورية للتكتل".
من جانبها، قالت قناة "إي آر تي" اليونانية (حكومية)، إن رئيس الأركان اليوناني كونستانتينوس فلوروس قطع زيارة رسمية كان يجريها إلى قبرص وعاد إلى أثينا، بسبب الخطوة الاستفزازية التركية.
وفي غضون ذلك، كشفت مصادر من الدوائر العسكرية اليونانية، عن وجود نشاط متزايد في قاعدة "أكساز" البحرية التركية القريبة من مدينة مرماريس الواقعة على ساحل بحر إيجه بالمنطقة التي يلتقي فيها هذا البحر مع المتوسط.
خبايا التوقيت
ويرى محللون أن التوقيت يشكل سر التحرك التركي الأخير شرق المتوسط، وإدراك ما يحمله من دلالات يمنح كشف حالة عن وضع أنقرة في النقطة الارتدادية ألا وهي ليبيا.
فالمنطقتان لا يمكن فصلهما بالمنطق الجيوسياسي لخارطة الأطماع التركية في ليبيا ومنها إلى شرق المتوسط، لأن تحقيق أجندتها في البلد الأول يعبد أمامها الطريق نحو المنطقة الثانية والعكس صحيح.
فما يحدث في واقع الحال، هو أن أنقرة وجدت نفسها في ورطة بليبيا، عقب تفويض البرلمان المصري لجيشه القيام بمهام قتالية في الخارج، علاوة على الضربة الموجعة التي تلقتها بتدمير دفاعاتها الجوية في قاعدة الوطية الجوية غرب العاصمة الليبية طرابلس.
كما أن أنقرة كانت تعتقد أن حلف الناتو سيدعمها، لكنها منيت بخيبة أمل مدوية حين اكتشفت أن الحلف لن يتحرك عسكريا للدفاع عنها استنادا إلى معاهدة تأسيسه، وهذا ما عمق ورطتها.
الباحث والكاتب الصحفي المختص في الشأن الليبي، أحمد جمعة، رأى أن "تركيا تعاني من عزلة دبلوماسية في المتوسط بسبب سلوكها في تلك المنطقة الاستراتيجية، فضلا عن تدخلاتها في الشأن الداخلي الليبي".
وتابع جمعة، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه مع تلويح مصر بتدخلها عسكريا في ليبيا دعما للقبائل وللشعب الليبيين في مواجهة العدوان التركي، تحاول أنقرة حشد أي أطراف إقليمية أو دولية دعما لسياساتها التخريبية في ليبيا، إلا أن العزلة الأوروبية والإقليمية المفروضة على النظام التركي تدفعه للقيام بأي تحركات للفت الانتباه له.
تركيا وغاز المتوسط.. حقيقة المخطط
انتهاكات واستفزازات ومجازفات غير محسوبة العواقب تصر أنقرة على مواصلة ارتكابها، معولة على ورقة الهجرة التي تلوح بها في كل مرة بوجه أوروبا في محاولة لإرغامها على القبول بسياساتها الرعناء خصوصا شرق المتوسط.
تخبط على رقعة أسواق الغاز مدفوعة بتدهور مؤشراتها الاقتصادية جراء الحروب الخارجية والفساد وسوء الإدارة داخليا، ما يجعل السلطات تقفز بلا حسابات حقيقية، لكنها تراهن فقط على معادلات ظرفية للتوازنات هنا وهناك، وعلى تحالفات هشة سرعان ما تتلاشى لتعيدها إلى مربع عزلتها الأول.
ففي 2019، افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطا لنقل الغاز من أذربيجان الى أوروبا، يعرف باسم "تاناب"، يعبر الأناضول ويصل إيطاليا عبر ألبانيا والبحر الأدرياتيكي في أقصى جنوب شرقي البلد الأوروبي.
لكن أردوغان يخشى أن تذوب آماله في حال اكتمال مشروع خط الأنابيب "إيست ميد" المزمع إنشاؤه لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا من إسرائيل عبر قبرص واليونان، وهذا ما دفعه إلى توقيع اتفاقية مع ميليشيات طرابلس قبل أشهر، ضمن استماتته لعرقلة المشروع.
فكل ما يشغل أردوغان حاليا هو السيطرة على خطوط الغاز العالمية، من أجل أن تكون تركيا هي مركزها، ضمن أجندة أطماع خفية لا تقف عند شرق المتوسط أو ليبيا، وإنما تمتد جنوبا وصولا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى.
aXA6IDMuMTM3LjE3OC4xMjIg
جزيرة ام اند امز