ليبيا بعد 12 عاما على الثورة.. واجهت الإرهاب وبقي حلم بناء الدولة
يستذكر الليبيون اليوم ثورة الـ 17 من فبراير (شباط) وما عانوه منذ ذلك التاريخ من رحلة طويلة مع الإرهاب وجماعاته المتطرفة وعلى رأسها تنظيم الإخوان.
ومع مرور 12 عاما على أحداث الـ 17 من فبراير (شباط) 2011 عاشت ليبيا قصة طويلة من مد وجزر لموجات الإرهاب التي راح ضحيتها الآلاف من الليبيين شرقا وغربا وجنوبا.
على كتف الثورة
ومنذ انطلاق الاحتجاجات ضد نظام الرئيس الراحل معمر القذافي وما عرف بثورة الـ١٧ من فبراير (شباط) وجدت جماعات الإسلام السياسي المتطرفة مناخا ملائما لبث بذور أيديولوجياتهم التكفيرية، مستغلين زخم الاحتجاجات المسلحة، والخطابات التحريضية للعبور والقفز على السلطة على أنقاض أمل الليبيين في التغيير وإنهاء معاناتهم مع نظام البائد الذي استمر لأكثر من 42 عاما.
قامت الثورة الليبية ولم يكن قد مر نحو عام واحد على خروج عدد من أكبر قيادات التنظيم الإرهابي من السجون بعد ما عرف حينها بـ"الدراسات التصحيحية" لأفكار هذه التنظيمات والتي أشرف عليها زعيم إخوان ليبيا علي الصلابي المقرب من نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ضمن مشروع ما يعرف بـ"ليبيا الغد".
هذه الحالة يراها الخبير السياسي والعسكري الليبي، محمد الترهوني، في حديث لـ"العين الإخبارية" تتماشى مع فكر هذه التنظيمات الظلامية التي تقتات على صيد غيرها، فاستغلت الغضب الشعبي وزجت بالشباب للإطاحة بالنظام والصعود على أكتافهم إلى السلطة التي لم يهبطوا عنها إلى الآن.
أول مليشيا إرهابية
مع بداية الصدام المسلح الداخلي في ليبيا عمل تنظيم الإخوان على تنظيم صفوفه واستدعى عناصره الهاربة في دول العالم المختلفة ليكون القوة التي يصل بها إلى السلطة، ولأجل هذا الهدف أنشأ أول مليشيا في ليبيا في إبريل/نيسان 2011 باسم "مسؤولو تحرير طرابلس" والتي تغيرت فيما بعد إلى "كتيبة شهداء طرابلس"، والتي أسسها الإرهابي المهدي الحاراتي الذي كان هاربا في إيرلندا.
ويقول الترهوني إن تنظيم الإخوان ما أن استقرت البلاد وتم إنشاء المجلس الانتقالي عقب الثورة، عمل على إخماد صوت العقل والوطنية، فظهرت الاغتيالات سواء للأشخاص السياسيين والعسكريين الوطنيين والصحفيين الذين يدعمون الوطنية ويدعمون الكيانات الرسمية للدولة ضد مخططات هذه التنظيمات الإرهابية واستمر ذلك إلى أن تم تطهير المدن منهم.
كما عملت التنظيمات الإسلاموية، بحسب الترهوني، على استغلال كل ترسانتها السياسية والإعلامية والدعم الدولي لهذا الغرض وذابت الفوارق بين التنظيمات سواء جماعة الإخوان أو الجماعة الليبية المقاتلة بقيادة الإرهابي عبد الحكيم بلحاج.
الانقلاب على الانتخابات
في عام 2012 أجريت أول انتخابات ليبية وكان الوقت ما يزال مبكرا لدى الليبيين أن يعوا جميعا حقيقة هذه التنظيمات فوصل عدد كبير من ممثلي تلك الجماعات المتطرفة إلى مقاعد المؤتمر الوطني (بمثابة البرلمان حينها)، مع إحجام تيارات وطنية عن المشاركة خوفا من تهمة الانتماء إلى النظام السابق ومعاداة الثورة.
موجات العنف التي تلت تلك "الكارثة السياسية" أيقظت الليبيين خاصة مع سقوط حلم الإخوان في دعم دول الجوار مثل مصر التي استعادت بوصلتها بثورة الـ 30 من يونيو (حزيران) 2013، لتصحيح مسار ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي اختطفها الإخوان، ليلقى فرع التنظيم في ليبيا هزيمة منكرة في انتخابات مجلس النواب عام 2014، ما دفعهم للانقلاب على هذه الانتخابات، ورفض نتيجتها ومنعوا مجلس النواب من عقد جلساته بالعاصمة طرابلس.
هنا أيقن الإخوان أنه لا سبيل للبقاء في السلطة والحفاظ على آخر معقل لهم في شمال أفريقيا إلا بالعنف، فركبوا ظهور الدبابات، وكشفوا عن وجهم الحقيقي وظهر الإرهاب في كل المناطق الليبية شرقا وغربا، فكان عام 2014 حافلا بالأحداث.
ظهرت وبضراوة تنظيمات تكفيرية في بنغازي ودرنة وإجدابيا وغيرها مثل "أنصار الشريعة" و"مجلس الشورى" وتنظيمات أخرى مثل " الدروع" و"كتيبة البتار" وهذه الأخيرة بايعت فيما بعد تنظيمات القاعدة وداعش.
إرهاب عابر للحدود
من قلب بنغازي عاصمة الشرق الليبي، أعلنت هذه التنظيمات الإرهابية عن وجهها الحقيقي وبايعت عدة مناطق مثل "الليثي" و"الصابري" و"سوق الحوت" و"القوارشة" في بنغازي تنظيم داعش الإرهابي، كما خرج "تيار بوسليم" الإرهابي الموالي للقاعدة في مدينة درنة.
حاول تنظيم الإخوان أن يحافظ على ليبيا كبيت ماله وبيت السلاح، بعد سقوطهم في دول الجوار، فأنشأت تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، كما تم استقبال إرهابيين فارين من هذه الدول مثل "تنظيم المرابطين" بقيادة الإرهابي المصري هشام عشماوي، في مدينة درنة لتتخذها مقرا ومركزا للتدريب للانطلاق في تنفيذ العمليات الإرهابية في بلدانها الأصلي، كما نشطت عدة تنظيمات في الغرب والجنوب.
نواة الجيش
شهدت ليبيا خلال هذه الأعوام الـ12 العديد من العمليات الإرهابية أبرزها الهجوم على مقر القنصلية الأمريكية في بنغازي 11 سبتمبر (أيلول) 2012 ما أدى لمقتل السفير الأمريكي وعدد من الدبلوماسيين الآخرين، كما انتشرت العديد من عمليات الاغتيال خاصة ضد قيادات الجيش، حيث اغتيل في عام 2013 نحو 211 ضابطا وفي 2014 أكثر من 410 آخرين.
لم يستسلم الليبيون لهذه الموجة الإرهابية الضخمة وكان عام 2014 عام الحرب الكبرى على الإرهاب وانطلاق "ثورة الكرامة" أو "ثورة التصحيح"، ووفقا للخبير السياسي والعسكري الليبي، محمد الترهوني، فإن اللواء خليفة حفتر (رتبته العسكرية حينها) حاول تأسيس جيش من ركام جيش بمساعدة نحو 128 عسكريا فقط لبوا النداء حينها وانطلقت عملية التحرير.
التحرير الكامل
بعد سنوات من القتال استطاع الجيش الليبي أن يزف لليبيين نبأ تحرير مدينة تلو الأخرى، فتم تطهير مدينة بنغازي بالكامل في 5 يوليو (تموز) 2017، كما تم إعلان تحرير الهلال النفطي أواخر يونيو (حزيران) 2018، بعد أن كانت تسيطر عليه قوات جهوية وإسلاموية خربت الحقول والموانئ لسنوات وأوقفت التصدير، وتوجت الانتصارات بإعلان متزامن بالتحرير الكامل لمدينة درنة وتصفية آخر جيب إرهابي بالمدينة بعد سنوات من الحصار.
انطلق الجيش الوطني الليبي إلى الجنوب الذي كانت تسيطر عليه عدة عصابات مسلحة ومليشيات من دول الجوار الجنوبي ونشاط واضح لخلايا إرهابية في الأظهرة الصحراوية للمدن، وهو ما نجح فيه، إلا أن الحدود الصحراوية المفتوحة تجعل التنظيمات تتسرب عبر الحدود من وقت لآخر وهو ما يتصدى له الجيش الليبي عبر دوريات متتابعة جوية وبرية وعمليات استباقية لتصفية الخلايا النائمة.
إرهاب جديد
يقول الدكتور يوسف الفارسي، الأكاديمي خبير الأمن القومي، إن التنظيمات الإرهابية تعلمت من الوضع السياسي الليبي واتخذت صورا جديدا للحفاظ على السلطة وغيرت صورتها من التنظيمات إلى المليشيات التي تدعي تبعيتها للدولة.
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن تنظيمات الإرهاب في ليبيا تقوم بذات الدور لكن بصورة مختلفة من خلال عرقلة كافة جهود الاستقرار وهو ما حدث عندما تسببت في إفشال الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وأشار إلى أن بعض السياسيين الليبيين يستخدم هذه المليشيات لتحقيق أغراضه الخاصة إما للوصول إلى مناصب أو الحفاظ على البقاء فيها، كما أنها تستنزف خزينة الدولة تحت ما يعرف بدواعش المال العام بادعاء أنها مليشيات تتبع السلطة في حين أنها تتبع أشخاص أو كيانات أو دول خارجية.
وقال إن هذه المليشيات الإرهابية ترفض تطبيق قرارات السلطة التشريعية المنتخبة –مجلس النواب- وتتحكم في السلطة التنفيذية الواقعة في إطار سيطرتها وتجبرها على اتخاذ القرارات التي تناسبها في صورة جديدة من الإرهاب بعد أن تمرست في السياسة منذ 17 فبراير (شباط) 2011 .
واختتم بأنه لا بد من دعم الجيش الوطني في الحرب على الإرهاب بكافة صورة في كافة المناطق ودعم جهود اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 لتوحيد المؤسسة العسكرية وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وحل المليشيات ونزع سلاحها للقضاء على كافة أشكال الإرهاب المتبقية في ليبيا.
aXA6IDMuMTMzLjE1Mi4xODkg جزيرة ام اند امز