تمضي أوضاع ليبيا سريعا في إطار خارطة طريق، أسس لها العام الماضي منتدى عقدته الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة المستمرة هناك منذ 10 سنوات.
فإلى جانب تحديد موعد الانتخابات، أنتجت الخارطة، التي حظيت بدعم الأمم المتحدة، إدارة انتقالية جديدة تولت زمام الأمور، من حكومات متتالية ظهرت، وقد أسست هذه العملية السياسية مجلساً رئاسياً مؤلفاً من ثلاثة أعضاء من المناطق الليبية الثلاث، يرأسه محمد المنفي، بالإضافة إلى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة.
ورغم إجماع الأطراف في ليبيا والقوى الأجنبية المنخرطة في الصراع على ضرورة إجراء الانتخابات، فإن كلاً من منتدى الحوار، المدعوم من الأمم المتحدة، والمؤسسات الليبية القائمة، لا تزال تواجه عوائق على الأرض.
فالأهم الآن الاتفاق على أهمية خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، والذين يحولون دون استعادة ليبيا سيادتها الكاملة، فضلاً عن تأثير وجودها على أمن دول جوار ليبيا، مثل مصر والجزائر وتونس، وضرورة توفير الدعم الكامل لدور اللجنة العسكرية المُشتركة "5+5"، وهو الأمر الذي يحظى باهتمام كبير، خاصة من الأطراف العربية الداعمة للعملية الانتخابية في ليبيا، طبق قوانين متوافق عليها، وعلى أساس مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، وضمان احترام نتائجها بتوفير مراقبين دوليين لضمان سير الاستحقاق بشكل جيد لصالح أطراف المعادلة الليبية، وعلى رأسها الجيش الوطني الليبي، في ظل مساندة عربية واضحة.
من المهم والضروري إذاً في الوقت الراهن خروج المرتزقة وحل مليشيات الإخوان، وهو ما طُرح في المفاوضات التركية-المصرية مؤخرا، وكشف عنه لقاء وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ونائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، والداعي لضرورة إخراج المرتزقة كسبيل وحيد لاستعادة سيادة ليبيا، وأيضا خروج كل القوات الأجنبية، للتخوف من تأثير مباشر للوجود التركي هناك على نتائج الاستحقاق الدستوري، أو عدم قبول بعض الأطراف -الإخوان- نتائج الانتخابات استنادا إلى دعم تركي.
هنا وجب طرح آليات محددة لإخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، ولعل التحرك العربي الراهن يتوافق مع المخطط الأمريكي في التعامل مع مجمل التطورات الليبية، وهو ما عبر عنه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في جولته الأخيرة بالمنطقة، بالاتفاق على تكثيف التنسيق المشترك بشأن الترتيبات المتعلقة بالانتخابات المقبلة في ليبيا، وملف سحب القوات الأجنبية والمرتزقة، وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، كما يمكن فهم ذلك أيضا من خلال تأكيد التحركات الأمريكية، خاصة الزيارة الأخيرة لقائد القوات الأمريكية في أفريقيا، الجنرال ستيفين تاونسند، إلى طرابلس، والتي كانت بمثابة تحذير لكل من يتدخل سلبا في السياسة الليبية، خاصة تركيا، التي تتخوف من تبعات تطبيق قانون الاستقرار، القاضي بفرض عقوبات وإبعاد كل الشخصيات المعرقلة للتسوية السياسية والانتخابات، في ظل دور جيد ومتراكم ومقدر من اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، التي عقدت اجتماعا في طرابلس للمرة الأولى، الأمر الذي يجعل المسؤول عن تأمين إجرائها قادرا على دفع تركيا لترحيل مرتزقتها من سوريا، وحل المليشيات الإخوانية ونزع سلاحها، وأيضا التوزيع العادل للثروة ووقف إطلاق النار، وهي إجراءات تعتبر مفتاح الحل لأزمة ليبيا، الممتدة منذ أكثر من عقد كامل.
يشار إلى أن وجوب التنسيق بين المجلس الرئاسي والحكومة والقيادة العامة سبق أن شدد عليه المبعوث الأممي إلى ليبيا، يان كوبيتش، أمام مجلس الأمن، والذي حصر التنسيق بين هذه الجهات ولم يذكر أي أطراف أخرى غيرها.
ولعل التحركات الراهنة لتسوية الأزمة الليبية تتوافق مع مخرجات مؤتمر برلين، وقد لاقت دعما وقبولا من كافة الأطراف الرئيسية في المشهد الليبي، سواء داخليا أو خارجيا، وكانت سببا لإحداث انفراجة في الأزمة على المستويات كافة.
الواقع -وفقا لقراء المشهد الليبي بأكمله- أن الإشكالية ليست مسألة قانون الانتخاب، وإنما مسألة الإرادة السياسية، فمن حق المواطن الليبي أن ينتخب مَن يختاره مباشرة من خلال الاختصاصات الممنوحة لكل مؤسسة أو هيئة ليبية، تشريعية وتنفيذية، وكذلك هيئة الانتخابات كمؤسسة رئيسية لإنجاح العملية الانتخابية بأكملها، فقد أصبح الجميع ينتظر موعد الانتخابات، 24 ديسمبر المقبل، لبداية مرحلة جديدة في ليبيا، وإن كان الأمر يتطلب عقد لقاء يضم كل الفاعلين في المجتمع الليبي، من أكاديميين وشخصيات عامة وشباب، إلى حوار حقيقي قبيل إجراء الانتخابات، لتطرح في هذا الحوار كل الحلول الممكنة، مع وجود اتفاق على أساسها القانوني، وتأكيد أن جميع المرشحين سيقبلون بالنتائج، وهو أمر متاح في ظل الدعم العربي لإنجاح خطوة إجراء الانتخابات في موعدها المستحق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة