ليبيا.. الانقسام السياسي يلتهم الأمن الغذائي
أزمة الانقسام السياسي الحاد في ليبيا باتت تهدد الأمن الغذائي، في ظل تأثيرها المباشر على أسعار المواد الغذائية
لم يكن الشاب الليبي علي جمعة يجد أدنى صعوبة في المهمة التي عادة ما توكلها له والدته، وهي الذهاب إلى أحد المخابز والحصول على كمية من الخبز تكفي الاستهلاك اليومي للأسرة، ولكن هذه المهمة صارت قبل شهرين من الآن قطعة من العذاب، كما يصفها الشاب الليبي.
يقول جمعة، وهو مراسل صحفي لعدد من الصحف الليبية والعربية لبوابة العين الإخبارية: "كنت قبل شهرين أثناء عملية الكرامة التي أطلقها الجيش الليبي أضطر إلى الوقوف فترة لا تقل عن 5 ساعات للحصول على الخبز، أما الآن بعد انتهاء العملية أصبحت مهمة الحصول على الخبز سهلة، ولكن أسعاره تضاعفت بشكل مبالغ فيه".
وأطلق الجيش الليبي في مايو/أيار 2014 عملية الكرامة لطرد التنظيمات الإرهابية من شرق ليبيا، وأدت المعارك الدائرة إلى إغلاق بعض المناطق وتهجير سكانها، وهو ما خلق كثافة سكانية في المناطق التي هاجر إليها السكان، وزاد معها الضغط على الخبز والاحتياجات الأساسية.
ومع انتهاء عملية الكرامة وإعلان الجيش تطهير الشرق الليبي عاد السكان المهجرين إلى مناطقهم، فانتهى الضغط على المخابز، وعادت مهمة توفير الخبز سهلة على الشاب علي جمعة، لكنها صعبة على من لا يملك الأموال لتوفيره.
ويقول جمعة: "انتهى الضغط على المخابز ولكن الأسعار تضاعفت، فالعشرة أرغفة من الخبز صار ثمنها دينار، بعد أن كان ثمنها قبل اندلاع الثورة الليبية في 2011 حوالي ربع دينار".
ولم تعش المناطق الأخرى في ليبيا أزمة الشرق الليبي، المتمثلة في الضغط على الخبز والمواد الغذائية الأخرى، لكنها تشاركه حاليا أزمة ارتفاع الأسعار، والتي تشمل السلع الغذائية الرئيسية من أجبان وأرز ومكرونة ولحوم، إذ صارت متوفرة ولكن بأسعار مضاعفة.
يقول محمد معتصم، وهو شاب ليبي يبلغ من العمر 25 عاما لبوابة العين الإخبارية: "لم نعش في طرابلس نفس حجم أزمة الزحام على المواد الغذائية، ولكن كانت ولا تزال الصعوبة متمثلة في ارتفاع الأسعار بشكل كبير".
ووصلت أسعار المواد الغذائية في طرابلس إلى مستويات غير مسبوقة، إذ وصل الكيلو من لحم الخراف على سبيل المثال إلى 27 دينارا للكيلو، ووصل ثمن طبق البيض الذي يحتوي على 30 بيضة إلى 13 دينارا.
وأمام هذه الأسعار التي تضاعفت في بعض السلع عشرة أضعاف عن قبل الثورة لم تعد رواتب الموظفين قادرة على الوفاء باحتياجات المواطن، فيقوم بالشراء من التجار المشتركين في خدمات "ادفع لي" و"موبي كاش".
ويوضح معتصم أنه وفقا لهذه الخدمات المصرفية، فإن حد السحب للموظف 400 دينار يوميا، يتم خصمها من راتبه في الشهر المقبل، إن لم يكن رصيده البنكي كافيا.
ويضيف: "مشكلة هذه الخدمات أن ضرائبها تضيف عبئا إلى عبئ زيادة الأسعار، فالسلعة التي يبلغ ثمنها 100 دينار على سبيل المثال يسددها الموظف 140 دينارا بعد إضافة الضريبة".
وينضم الموظفون مع تراكم الديون إلى الفئات الأخرى التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة تهدد أمنهم الغذائي، والذين يحصلون على حصص غذائية من برنامج الغذاء العالمي.
ويقدم البرنامج في الوقت الراهن حصصا غذائية إلى ما يقرب من 80 ألف شخص، وتوفر الحصة التموينية الواحدة لكل أسرة مكونة من 5 أفراد ما يكفي لمدة شهر واحد من الأرز والمكرونة ودقيق القمح والحمص والزيت النباتي والسكر وصلصة الطماطم، وفق بيان صحفي صادر عن البرنامج في 24 يوليو/تموز 2017.
ويقول وجدي عثمان، المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في ليبيا، إن البرنامج يسعى في عام 2017 إلى الوصول إلى 175 ألف شخص.
وحصل البرنامج في يوليو/تموز 2017 على مساهمة بلغت مليون يورو مقدمة من الحكومة الإيطالية، كما حصل في فبراير/شباط من العام ذاته على مساهمة من الحكومة اليابانية قدرها 700 ألف دولار أمريكي، إلا أن هذه المبالغ يراها أبوصلاح شلبي، عضو برلمان طبرق، مجرد "مسكنات".
ويقول أبوشلبي لبوابة العين الإخبارية: "طالما ظلت الأزمة السياسية قائمة والبلاد منقسمة بين حكومتين وبرلمانين، فإن أي مساعدات ستكون بمثابة مسكنات للألم، لكنها لن تقضي عليه".
ويضيف: "ما نعرفة جميعا أن ليبيا يمكنها خلال 5 سنوات توفير احتياطي مالي قرابة 150 مليار دولار لو توفرت الظروف الأمنية والسياسية المساعدة، إضافة إلى أن مؤشرات الإنتاج النفطي خلال الفترة نفسها قد تبلغ مليوني برميل يوميا، وهذه الأرقام قادرة على أن تقضي على مشكلة نقص الغذاء".