ليست الأحلام العثمانية والأطماع الاقتصادية وحدها هي من جعلت أردوغان يهرول بمجموعاته المسلحة إلى طرابلس
يطل علينا العام الجديد والتحدي التركي للبلدان العربية بلغ مرحلة متقدمة جداً، تركيا أردوغان التي تتفنن في تبديل ولاءاتها تارة شرقاً مع روسيا وحلفائها وتارة غرباً نحو أمريكا وأوروبا، وذلك بالطبع يعتمد على ما ترى أنقرة أنه يخدم أطماعها التوسعية في المنطقة، هي اليوم تتدخل عسكرياً بشكل مباشر في ليبيا وتعتزم إرسال قواتها إلى طرابلس، وهي تحتل أجزاء من شمال سوريا تحت ذريعة إعادة اللاجئين السوريين الذين طالما تاجرت تركيا بعذاباتهم مقابل عشرات المليارات من أوروبا، وهي أيضاً توجد في أجزاء من شمال العراق بحجة محاربة الأكراد، وأقامت قاعدة عدوان في قطر وأخرى في الصومال، وعلى غرار إيران التي تتفاخر بسيطرة مليشياتها على أربع عواصم عربية فإن تركيا هي الأخرى أصبحت تتفاخر بوجودها في سوريا والعراق وقطر والصومال وليبيا، وباتت تحلم بأن تؤسس هلال العثمانية الجديدة على غرار الهلال الفارسي، لتتلاقى وتتكامل الأحلام العثمانية والفارسية.
ليست الأحلام العثمانية والأطماع الاقتصادية وحدها هي من جعلت أردوغان يهرول بمجموعاته المسلحة إلى طرابلس، بل هو يحاول مجدداً الهروب من الضغوط الداخلية وانخفاض شعبيته في الداخل لفضاء خارجي أوسع يستطيع من خلاله إعادة شعبيته، ولكنه سيهزم لا محالة في ليبيا؛ لأن حكومة المليشيات مصيرها السقوط
ولكن أحلام أردوغان العثمانية اصطدمت بوقائع صلبة، أبرزها فشله في شرق الفرات بالوصول إلى المنطقة النفطية والثروة، وكذلك عندما عجز عن إقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا التي كان يزعم أنها لعودة اللاجئين السوريين ولكنه قتل وهجّر المئات من الأبرياء، وبعد أن أدرك أردوغان أنه لا مستقبل لنفوذ تركي عسكري وأمني في سوريا طال أمد الوجود العسكري أم قصر، تغير منحى أطماعه باتجاه شرق المتوسط وليبيا، مستغلاً وضع حكومة "الوفاق" التي تسيطر عليها المليشيات الإرهابية، فبادر بتوقيع اتفاقيات مع حكومة "السراج" ومليشياتها لتحقيق طموحات العثمانية الجديدة والاستئثار بالنفط والغاز الليبي ولتثبيت وضع متقدم لتركيا في المياه الإقليمية لليبيا، وكعادة "السلطان العثماني" أتحفنا هذه المرة بالجديد حين زعم أن "تركيبة ليبيا السكانية تحوي مليون نسمة من أصول تركية!"، أي أن أحفاد العثمانيين يشكلون ربع سكان ليبيا، لتبرير التدخل الذي يهدد بإطالة الأزمة الليبية وتدويلها.
على الرغم من أن تركيا بدت مستميتة لبسط نفوذها في ليبيا، وسارعت بنقل عناصر الجماعات الإرهابية مع عائلاتهم من إدلب إلى ليبيا، ووافق برلمانها على إرسال قوات تركية إلى طرابلس لدعم حكومة "الوفاق" التي لا تسيطر على أكثر من ربع مساحة البلاد، وتشكل المجاميع الإرهابية والمسلحة ذراعها العسكرية، إلا أنه من الواضح أن مصير المشروع التركي في ليبيا هو هزيمة حتمية أخرى بعد الهزيمة "المرّة" التي لحقت بأطماعها الجيوسياسية في سوريا والعراق.
ليست الأحلام العثمانية والأطماع الاقتصادية وحدها هي من جعلت أردوغان يهرول بمجموعاته المسلحة إلى طرابلس، بل هو يحاول مجددا الهروب من الضغوط الداخلية وانخفاض شعبيته في الداخل لفضاء خارجي أوسع يستطيع من خلاله إعادة شعبيته، ولكنه سيهزم لا محالة في ليبيا؛ لأن حكومة المليشيات مصيرها السقوط مهما بلغ الدعم المقدم لها، وستكون أولى نتائج هذه الهزيمة سقوطا مدويا لأردوغان واهتزاز أركان نظامه الهش أساساً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة