الحياة بدون "واي فاي".. تجارب مشجعة لصيام الإنترنت
دراسات تؤكد أن إدمان الإنترنت بات يلغي جميع وسائل التواصل الأخرى بين البشر
في عصرنا هذا بات الهاتف المحمول هو أقرب صديق لغالبية الشباب والمراهقين، فآخر شيء يفعلونه قبل النوم هو النظر في الهاتف وهو أول شيء أيضا يحدث عند الاستيقاظ لفحص صفحاتهم عبر الشبكات الاجتماعية والبريد الإلكتروني ورسائلهم في تطبيق "واتس آب".
ويشعر هؤلاء بالهوس تقريبا للحصول على مزيد من المتابعين و"علامات الإعجاب" وزيارات صفحاتهم، فيما يسمى بـ"فرط الاتصال" بالشبكة العنكبوتية.
في الوقت الحاضر، لا أحد يبدو له غريبا رؤية أشخاص يجلسون على منضدة واحدة لكن لا يتحدثون مع بعضهم البعض، وبات لا يهمهم عدم وجود تواصل أو حتى احترام المرافق؛ لأن الآخر يفعل الأمر نفسه.
وفي غرف الانتظار بعيادات الأطباء يمكن مشاهدة أشخاص غير قادرين على إبعاد أعينهم عن شاشة الهاتف المحمول؛ ونفس الشيء يحدث في صالات الألعاب الرياضية.
ويبدو الهاتف كأنه امتداد أكبر للإنسان لكن لا يعتبر هكذا بالنسبة للجميع؛ لأن هناك من يطلق عليهم "المنفصلون" عن الشبكة العنكبوتية، وهي فئة جديدة قررت الحد من الإدمان التكنولوجي.
فلسفة حياة.. أكثر من موضة:
يتزايد بشكل كبير من ينضمون إلى هذه الطريقة من التفكير وفهم الحياة، وهم ليسوا خارجين عن القاعدة على الإطلاق، بل أشخاص عاديين يتعاطون مع طابع سكان المدينة تتراوح أعمارهم بين 25 و49 عاما من حملة الشهادات الجامعية.
ولا يأمل "المنفصلون" عن الإنترنت الإنغلاق بعيدا عن العالم، لكن على العكس من ذلك تماما، إذ إنهم يراهنون على علاقات وثيقة بشكل أكثر مع أشخاص في الواقع، كما أن ذلك لا ينطوي أيضا على جهلهم بالتكنولوجيا الجديدة، لأنهم يعرفونها بشكل جيد للغاية لكن يرفضون استخدامها على نطاق واسع في حياتهم.
ينقطعون فقط عن الأمور التافهة التي لا تفيد في شيء إنما تمثل إنهاكا للعقل وتسرق أيضا الوقت، رغم أنهم يستخدمون الإنترنت بطريقة ذكية، إذ إنهم يتصفحون الشبكة فقط لرؤية ما يحتاجون إليه حقا.
وقرر إنريك بويج بونيت الانضمام إلى هذا الاتجاه عندما كتب عمله الأخير "الإدمان الكبير، كيف تبقى حيا دون إنترنت وانعزال عن العالم".
وللقيام بذلك، أجرى لقاءات مع أشخاص انقطعوا عن التكنولوجيا لعدة أسباب، وعلى هذا النحو تعرفوا على الحقيقة الأخرى غير الممتعة للإنترنت.
وأوضح الكاتب أنه "في البداية، أقبلنا على الشبكات الاجتماعية دون تفكير. كانوا يتعهدون بأن تصبح بيئة للمساواة التي يجري فيها تبادل الأفكار والرغبات الخالية من الأنانية. لكن أدركنا أن وراء ذلك توجد بنية تحتية تهدف إلى ربطنا وتحقيق الربح. وكانت هذه هي الخطوة الأولى في انعدام الثقة والذهاب إلى ما هو أكبر".
وهكذا، كان الأمر مثل القيام بنظافة الهاتف حتى الوصول في النهاية إلى التوقف عن استخدامه.
وتابع "في البداية كان أمرا صعبا على المحيطين بي، لكن عندما تأكدوا أن الاتصال بي بنفس الفعالية أو أفضل لأن التواصل يكون أفضل، ثمنوا ذلك".
ومنذ ذلك الحين، أكد الكاتب الشاب أن الأداة الوحيدة التي لم يتخل عنها حتى الآن كانت البريد الإلكتروني، إلا أنه يستخدمه فقط من جهاز الكمبيوتر خلال ساعات العمل.
الإنترنت في الجيب:
بات لا يمكن تخيل وجود منزل دون أجهزة كمبيوتر أو هواتف نقالة أو تابليت، لذا الإنترنت أصبح يرافقنا في كل مكان، ويبدو أنه يهيمن على حياتنا.
وأكد بويج بونيت أن الإنترنت "يستعبد الشخص تقريبا دون أن يشعر بذلك أو ما هو أسوأ، وهذا يحدث عندما يكون الإنسان في خدمة الشبكة العنكبوتية وليس العكس".
وأضاف "أنا لا أخضع للإخطارات المستمرة، لأنني أختار متى أرغب في تلقي معلومات، أشعر الآن أكثر بالاسترخاء".
بنقرة بسيطة، يمكن للدولة الوصول إلى المحمول ورسائل البريد الإلكتروني الشخصية وتسيطر على استهلاكنا وتعرف معجبينا وعقيدتنا الدينية وأفكارنا السياسية وأذواقنا الجنسية، بحسب بويج بونيت.
ويبدو الحق الأساسي في حرية الفرد لاغيا عندما يستسلم للشبكات الاجتماعية، لذا في عام 2013 تم التوقيع على بيان ضد المراقبة والتجسس على شبكة الإنترنت. ويطالب مثقفون من أكثر من 80 بلدا الأمم المتحدة بطرح ميثاق دولي للحقوق الرقمية.
لا لـ"واي فاي":
تثير الشبكات الاجتماعية جميع أنواع الأحاسيس. ويكون أولئك الذين يقررون التخلي عن الشبكة العنكبوتية متأثرين جراء الكثير من الفوارق الاجتماعية أو الصدمة من اكتشاف أن ممارسة العنف ضد الأضعف تمضي دون مسائلة.
ويجري ممارسة الرقابة على صور تظهر أمًا ترضع طفلها ولكنها تسمح بأن يقوم شخص غير مرغوب فيه بتعذيب حيوان حتى الموت، أو بعض المراهقين يستهزئون من شخص محتاج، وتثير الحسد أيضا لدى أولئك غير القادرين على تقبل أن يكون الآخرون سعداء.
كما أن هناك حالة تعرف بـ"FOMO" (Fear of Mising Out) وهي الشعور بالإحباط إذا كان الشخص لا يعرف ما يحدث في المجتمع الإلكتروني لكن لا يشعر بالراحة لدى معرفته؛ وهذا يعتبر خوفا اجتماعيا من الإقصاء، ويمثل انقطاع الإنترنت أو افتقاد "واتس اب" دراما بالنسبة لمن يشعرون به.
في المقابل، هناك حركة " JOMO" المستوحاة من كتاب “The Joy of Missing Out” للكاتبة الكندية، كريستينا كروك، الذي يتحدث عن عكس ذلك، وهو السعادة في عدم الانتماء إلى هذا العالم.
وتسلط هذه الحركة الضوء على السعادة التي يفضي إليها فقدان شيء وتسمح بالمتعة بما يتم فعله، وهو الشعور الذي يستمتع به "المنفصلون" عن الشبكة العنكبوتية.
وعلى الرغم من التقدم في مجال الحوسبة تهيمن بشكل متزايد فكرة مفادها أن العطلة لا يمكن أن تكون إذا كان الهاتف مغلقا، لذلك تقدم العديد من الوكالات خططا للاسترخاء الحقيقي. تشمل هذه المبادرة إقامة دون "واي فاي" حيث يجري التمتع بالبيئة بشكل أفضل.
وفي مقابل المدارس العامة التي باتت تعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا، هناك أيضا مدارس حيث تجري الدراسة دون أجهزة كمبيوتر، وهذا هو حال مركز "والدورف" الأمريكي بكاليفورنيا، حيث يدرس عدد كبير من أبناء العاملين في كبرى شركات التكنولوجيا مثل "سيليكون فالي"، لذا فالتعليم بالأسلوب القديم يسعى إلى أن يظهر على أنه من الحداثة.
ويعتبر أولئك الذين يحتاجون التكنولوجيا بشكل تام كـ"مدمنيين" للإنترنت، ودشنت أول عيادة متخصصة لعلاج ذلك في مدينة سياتل بالولايات المتحدة، ولا تعد رسوم الكشف رخيصة.
وفي اليابان، باتوا يدركون ذلك جيدا، لذا ينظمون مخيمات ريفية لمكافحة هذه المشكلة، فيما يسمى ببرامج "الصيام عن الإنترنت".
وفي الحالات القصوى، يتم تشخيص ذلك بأنه مرض يسمى في اليابان "هيكيكوموري" ويعاني منه الشباب الذين يقررون منع أنفسهم عن الخارج ويبقون في غرفهم، متصلين فقط بجهاز الكمبيوتر أو التلفاز أو ألعاب الفيديو.
ويشير بويج بونيت إلى أنه "ليس من قبيل المصادفة أن يكون الشخص الذي صمم الشبكة الاجتماعية الأكثر نجاحا في العالم (فيسبوك)، مارك زوكربيرج، كاد يصاب بمرض التوحد. وإذا استخدمنا الشبكات الاجتماعية كبديل للعلاقات الاجتماعية، فإننا نخاطر بضمور تلك القدرة".
وبالنسبة لـ"للمنفصلين" عن الشبكة العنكبوتية لا يحدث لهم هذا، إذ إنهم يحبون الناس، وبالتالي فإنهم يريدون أن يكونوا على مقربة منهم دوما في الواقع وليس على شاشة الكمبيوتر، ما يعيق التعايش الحقيقي.
وهم أيضا يحلمون بمستقبل تختفي فيه الشعارات من قبيل أن الإنترنت هو الحل لجميع المشكلات، وبدائل مثل تلك التي يفعلون يمكن أن تظهر وتعلو. وفي الوقت الراهن، يتزايد بشكل كبير أتباع هذا التفكير.