برلماني ليبي لـ"العين الإخبارية": الإخوان وغياب التوافق الدولي سبب أزمتنا
تمر ليبيا بأصعب أوقاتها المتمثلة عبر أزمات متتالية لا تكاد تخرج من إحداها حتى تقع في أخرى أشد منها قوة وتعقيدا.
أسباب تلك الأزمات والجهود المبذولة لحلها والطريقة المناسبة لذلك كانت محور لقاء "العين الإخبارية" مع عضو مجلس النواب الليبي، الدكتور طارق الجروشي، في حوار خاص ومطول.
البرلماني الليبي بدأ حديثه بشرح أسباب الأزمة الليبية قائلا إنها أسباب اقتصادية وأمنية وسياسية.
وعن الأسباب الاقتصادية قال الجروشي إنها "تتمثل في عدم التوزيع العادل للثروات الليبية".
وأضاف أنه "لو نظرنا إلى مصادر الدخل في ليبيا لوجدنا أن النفط والغاز يشكلان حوالي 97 ٪ من الدخل القومي أي أن ليبيا دولة ريعية تعتمد في إنفاقها على النفط والغاز وتأتي في المرتبة الثانية الضرائب والجمارك ثم التحصيلات من باقي المؤسسات الأخرى".
وتابع قائلا إن "كل ذلك الدخل النفطي يأتي عبر الحقول النفطية عبر صحاري إقليم برقة (شرق ليبيا) ويصدر عبر الموانئ النفطية التي أهمها الموجودة في برقة أيضا ومنها على سبيل المثال ميناء الحريقة في طبرق والبريقة والزويتينة ورأس لانوف".
واعتبر أنه رغم ذلك فالمنطقة الشرقية لا تتحصل على حقوقها من تلك الثروة القابعة بأراضيها.
وقال إنه " إيرادات النفط والغاز جميعها تذهب إلى المصرف الخارجي ثم تصب في حسابات مصرف ليبيا المركزي لتقع جميع تلك الإيرادات تحت قبضة الصديق الكبير في طرابلس وهو المنتمي لجماعة الإخوان والمحسوب على مدينة مصراتة".
وأضاف "عندما قمنا في مجلس النواب عام 2017 بإقالته بعد إجراء مفاضلة وانتخابات نزيهة داخل قبة البرلمان بثت مباشرة للشعب ووقع اختيار مجلس النواب الجهة التشريعية في البلاد، على شخصية ذات كفاءة لإدارة القطاع المالي الليبي بدلا من الصديق الكبير، ولكن الأخير رفض التسليم".
الجروشي أضاف أيضا "وقفت ضدنا دول بعينها دعما للصديق الكبير الذي يمثل مصالحها في ليبيا، ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم الحالي، حوالي 7 سنوات، لم يتمكن المكلف من قبل مجلس النواب من استلام مهامه محافظا للبنك المركزي".
الأسباب الاقتصادية
من أسباب الأزمة الليبية أيضا فيما يخص الجانب الاقتصادي، قال البرلماني الليبي طارق الجروشي إن "هناك تكدسا في صفوف الموظفين الدبلوماسيين في السفارات الليبية في الخارج، وهم 87 ٪ منهم من غرب ليبيا وتحديدا من طرابلس ومصراته ومعظمهم غير مؤهل لتمثيل البلاد بالخارج".
تلك الأمور، وفق البرلماني الليبي، تضع النواب المنتخبين من الشعب في موقف محرج أمام ناخبيهم.
وقال "لم يعد لدينا السلطة التي يكفلها لنا القانون بوضع رجال أكفاء مختصين في مناصب كتلك، بسبب سلطة الأمر الواقع القائمة في غرب البلاد".
وأضاف "هناك أيضا البعثات الدراسية في الخارج والتي يشكل المبعوثون من غرب ليبيا نحو 88٪ منهم، في حين أنه في شرق ليبيا وجنوبها هناك العديد من الخريجين المتفوقين الذين ينتظرون فرصهم خاصة في المجالات التي تحتاجها المنطقة الشرقية".
وأشار إلى أن الدورات المهنية للشركات النفطية يتحصل عليها في الغالب أفراد من غرب ليبيا، إضافة لمشاريع مساعدات الشباب يستفيد منها شباب غرب ليبيا بشكل حصري.
ووفق الجروشي فإن " تلك الأمور مجتمعة التي أدت لحالة من عدم الرضى لدى سكان شرق ليبيا وجنوبها، هي السبب في تأجيج الأمور بين الليبيين.
أسباب أمنية
أما عن الأسباب الأمنية التي أوصلت ليبيا لوضعها الحالي، قال عضو مجلس النواب الليبي طارق الجروشي إنها " تتمثل في انتشار السلاح، إذ أن ليبيا بها أكثر من 20 مليون قطعة سلاح بين المتوسط والخفيف، ومعظمها بحوزة المليشيات في غرب ليبيا وبعض القبائل كذلك".
وأضاف أنه "في شرق ليبيا بادر قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر بجمع السلاح وقد نجح في ذلك لحد كبير جدا، إلا أنه في المنطقة الغربية من ليبيا ما زالت المشكلة قائمة، ونشاهد بشكل شبه يومي نتائج ذلك من خلال أعداد القتلى والجرحى المدنيين جراء الاحتراب بين المليشيات هناك".
وأضاف أنه "في ليبيا هناك نحو 400 مليشيا مسلحة منتشرة في المنطقة الغربية، وقد فشلت جميع خطط احتوائها أو تقنينها ودمجها في مؤسسات الدولة".
الجروشي أشار أيضا إلى نشاط تهريب البشر والمتاجرة فيهم من قبل المليشيات إضافة لتهريب والوقود والسلع الذي ينتشر في ليبيا بشكل مخيف وتمارسه عصابات منظمة.
وقال "هناك أيضا المرتزقة في معسكرات طرابلس، وهذا أمر مزعج يمثل قنبلة موقوتة سواء على صعيد الأمن القومي الليبي بشكل كامل، أو على صعيد ارتفاع الجريمة الجنائية بشكل خاص".
الأسباب السياسية
عضو مجلس النواب الليبي طارق الجروشي تحدث أيضا عن الأسباب السياسية لأزمة بلاده قائلا إنه "بعد عام 2011 والإطاحة بنظام معمر القذافي وقعت ليبيا تحت هيمنة مخابرات الدول الكبرى".
وأضاف أن "واشنطن تستخدم حروب الجيل الرابع عبر تنظيم الإخوان في ليبيا والجماعة الليبية المقاتلة وبعض أبناء الوطن العملاء، وهو ما تسبب في انقسام مجلس النواب وانقسام السلطة التنفيذية وتأكل في المؤسسات الليبية إضافة لضرب النسيج الاجتماعي في البلاد وكل ذلك من أجل استغلال الثروات الليبية والنفوذ في المنطقة".
جهود الحل
وعن جهود حل الأزمة الليبية عبر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، قال الجروشي إن "المجتمع الدولي يحاول جاهدا حل الأزمة، ولكن من عيوب المجتمع الدولي هو وضع الحل وعينه على ثروات ليبيا".
وأضاف أن " الدول المؤثرة دائمة العضوية بمجلس الأمن تضع مصالحها على الطاولة قبل وضع حل للأزمة الليبية"، معتبرا أنه "إذا جاء الحل عبر المجتمع الدولي فسيكون مشوها".
وتابع قائلا إن "ليبيا تعاني من نقمة ثرواتها، فطالما موجود النفط والغاز والطمع الدولي فيها فالأزمات الليبية لن تنتهي للأسف"، مؤكدا أن ما تحتاجه ليبيا هو توافق مصالح الدول الكبرى، معتبرا أن فاعلية الأطراف الليبية محدودة.
دور الإخوان في التعطيل
وتطرق عضو مجلس النواب الليبي طارق الجروشي لمفاوضات حل الأزمة الجارية عبر مباحثات مجلس النواب وما يعرف بمجلس الدولة الاستشاري قائلا إن "مجلس الدولة الاستشاري المزعوم لا يزال يراوغ لكسب الوقت لتأخير الانتخابات الرئاسية".
وأضاف أن "مجلس الدولة لا يريد انتخابات رئاسية بل يريدها برلمانية فقط بنظام القوائم"، مبررا ذلك بأن "نظام القوائم الحزبية يسمح لمجلس الدولة بحشد أكبر قدر ممكن من أحزاب تنظيم الإخوان للدخول في الانتخابات ليكون لهم دور مؤثر في البرلمان المقبل ".
أما عن سبب رفض مجلس الدولة إجراء انتخابات رئاسية، قال الجروشي إن ذلك بسبب "تخوف بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من فوز سيف الإسلام، نجل القذافي، في الانتخابات الرئاسية لعلمهم المسبق أن روسيا قد تقف خلفه".
وأكد أن مجلس النواب لديه نية صادقة في إجراء انتخابات في ليبيا، حيث أنجز المجلس جميع الالتزامات التي تقع على عاتقه تجاه الاستحقاق الانتخابي.
أما عن مبادرة المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي الأخيرة الهادفة لبلوغ الانتخابات، قال الجروشي إن "نجاحها يعتمد على توافق مصالح الدول الكبرى ومدى الضغط الذي ستقوم به الولايات المتحدة"، مؤكدا أنه إذا ضغطت واشنطن بشكل كبير سيكون هناك استجابة من الأطراف الليبية.
ما الحل ؟
حل أزمات ليبيا من وجهة نظر الجروشي يتمثل في "العودة والتمسك بالشرعية، الممثلة في مجلس النواب الليبي ورئيسه المستشار عقيلة صالح".
وأوضح أن العودة للشرعية يقصد بها الاعتماد على من أفرزته الانتخابات الليبية في وقت سابق واعتماد قرارات مجلس النواب كونه يمثل الغطاء الشرعي لجميع العمليات في ليبيا سواء السياسية أو القانونية أو الاقتصادية أو الأمنية.
واعتبر الجروشي أن قائد الجيش الليبي الشرعي المشير خليفة حفتر هو أهم أجزاء حل الأزمة الليبية لعدة أسباب أولها أنه الرجل الشرعي الذي أسس جيشا للبلاد وثانيها أنه الرجل القوي الذي يسيطر على ثلثي ليبيا ومواني النفط والحقول النفطية وهو يتمتع بتوافق لدى الليبيين شرقا وغربا وجنوبا.
وقال البرلماني الليبي إن " أيضا، يمثل الاعتماد على مشايخ القبائل جزءا هاما من حل الأزمة الليبية"، مشيرا إلى أن بلاده بها 150 قبيلة، من بينها قبائل مؤثرة جدا يصل عدد أفرادها إلى المليون فرد مثل قبائل ترهونة وورفلة والبراعصة والعواقير والعبيدات والقطران والجوازي".
وأضاف "لو كنت في مكان المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي لجلست مع رئيس مجلس النواب وقائد الجيش الليبي ومجلس قبائل ليبيا لحل الأزمة الليبية".
وتابع حديثه قائلا "إذا جلس هؤلاء الثلاثة ووضعوا حلولا للأزمة لن يكون هناك معارضة".
لا انتخابات في 2023
وتوقع البرلماني الليبي عدم إجراء انتخابات هذا العام بعكس المخطط له لكون الصورة لا تزال ضبابية والمناخ ما زال غير ملائم.
وقال إن "أحد أهم أسباب نجاح الانتخابات هو وجود حكومة موحدة مناسبة وقوية يثق بها الجميع، إضافة لضرورة وجود حزم دولي ليرضي الجميع بنتائج تلك الانتخابات".
وأضاف أن "العام المقبل ربما يحمل الجديد وربما يكون لليبيا برلمان جديد ورئيس منتخب من الشعب".
aXA6IDUyLjE1LjEzNi4yMjMg
جزيرة ام اند امز