إقالة "صنع الله" بليبيا.. باطلة بقوة القانون أم نافذة بقانون القوة؟
قرار بإقالة رئيس مؤسسة النفط الليبية يعد باطلا بقوة القانون لكنه قد يجد طريقه لتنفيذ قسري بقانون القوة غير المنضبط.
وبعد إطاحة رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة، برئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله عبر قرار غير قانوني، تساءل الكثير عن مصير الخطوة.
استفهام تركز بالأساس عما إن كانت قوة القانون ستمنع تفعيل القرار، أما أن مليشيات الدبيبة في طرابلس ستنفذه بقانون القوة.
وفي خطوة من شأنها خلق أزمة جديدة، أقال الدبيبة، الثلاثاء، صنع الله مستغلا وجوده خارج ليبيا لأداء فريضة الحج، وكلف خلفا له بالمنصب.
وبحسب قرار اطلعت عليه "العين الإخبارية"، فإن الدبيبة عين مجلس إدارة جديد للمؤسسة الوطنية للنفط برئاسة فرحات بن قدارة، وهو آخر محافظ للبنك المركزي في عهد معمر القذافي، كما شكل بموجب القرار ذاته لجنة للاستلام والتسليم.
وفي حين لم تنشر الحكومة منتهية الولاية القرار عبر منصاتها الإعلامية، إلا أن الدبيبة سبق أن وافق على إقالة صنع الله وأعضاء مجلس إدارة مؤسسة النفط كاملا خلال اجتماع مجلس وزاري عقد ببلدة جادو بالجبل الغربي في 23 يونيو/حزيران الماضي.
وجرى ذلك بتحريض من وزير النفط بحكومة الدبيبة محمد عون، الذي يتصارع مع صنع الله منذ فترة طويلة حول صلاحيات كلا منهما في قطاع النفط.
لن يمرّ
وعن ذلك القرار، ونظرا للمعطيات، اختلف خبراء ممن تحدثت إليهم "العين الإخبارية" عن مدى إمكانية تمرير قرار الدبيبة من عدمه.
أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية علام الزوي يرى أن قرار الدبيبة لن يمضي لعدة أسباب، بينها أنه "لا يملك سندا قانونيا لخطوته بإقالة مجلس إدارة المؤسسة، في حين أن ذلك من صلاحيات السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب".
وأضاف الزوي أن "مجلس النواب متمسك بصنع الله وهو ما تجلى بوضوح في بيان رئيس لجنة الطاقة البرلمانية عيسى العريبي قبل أيام، والذي اعتبر فيه المساس بصنع الله خطا أحمر".
وبالنسبة للأكاديمي الليبي، فإنه "بإمكان صنع الله اللجوء إلى القضاء الإداري الذي سيحكم لصالحة من أول جلسة كون الأمر لا يختلف عليه اثنان، فإقالة رئيس هيئة سيادية ليس من صلاحيات السلطة التنفيذية بل التشريعية، وذلك ليس فقط في ليبيا بل بمعظم دول العالم".
وأكد أن "مصطفى صنع الله ليس بالرجل الضعيف فالجميع يعرف قوة الرجل التي ربما يستمدها من دعم دولي له خاصة بريطانيا التي يحمل صنع الله جنسيتها".
خيارات
أما داخليا فيعتبر الخبير أن لصنع الله "ثقل كبير وربما هو أيضا يكون لديه مليشيات تأتمر بأمره ويمولها وتدافع عنه أمام مليشيات الدبيبة في حال حاولت إجباره على تنفيذ قرار عزله".
وفي أسوأ الأحوال، يرى الزوي أنه "بإمكان صنع الله في حال استخدم الدبيبة مليشياته لإجباره على التسليم أن يغادر خارج البلاد ويعمل من هناك في أي دولة".
ولفت إلى أن "تلك الخطوة سبق أن نفذها محافظ البنك المركزي الصديق الكبير حين أحس بالخطر في ليبيا، حيث استقر بمكتب له في مالطا وسير أمور المصرف المركزي من هناك لسنوات عديدة".
وتابع في هذا السياق أن "المهم في الأمر هو التوقيع المعتمد ومصطفى صنع الله توقيعه هو المعتمد في كل العالم ولن يستطيع الدبيبة فاقد الشرعية الدولية والمحلية تغيير التوقيع المعتمد لدى منظمة أوبك".
كما أشار إلى أن عقود النفط تسري بأجل لاحق، حيث يتم التعاقد على كميات كبيرة من النفط مع الدولة الليبية لمدة خمس أو عشر سنوات، ما يعني أن جميع عقود النفط التي تبيعها ليبيا حاليا ومستقبلا ستكون بشرعية توقيع مصطفى صنع الله المسبقة عليها.
وختم مؤكدا أن قرار إقالة صنع الله لن يمر قائلا إن "سوق النفط لا يعرف المجاملة، ولن يعترف بالتجاذبات السياسية بين صنع الله والدبيبة ولن يسمح بأي توتر في عقود النفط وسوق النفط العالمي".
وختم الزوي كاشفا أن "هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الدبيبة الإطاحة بصنع الله، حيث فعل ذلك العام الماضي وفشل في الأمر"، موضحا أن "صنع الله يعتبر الرجل الذي أدار المؤسسة منذ عام 2014 رغم كل تلك المشاكل والانقسامات، وحافظ على موقعه مع كل الحكومات ولن يستطيع رجل بلا شرعية مثل الدبيبة إسقاطه إلا بصفقة مسبقة يكون صنع الله نفسه طرفا فيها".
قانون القوة؟
في طرح مناقض، يرى الناشط السياسي الليبي صالح المبروك أن قرار الدبيبة سيمضي بكل سهولة.
ويعتمد المبروك في رؤيته على عدة معطيات، موضحا أن "القوانين التي يستند إليها الرافضون لقرار الدبيبة بإقالة صنع الله ليست محل اهتمام، فالدبيبة يحكم بسلطة الأمر الواقع عبر مليشيات تنفذ ما يطلبه منها دون التفكير في مدى قانونية ذلك من عدمه".
وأضاف في هذا الصدد أن "الحديث عن القانون في وسط الغابة التي تعيشها العاصمة الليبية طرابلس أمر يدعو للضحك، فهناك لا قوة للقانون بل هناك فقط قانون القوة، وهو الذي سينفذ قرار الدبيبة بالإطاحة بمصطفي صنع الله".
وتابع متسائلا: "مقر مؤسسة النفط في طرابلس التي فيها أكثر من 100 مليشيا موالية للدبيبة فكيف سيرفض صنع الله التسليم لفرحات بن قدارة؟".
ورغم تأكيده على إمكانية تمرير قرار الدبيبة غير القانوني بإقالة صنع الله، إلا أن الناشط السياسي الليبي أوضح أن "الدبيبة في قراره ارتكب خطأ كبيرا ألا وهو إقالة مجلس إدارة المؤسسة كاملا، في حين كان بإمكانه الإبقاء على باقي أعضاء المجلس وتسخيرهم وحثهم على الاعتراف برئيس المؤسسة الجديد، وبذلك لن يكون أمام صنع الله أي فرصة".
ومن هذه الزاوية، اعتبر أن "الدبيبة لم يغفل عليه على ما يبدو أمر تسخير أعضاء مجلس إدارة المؤسسة فقد كلف أيضا أحد أعضاء المجلس وهو خليفة بن رجب بمنصب وكيل عام وزارة النفط، وذلك ليضمن تطبيق قرار الإقالة".
ومستدركا: "لكن بن رجب خيب آمال الدبيبة وأصدر بيانا اليوم نشر عبر موقع المؤسسة الرسمي اعتذر فيه عن المنصب الجديد وتمسك بموقعه بمجلس إدارة مؤسسة النفط وبمصطفى صنع الله"، مؤكدا أن "ذلك سيكون له أثر كبير في دعم صنع الله".
وفي حال لجأ صنع الله للقانون، يتابع، واشتكى صحة قرار الدبيبة المخالف قطعا لصحيح القانون لدى هيئة الرقابة الإدارية أو ديوان المحاسبة وهي جهات مختصة في الفصل في تلك الأمور، فإنه لن يستفيد شيئا".
aXA6IDE4LjExOC4xMzcuOTYg جزيرة ام اند امز