بعد هزيمة «داعش» في سوريا والعراق وليبيا، وانتهاء مشروع «الخلافة» تراجع التنظيم إلى المرحلة الصفرية.
بعد هزيمة «داعش» في سوريا والعراق وليبيا، وانتهاء مشروع «الخلافة» تراجع التنظيم إلى المرحلة الصفرية؛ بل تحت الصفرية، وتحول من كيان «دولة» كانت تتجاوز مساحتها نصف سوريا، ونصف العراق، وبعض أجزاء من ليبيا في درنة وسرت وبعض بنغازي، وسيناء في مصر؛ إلى التراجع والتقهقر والتحول إلى مجرد ذئاب منفردة تنتظر رسائل البغدادي، الذي عجز عن الظهور من حين لآخر، لتضرب أهدافاً صغيرة منتقاة ومنعزلة.
معالجة قضية خوالف «داعش»، لا تعني مجرد التسامح وطي صفحة الماضي، فهذا وحده لا يكفي؛ لأنه يمكن إعادة فتحها متى توفرت الظروف والبيئة المحيطة. فلتتحمّل الدول مسؤولياتها، ومنظمات الأمم المتحدة الخاصة بالطفولة عليها أن تلعب دوراً أكثر إيجابية ووضوحاً حيال مساعدة الدول في إعادة دمج أطفال «داعش» في مجتمعاتها
بعد سقوط «داعش» ظهرت أزمة خوالف «داعش» من النساء والأطفال، التي تعتبر قنبلة موقوتة تركها لنا التنظيم الشرس في المجتمع العربي، مع الإعلان عن وجود 45 ألف طفل عراقي نازح في المخيمات لا يمتلكون وثائق رسمية، وفق تقارير لمنظمات إنسانية، ما يشكل رقماً مفزعاً.
أفعال «داعش» سيكون من الصعب محو آثارها بسهولة، ولا بدَّ من جهد كبير لإدماج هؤلاء في مجتمعات بعضها رافض لوجودهم أصلاً، كما حصل مع أطفال الإيزيديات، الذين رُفض دمجهم في المجتمع والطائفة الإيزيدية، رغم أنهم ولدوا لأمهات إيزيديات، ولكن رجال دين الطائفة رفضوا قبولهم في مجتمعهم.
خوالف «داعش» يشكلون خطراً مستداماً على المجتمعات التي تُركوا فيها، دون أي برنامج لإعادة تأهيل هؤلاء؛ ففي فترة حكم «داعش» والفكر الذي تشربوه سواء طواعية أو كرهاً، شهد هؤلاء الأهوال من مشاهد الذبح والسحل والحرق والإغراق ودفن الأحياء؛ حيث كان «داعش» يلزم السكان المحليين تحت حكمه بحضور هذه المشاهد البشعة، بل يطلب مشاركتهم فيها، لإثبات ولائهم له، وبالتالي لا بدَّ من إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال وتنظيف أذهانهم من كوابيس «داعش» الدموية، ناهيك عن إزالة ما علق من أفكار رسخها وزرعها التنظيم بين هؤلاء. ومنهم من كان له الخيار، فليس جميع خوالف «داعش» كانوا من المكرهين على البقاء تحت حكم «داعش»، بل هناك من هم على قناعة بتلك الأفكار المتطرفة، وخصوصاً بين من بقي من النساء والغلمان المراهقين.
الخوالف من أطفال «داعش» بقوا في مجتمعات جميعها تعاني من مشكلات في مجال حقوق الطفل، وبالتالي لن يكون هناك كثير من البرامج لإعادة التأهيل، مما سيجعلهم مشروعات ذئاب منفردة في حالة استفحل إهمالهم ونبذهم في مجتمعاتهم، دون إشراكهم وإعادتهم تدريجياً ضمن برامج نفسية وتربوية ودينية، قد لا تستطيع تحمل أعبائها مجتمعاتهم الأصلية التي تعاني من الفقر والحاجة، حتى لمن هم غير أطفال «داعش».
معالجة قضية خوالف «داعش»، لا تعني مجرد التسامح وطي صفحة الماضي، فهذا وحده لا يكفي؛ لأنه يمكن إعادة فتحها متى توفرت الظروف والبيئة المحيطة. فلتتحمّل الدول مسؤولياتها، ومنظمات الأمم المتحدة الخاصة بالطفولة عليها أن تلعب دوراً أكثر إيجابية ووضوحاً حيال مساعدة الدول في إعادة دمج أطفال «داعش» في مجتمعاتها، وخصوصاً أنهم غير مسؤولين عن المصير الذي وجدوا فيه، حتى وإن كان تنظيم «داعش» قد ورط وأجبر كثيراً من أطفال السكان المحليين، الذين كانوا تحت حكمه، في أعمال عنف وقتل وذبح، تحت اسم «أشبال الخلافة» وفي مشاهد مصورة، كطريقة «داعش» في نشر منهج الرعب والتوحش.
كما أن ظهور الذئاب المنفردة يشكل خطراً آخر يهدد المجتمعات، إذ أصبح هؤلاء سلاح «داعش» الذي يضرب به هنا وهناك، ويحقق به إعلان وجوده واستمراره، وإن كان لا يحقق له أي هدف سوى نشر الرعب والعنف.
كل هذا يعنى أن ملاحقة البغدادي والقبض عليه أو قتله تعتبر خطوة مهمة؛ لأنه يشكل ملهماً روحياً للذئاب المنفردة، وبالتالي لا بدَّ من جهد دولي للقضاء عليه، يكون مصحوباً بنفض الغبار عن كتب التراث، وتنقيتها مما علق بها وتسلل إليها من أفكار، كانت السبب في ظهور «داعش» وأخواته.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة