تركة من "الدم والفساد".. ماذا ترك السراج للدبيبة في ليبيا؟
جرت بالعاصمة الليبية طرابلس، الثلاثاء، مراسم تسليم السلطة بين حكومة فايز السراج المنتهية ولايتها وحكومة الوحدة الوطنية الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وتساءل الليبيون عن ماذا سلم فايز السراج للدبيبة؟ وماذا تسلم المجلس الرئاسي الجديد برئاسة محمد المنفي وحكومة الوحدة الوطنية في مقر الحكم بطريق وطرابلس؟، وما هي تركة السراج بعد نحو 6 أعوام من حكم ليبيا؟
وتجيب" العين الإخبارية في هذا التقرير عن تلك التساؤلات الشائكة التي دفعت ليبيا إلى حافة الهاوية عبر رصد أمثلة على تلك التركة الثقيلة التي أورثها السراح لخليفته عبد الحميد الدبيبة.
تركة ثقيلة
في البداية كان المفترض أن تكون حكومة السراج التي دخلت إلى العاصمة على ظهر فرقاطة عسكرية إيطالية في 30 مارس/ آذار 2016- وفق خبراء- حكومة للتوافق بين الليبيين لمدة لا تتجاوز العام ويجوز مدها إلى عام آخر.
وكان هدف تلك الحكومة التي جاءت من أجله هو توحيد البلاد وإنهاء حالة الانقسام في ليبيا ولم شمل الليبيين عبر مصالحة وطنية.
لكن حكومة السراج لم تسلم السلطة في مارس 2017 أو خلال عام 2028، ومع تماديها في ذلك تم إرغامها على فعل ذلك بتدخل دولي في مارس 2012 الجاري، بعد تسلم حكومة الوحدة الوطنية مهاهما ونيل ثقة البرلمان الليبي، وفقا لمخرجات الحوار السياسي في جنبف.
ويعلق الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، قائلا لـ"العين الإخبارية" إنه :"رغم طول مدة حكومة السراج لـ 5 أعوام أكثر من أي حكومة منتخبة من الشعب مباشرة إلا أنها تركت تركة مثقلة بالدم والدمار أمام الحكومة الجديدة لإخراج البلد من أزمته وتوحيد المؤسسات وتحقيق المصالحة الوطنية والانتخابات العامة".
آلاف المرتزقة والقواعد الأجنبية
وتركت حكومة السراج آلاف المرتزقة الأجانب على الأراضي الليبية والعشرات من القواعد العكسرية الأجنبية.
ويقول محمد الترهوني المحلل السياسي الليبي، إنه "لم يكن ينقص الليبيين الذين عانوا منذ 2011 من حروب وانقسامات وتدهور في الخدمات إلا أن يتم استعمار أراضيهم عسكريا وانتهاك سيادتاه بفعل ممارسات حكومة السراج".
وأضاف :" تمثل ذلك في توقيع السراج في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مع أنقرة مذكرة للتفاهم تم بمقتضاها نشر آلاف المرتزقة على الأراضي الليبية".
وتابع في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه " رغم رفض مجلس النواب الليبي للاتفاقية وانتهاء المهلة المحددة لسحب المرتزقة من ليبيا وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار 23 أكتوبر 2020 في جنيف، ورغم القرارات الأممية إلا أن تركيا لا تزال تراوغ إلى الآن في إخراج المرتزقة وجنودها من البلاد".
وأرسلت أنقرة نحو 20 ألف مرتزق سوري و 10 آلاف متطرف من جنسيات أخرى إلى طرابلس الليبية، كما سيطرت على عدد من القواعد العسكرية والجوية والبحرية في الغرب الليبي أشهرها، قاعدة الوطية، إضافة إلى آلاف المرتزقة الأفارقة الذين يسيطرون عىل مناطق داخل الحدود الجنوبية بحوض مرزق والمثلث الحدودي بين النيجر وتشاد وليبيا.
غياب سلطة القانون
ولم يحترم السراج أي قانون ابتداء بقانون الميزانية وانتهاء بقوانين الانتخابات المحلية، وفقا لما ذكره حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية الليبية السابق عبر حسابه على "فيسبوك".
وتابع الصغير ، قائلا إن السراج صدر ضده ما لا يقل عن خمسين حكما قضائيا لم ينفذ منها حكماً واحدا، ولم يفصل بين السلطات فأصدر قوانين وهي من اختصاص السلطة التشريعية وتدخل في شؤون القضاء وهو سلطة مستقلة.
كما صدرت عدة أحكام قضائية آخرها حكم الدائرة الإدارية بمحكمة الاستئناف في مدينة البيضاء الليبية، يناير/كانون الثاني الماضي، بإلغاء قراري ما يسمى "المجلس الرئاسي" لحكومة الوفاق بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، بالإضافة إلى اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري، إلا ان السراج ضرب بالقرار عرض الحائط، وفق الصغير.
تغول المليشيا
ومن بين ملامح التركة الثقيلة التي تركها فايز السراج لخلفه عبد الحميد الدبيبة ما يتمثل في تغول المليشيات وانتشار الفساد وأزمة كورونا وتدهور الخدمات.
ويقضي الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية 17 ديسمبر 2015 والذي تشكلت بموجبه حكومة السراج، في بنوده "بحل المليشيا تفكيكها ونزع سلاحها وإعادة تأهيل ودمج منتسبيها بشكل فردي في الأجهزة الأمنية، وإخراجها من المدن" إلا أن السراج لم يعمل على أي من ذلك بل تغولت المليشيات في عهده، وفقا لخبراء في تصريحات سابقة.
وخلال فترة حكم السراج سيطرت نحو 35 مليشيا على العاصمة طرابلس وحدها، كما ضمت حكومة السراج عددا كبيرا من الإرهابيين المطلوبين دوليا خاصة للاتجار في البشر أو مهربي الوقود، أبرزهم أحمد الدباشي المعروف بـ"العمو"، ومحمد سالم بحرون المعروف بـ"الفار" ، وعبدالرحمن ميلاد المعروف بـ"البيدجا"، فضلا عن حارق المطارات الإرهابي صلاح بادي، وجميعهم يقودون مليشيات تتبع مباشرة حكومة السراج (الداخلية- الدفاع).
ومن وقت للآخر تعود الاشتباكات والصراعات الدامية بين المليشيات الطامحة إلى السيطرة والنفوذ، ما تسبب في فوضى أمنية كبيرة كان أبرزها ما وصف بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المنتهية ولايته فتحي باشاغا في فبراير/ شباط الماضي.
كما ارتكبت هذه المليشيات العديد من الجرائم في حق المدنيين من استهداف لمطار معيتيقة ومذبحة براك الشاطئ التي خلفت 148 قتيلاً بين مدنيين وعسكريين وتورطت بها قوات تابعة لوزارة دفاع السراج.
كما خلفت وضعا سيئا لحقوق الإنسان من حيث القبض على الهوية والسجون السرية والاتجار في البشر، والتعذيب والخطف والقتل الذي لم يسلم منه لا الصحفيين ولا المسؤولين المحليين أو الأجانب،
وساهم جميع ذلك في ازدياد حالة الانقسام والعداءات بين القبائل والمدن في المنطقة الواحدة، إضافة إلى آلاف المهجرين قسريا من مدن ترهونة وصبراتة وصرمان والعجيلات والعربان وتاورغاء وغيرهم، وفقا لبيانات سابقة من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا.
فساد مدمر
أيضا على صعيد التركة المثقة بدماء الليبين التي خلفها فايز السراج، فهناك الفساد الذي تغلل في المناطق الخاضعة لحكومة الوفاق، والذي طال المجلس الرئاسي نفسه وعدد من الوزراء بل عدد من المسؤولين عن مكافحة الفساد.
ويقول ديوان المحاسبة الليبي، خلال آخر تقرير له عن المخالفات المالية خلال عام 2019، إن المجلس الرئاسي وحده رصد عليه مخالفات بملايين الدينارات الليبية، وطال التقرير جميع الجهات في الدولة وقد اتهمت بالشيء نفسه،
وأوضح الديوان، مثالا عن المخالفات الواردة في تقريره المكون من 900 صفحة أن المجلس الرئاسي أنفق مبلغ 1.127025 دينارا (704 آلاف دولار) على وجبات إعاشة لأفراد حراسة مكلفين بمهام خاصة في أحد الفنادق.
ومؤخرا أصدر النائب العام الليبي حزمة من قرارات الضبط ضد عدد كبير من المسؤولين الليبيين بتهم فساد واستغلال المال العام والتربح، من بينهم مدير مصرف ليبيا الخارجي محمد بن يوسف، ومدير قطاع الاستثمار بالمصرف، الشارف شلبي، وهو صهر فايز السراج، بتهمة إصدار المصرف ما يقرب من 80 مليون دولار، في استثمارات غير مدرجة.
كما طالت الاتهامات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، نعمان الشيخ، والذي اتهم بالتورط في التستر على مسؤولين متهمين بالفساد وحمايتهم، بإخفائه تقريراً صادراً عن لجنة الهيئة بشأن التجاوزات المالية بجهاز الطب العسكري ووزارة الصحة في حكومة السراج.
كورونا والاقتصاد وانهيار الخدمات
كما ترك السراج ليبيا الدولة النفطية الغنية المعفاة من قيود منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بسبب صادراتها البالغة نحو نحو مليون و 300 ألف برميل يوميا، تعاني من انهيار تام في الخدمات الأساسية ، ما دفع آلاف الليبيين للخروج في مئات الوقفات الاحتجاجية من وقت لآخر تنديدا بسوء المعيشة.
ووصل هذا الإهمال إلى قطاع الصحة حيث عانت غالبية المستشفيات والمعامل من نقص حاد في وسائل الوقاية من فيروس كورونا، والأدوات المطلوبة من أجهزة الكشف عن الوباء وغيرهما، وفقا لما أعلنه سابقا بدر الدين النجار، مدير المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا.
وأكد النجار أن ليبيا عانت من انتشار كبير لكورونا دون أن تحصل حتى الآن على جرعة واحدة من اللقاح.
ويبلغ العدد الإجمالي للمصابين بكورونا في ليبيا نحو 147 ألفا و121 شخصا، بينهم 10 آلاف و947 حالة نشطة، وتوفي 2406 شخصًا، ما تسبب في إغلاقات عامة في العديد من المدن.
أما على مستوى الاقتصاد بفترة حكم السراج ، فشهدت البلاد أكبر نسبة تضخم في تاريخها، وأعلى سعر للدولار حيث صل إلى 9 دينار ليبي في مقابل الدولار الأمريكي الواحد، فضلاً عن شح السيولة وازدياد طوابير المواطنين الليبيين أمام المصارف.
ويعاني أكثر من مليون ليبي من ضنك المعيشة ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في ليبيا.
كما يعاني أكثر من 392 ألف ليبي من النزوح داخليا وانتشار 585 ألف مهاجر ولاجئ، وعملية تمويل المساعدات تتطلب 129.8 مليون دولار وما تم تمويله 96.9 مليون دولار فقط بتقدم محرز بلغ 75%.
aXA6IDE4LjExNy45OS4xOTIg جزيرة ام اند امز