هناك أكثر من 3200 مرشح في الانتخابات العراقية يتنافسون على 329 مقعدا في البرلمان، ولكن المتنافسين الواقعيين ثلاثة فقط.
وجود أكثر من 100 مرشح لكل مقعد يقدم جوابا مبكرا عن غياب المعنى من مقاطعة الانتخابات. ذلك أنها تعكس مشاعر يأس مسبق، حتى وإن كان لها ما يبررها، إلا أنها تعني في النهاية أن هناك معركة وقرر المقاطعون عدم خوضها أو خسارتها مسبقا.
هذا الأمر يشمل الناخبين أنفسهم. فهناك 24 مليون ناخب مؤهل. إلا أن أقل من نصفهم "44%" شارك في انتخابات العام 2018، ومن المرجح أن ينخفض هذا العدد إلى النصف أيضا. ولكن ليس لسبب واحد، وإنما لسببين اثنين. أولهما اليأس، وثانيهما تقني، وهو أن المفوضية العليا للانتخابات أصدرت نحو 15 مليون بطاقة بايومترية للناخبين المسجلين. وهو ما يعني الإطاحة مسبقا بنحو 9 ملايين ناخب. وليس كل الذين حصلوا على بطاقات سوف يذهبون إلى صناديق الاقتراع، مما قد يجعل الانتخابات تجري فعليا بأقل مما تم تسجيله.
المقاطعة لا تُضعف شرعية الانتخابات. وإنْ فعلتْ، فإنها لا تغير الموازين. ففي النهاية، إذا كانت الانتخابات معركة، فليس لدى الذين يتخلفون عنها الكثير مما يمكنهم قوله إذا تمت هزيمة تطلعاتهم.
أسباب اليأس جديرة بالاعتبار. فالسلاح المنفلت وتهديدات المليشيات وعجز بعض المرشحين عن خوض المعركة الانتخابية على قدم المساواة مع الذين يدعمهم السلاح، فضلا عن اختلال معايير التمويل، تجعل المشاركة في الانتخابات عملا يبدو وكأنه لا طائل منه.
ولكن ملايين العراقيين الذين ظلوا يتظاهرون لـ14 شهرا متواصلة، منذ أكتوبر 2019، وينددون بنظام الفساد وبهيمنة إيران وأحزابها ومليشياتها، كانوا هم أيضا يخوضون معركة. وسواء قال القائل إنهم فازوا بها، بالإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي، أو إنهم خسروها ببقاء الكثير من أوجه الحال على حاله، فالحقيقة البسيطة هي أنهم خاضوها. وقدموا في سبيلها أكثر من 600 قتيل، وأكثر من 40 ألف جريح.
وهذا يعني أن خوض المعركة، بصرف النظر عن النتيجة، كان هو خيار الملايين. رغم اليأس، ورغم المخاوف، ورغم كل أعمال القتل.
هناك أطراف تشيع اليأس لأنها تريد أن تضمن الفوز من قبل أن تشارك. فإذا ذهبت تقديراتها إلى أنها لن تحظى بمكسب، قررت أن تركب حصان المقاطعة للتخفي وراء "الظروف غير الملائمة" للانتخابات.
وهو ما فعله "التيار الصدري"، قبل أن تتوفر له الضمانات، فترجّل. بينما بقي آخرون مثل "البيت الوطني" و"الحزب الشيوعي" على حصان التمرد لا التردد.
عدم خوض المعركة، أسهل دائما، وأكثر أمانا. إلا أنه إذ يُخلي الساحة لأطراف الفساد والخضوع لهيمنة إيران، فإنه يقدم هدية لهذه الأطراف، ويمنحها المزيد من الفرص لكي تكون لاعبا رئيسيا في تقرير مصائر البلاد والعباد.
وكأي معركة انتخابية فإنها معركة برامج وأصوات متناحرة. وهاتان أداتا توعية وتحريض على البحث عن عروة وطنية وثقى، إن لم يُمكن التمسك بها، فعلى الأقل يمكن الإشارة إليها على أنها هي الخيار الأمثل لنجاة العراق. وبعض صراعات الأصوات يمكنها أن تُقوّم المسالك أيضا بين مَنْ يُمكن إيقاد جذوة التحرر من الهيمنة في نفوسهم.
وبالرغم من الجهد المضني الذي تبذله حكومة مصطفى الكاظمي لضمان أمن الانتخابات، حتى لكأنها تخوض حربا، بإغلاق المطارات والحدود ومنع حركة الشاحنات والدراجات وغير ذلك من الإجراءات الاستثنائية، لحماية الانتخابات وإبقائها تحت أعين رقابة دولية تشارك تدبير الأدوات الفنية، فإن أحدا لا يمكنه القول إن ذلك سوف يضمن النزاهة التامة، بحكم أن أدوات الأمن والرقابة ليست هي نفسها أدوات التأثير والتهديد وشراء الأصوات مسبقا.
ولكن، حتى هنا، فإن خوض المعركة أفضل من الانسحاب منها. وهناك ما قد يكفي من الأسباب للاقتناع بأن "الكاظمي" نفسه، يبحث من خلالها عن توفير القاعدة للتغيير. هو لم يقدر عليه، لأسباب مرئية ومعروفة ومفهومة، إلا أنه يريد أن تتوفر له أو لمن يأتي من بعده القاعدة التي ظل يفتقر هو إليها.
الجانب الأهم في هذه المعركة، هو أنه من بين الـ167 حزبا المشارك ومن بين الـ3243 مرشحا، يوجد ثلاثة مرشحين واقعيين فقط: هم "حزب العراق"، و"حزب إيران"، و"حزب البين بين".
بين مرشحي "حزب العراق" هناك بعض الأطراف "التشرينية".
وبين مرشحي "حزب إيران" هناك المليشيات التي لا تخفي ولاءها وتبعيتها لإيران وتحرص على تنفيذ أجندتها، وبالدرجة الأولى منها توفير أدوات النهب الاقتصادي، وخوض المعارك المسلحة نيابة عنها على حساب أمن العراق واستقراره.
أما "حزب البين بين" فهو الحزب الذي يضم أطرافا مؤهلة للتعايش مع الغالب كائنا من كان. وهذه أطراف يمكن جرها في الاتجاهين معا. ولقد أثبتت التجارب أنها لئن ظلت مجرورة لمصالح إيران وخياراتها، فإنها قدمت بعض الدلائل بعد انتفاضة الـ14 شهرا، وأنها يمكن أن تستفيد لو مالت قليلا إلى "حزب العراق" لتخدمه بعدما قاد "حزب إيران" البلاد إلى الخراب والإفلاس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة