توظيف "الوفاق" للمرتزقة الأجانب في الصراع الليبي.. الدوافع والتداعيات
يمثل المرتزقة الأجانب خيارا مثاليا بالنسبة لحكومة الوفاق خاصةً إذا ما أُخذ في الاعتبار وجود تمويل ضخم توفره قوى إقليمية بعينها.
تشهد ليبيا في الآونة الأخيرة تصاعد توظيف المرتزقة الأجانب من جانب حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي، ورغم أن هذا الأمر ليس بجديد على حكومة" الوفاق" فإن ملامحه بدأت تتبلور بشدة في الآونة الأخيرة مع تنامي الدعم المقدم من أطراف إقليمية لهؤلاء.
وكان آخر مشاهد هذا التوظيف تصدي الجيش الوطني لهجوم من مرتزقة تشاديين على مدينة مرزق في أقصى الجنوب الليبي في 8 يوليو/تموز الجاري.
وقد استخدم المرتزقة التشاديون الراجمات والأسلحة الثقيلة، وقد سبق ذلك بيومين فقط هجوم آخر من هؤلاء المرتزقة على نفس المدينة وتصدّى له الجيش أيضاً، ويعمل هؤلاء المرتزقة مع "قوات حماية الجنوب" الموالية للسراج، والتي تتشكل أغلبها بالأساس من المرتزقة الأجانب، كما شهد منتصف يونيو/حزيران الماضي إعلان الجيش الليبي القبض على عدد من المرتزقة الأجانب من جنسيات أفريقية أثناء قتالهم إلى جانب قوات حكومة الوفاق، كما سبق وأعلن الجيش الليبي عن إسقاط طائرة حربية تابعة لحكومة الوفاق يقودها مرتزق أجنبي برتغالي الجنسية في 7 مايو/أيار الماضي.
توظيف "الوفاق" للمرتزقة الأجانب
تشير تقديرات صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أنّ ليبيا قد استقطبت نحو 3436 مقاتلا أجنبيا من أكثر من 40 دولة مختلفة، ويعكس مستوى التسلُّح الذي يحظى به المرتزقة الأجانب حجم ما يحصلون عليه من دعم وتمويل من بعض الدول الساعية إلى إحداث الفوضى في الإقليم، وبالتحديد تركيا.
حيث تقوم تركيا، وفق تصريحات رسميّة للجيش الوطني الليبي، بإرسال الأسلحة والمقاتلين الأجانب عبر خط مفتوح من تركيا جوًا وبحرًا ومنها رحلات جويّة مباشرة من تركيا إلى مصراتة تقوم بنقل هؤلاء المقاتلين الذين كانوا منخرطين في الصراع السوري، وعلى رأسهم بعض مسلحي جبهة النصرة، وفي هذا الإطار فقد عرض اللواء أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الوطني الليبي أكثر من مقطع فيديو مصوّر يُوثّق مشاركة مرتزقة أجانب مع المليشيات الموجودة في طرابلس، حيث يتم تزويدهم بالسلاح والعتاد وكذلك طائرات بدون طيار من أجل تصوير مواقع الجيش الوطني الليبي ونقل المعلومات الدقيقة عن قواته وتحركاته، كما أنهم يستخدمون أنظمة اتصالات حديثة ومتطورة.
وتأتي زيارة فايز السراج رئيس حكومة الوفاق إلى تركيا في 7 يوليو/تموز الجاري في إطار البحث عن مزيد من الدعم التركي المتمثل بالأساس في نقل مزيد من المقاتلين من إدلب السورية إلى طرابلس، وأغلب هؤلاء المقاتلين من المرتزقة الأجانب الذين تحاول تركيا إعادة نشرهم في ليبيا من أجل مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وفي هذا الإطار، انتقد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في 4 يوليو/تموز الجاري تدفُّق المقاتلين والمسلحين من محافظة إدلب السورية إلى ليبيا، واعتبر أن ذلك التوجُّه يؤجج الصراع الليبي بشكل كبير، ويُعدّ الموقف الروسي بمثابة رسالة تحذيرية لكلٍ من تركيا وكذلك حكومة الوفاق من أجل التوقف عن توظيف المقاتلين والمرتزقة الأجانب في الصراع الليبي.
دوافع متعددة
يمثل المرتزقة الأجانب خيارا مثاليا بالنسبة لحكومة الوفاق خاصةً إذا ما أُخذ في الاعتبار وجود تمويل ضخم توفره قطر يمكن أن يُشكل عامل جذب لهؤلاء المرتزقة من أجل القتال إلى جانب مليشيات حكومة الوفاق في طرابلس.
كذلك فإن لجوء حكومة الوفاق إلى المرتزقة الأجانب يأتي في ظل عدم وجود جيش نظامي تابع للوفاق، وهو جزء من أزمة الشرعية الحالية التي يعاني منها السراج، وكذلك فإنه أحد أسباب فقدانه القدرة على تسويق نفسه في الخارج بشكل جيّد في ظل وجود انتقادات عدة من جانب بعض الدول الأوروبية، لا سيّما فرنسا، لاعتماد السراج على تلك المليشيات المكتظة بالمرتزقة الأجانب.
وفي ذات السياق، تتلاقى رغبة السراج مع سعي التنظيمات الإرهابية -وبالتحديد تنظيم داعش- إلى إعادة التموضع من جديد في مناطق أخرى بخلاف سوريا والعراق، ولعلّ سيطرة المليشيات والجماعات الإرهابية على طرابلس يجعلها قِبلة للمرتزقة الأجانب وللإرهابيين الباحثين عن مناطق جديدة خاصةً بعد ظهور أبوبكر البغدادي في أواخر أبريل/نيسان الماضي، وتركيزه في خطابه على ليبيا، حيث أوصى أتباعه بضرورة استنزاف الأعداء في جميع مقدراتهم البشرية والعسكرية والاقتصادية واللوجستية في ليبيا.
وهو ما استتبعه قيام تنظيم داعش في 4 مايو/أيار الماضي بتبنّي مسؤولية الهجوم على مقر تدريب تابع للجيش الوطني الليبي في مدينة سبها جنوب البلاد، وقد كان لافتًا دور بعض المرتزقة الأجانب في تقديم الدعم لعناصر تنظيم داعش، وذلك وفق ما صرّح به عميد بلدية سبها "حامد الخيالي" عقب الهجوم الذي أدى لسقوط 9 قتلى بالإضافة إلى عددٍ من الجرحى.
وتشير دراسة صادرة عن مركز مكافحة الإرهاب (CTC) بالولايات المتحدة في مارس/آذار 2019 إلى أنه بنهاية عام 2018 بلغ عدد أعضاء داعش في ليبيا حوالي 750 عضوًا يُشكِّل غير الليبيين حوالي 80% منهم في إشارة إلى وجود نسبة مرتفعة من المرتزقة الأجانب بين التنظيم حيث إن ليبيا هي إحدى المناطق التي يحاول فيها تنظيم داعش إعادة بناء دولة الخلافة المزعومة خاصةً بعد خسارة مدينة سرت الليبية عام 2016.
تداعيات جمّة
يلعب المرتزقة الأجانب دورًا كبيرًا في تزايد حدة عدم الاستقرار الأمني في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي ليبيا بشكل خاص، وفي دراسة صادرة عن مركز "صوفان" في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 فإن هناك أكثر من 53 ألف مقاتل أجنبي قد شاركوا في مناطق الصراع في الشرق الأوسط من حوالي 146 دولة، وقد شكلت تونس الدولة الأولى عالميًا وكذلك عربيًا في تصدير المقاتلين الأجانب لمناطق الصراع.
وهو ما ينطبق بشكل كبير على الوضع الليبي، حيث يوجد عدد كبير من التونسيين ضمن المقاتلين الأجانب المنتشرين في ليبيا، حيث تشير تقديرات تونسية رسميّة إلى أن أعدادهم في ليبيا يبلغ حوالي 1500 تونسي خاصةً في ظل القرب الجغرافي بين البلدين وسهولة التنقُّل عبر الحدود بينهما مع استمرار حالة عدم الاستقرار في البلدين على مدار السنوات القليلة الماضية.
وتعكس تلك الأرقام خطورة تحوُّل ليبيا إلى بؤرة استقطاب لهؤلاء المرتزقة الأجانب في إطار عملية إعادة الانتشار لبعض التنظيمات الإرهابية على رأسها تنظيم داعش خاصةً في ظل وجود غطاء سياسي من جانب حكومة الوفاق، وغطاء ديني أو شرعي من جانب أبوبكر البغدادي، وغطاء استراتيجي ولوجستي من جانب تركيا التي لا تكف عن نقل المقاتلين والأسلحة إلى ليبيا دعماً لحكومة الوفاق، وكذلك في ظل وجود غطاء تمويلي كبير تقوم به قطر؛ التي اتهمها المسماري في أكثر من مرة بتقديم تمويل لبعض المليشيات المسلحة في ليبيا، وبالتالي فإن الأوضاع في ليبيا باتت جاذبة لمزيد من الاستقطابات الإقليمية والدولية.
مجمل القول أن تصاعد توظيف المرتزقة الأجانب في الصراع الليبي يمثل تحديا كبيرا للجيش الوطني الليبي، خاصةً في ظل محاولة هؤلاء المرتزقة -بإيعاز من حكومة الوفاق- فتح أكثر من جبهة قتال في الوقت نفسه لتشتيت الجيش الوطني، كذلك فإن توظيف هؤلاء المرتزقة من شأنه أن يُسبِّب مزيدا من الحَرج لحكومة الوفاق لا سيما مع انتقاد الرئيس الروسي بوتين لنقل المقاتلين إلى ليبيا وما سبقه من انتقاد بعض الدول الأوروبية أيضاً لذلك التوجُّه الذي من شأنه تأجيج الوضع في ليبيا.
** أحمد عبدالعليم - باحث متخصص في الأمن الإقليمي
aXA6IDMuMTQyLjEzNi4yMTAg جزيرة ام اند امز