هدى بركات لـ"العين الإخبارية": "بريد الليل" تمنح صوتا لمن لا يتكلمون
"بريد الليل" رواية فازت بالبوكر وأثارت صاحبتها الكثير من اللغط حولها بعد كلمة قدمتها أمام لجنة التحكيم
قالت الروائية اللبنانية هدى بركات إن فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" أدخل السعادة إلى قلبها بعد حالة من الخصام مع الجائزة.
وأوضحت في حوارها مع "العين الاخبارية" أسباب هذا الخصام السابق، وكواليس روايتها الفائزة بجائزة البوكر "بريد الليل" التي تتناول حكايات أصحاب هذه الرسائل، وتقاطع مصائرهم في الهجرة والغربة والمنفى.
ما رأيك باللغط الذي صاحب إعلان جائزة "البوكر"؟
لا تعليق. ولا أعتبر هناك لغطا، بل هو أمر مصطنع أو يعبّر عن سوء فهم بسيط ليس إلا، وتم شرحه في المؤتمر الصحفي الذي أعقب توزيع الجائزة. لكنني لست معنية باللغط الذي أثير حول الجائزة، ولا أتابع الموضوع لأنه ليس موضوعي، وغير معنية به.
لماذا كان خصامك لجائزة البوكر؟
كما قلت في كلمتي فإن عدم صعود روايتي "ملكوت هذه الأرض" إلى القائمة القصيرة، أصابتني بخيبة أمل كبيرة وربما مبالغ فيها لأنني عندما رُشحت إلى البوكر مان إنترناشيونال، والتقيت السيد جوناثون تايلر، وسألني: لماذا لم أرشح في البوكر العربية؟. قلتُ له: لن أترشح ثانية. ثم بعد ذلك بسنة، اقترحوا علي أن أرأس لجنة التحكيم، فرفضت، وقلت: أنا لا أحكم على كتابة الآخرين ولا أحب تبوؤ هكذا مواقع. وكنت "زعلانة" من البوكر في وقتها.
هل تحول "الزعل" الآن إلى سعادة بهذه الجائزة؟
في الحقيقة أنا سعيدة بأي جائزة يقدمها لي أي جانب عربي، الحمد لله. أنت تعرف لا ينقصني التكريس، أفرح بهذه الجائزة لأن قارئي عربي رغم التكريمات والدعوات التي تأتي من مؤسسات أجنبية. أريد أن أكون هنا. فالأمكنة الأخرى جميلة لكنها إضافية، لأن جوهر الموضوع هو أنني أكتب باللغة العربية.
ما رأيك في القول بأن روايتك "بريد الليل" لا تعدو أن تكون جزءاً من أدب الرسائل لكنها مكتوبة بطريقة هندسية؟
هي ليست رواية لأدب الرسائل لأن الرسائل لا تصل، ولا نعرف مَنْ كتبها، ولمن هي موجهة، أخذت هذا الأسلوب الذي بات كلاسيكيا، لكني لغّمتُ الرواية بها لأجعلها تأخذ وظيفة أخرى. من المعروف أن أدب الرسائل موجود، لكنني لم أكتب رواية في أدب الرسائل، بل استخدمتُ هذه الوسيلة أو التقنية بشكل موارب.
هل هذه تقنية جديدة في أعمالك؟
نعم. هي جديدة بالنسبة لي، لم أعتمد هذا السياق من قبل. تركيب رواياتي كلاسيكي تقريبا. لهذا السبب، فهي مكثفة لدرجة كبيرة. اشتغلت على تشذيبها وتكثيفها لوقت طويل، بل أعدت كتابتها مرات عديدة. أفترض أن من يكتب هذه الرسائل هو هارب وهو مسرع وهو يركض، ونفسه مقطوع، فلن يستطيع أن يكتب صفحات طويلة وهو في حالة سفر.
كيف خطر على بالك أن تكتبيها بهذه التقنية؟
ــ كانت الرسالة الأولى بداية رواية قائمة بحد ذاتها، وبالنسبة للرواية كتبتها عدة مرات، كنت متأثرة في صيغتها النهائية بأعداد المهجرين والعائلات التي تمشي شهوراً ليجدوا أنفسهم في قوارب مطاطية، ولا أحد يريد استقبالهم في أوروبا أو في غيرها. كان ذلك المشهد يهزني كثيراً. والغرب يعاملهم في مقاربتين، المقاربة الأولى: من قبل بعض جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان ومثيلاتها، كانوا يعتبرونهم ضحايا، أو أن جميعهم أبرياء ويجب استقبالهم. والمقاربة الثانية متعصبة ومتطرفة تسعى إلى إغلاق جميع الأبواب دونهم لأن بينهم إرهابيين تسللوا، ويحملون فكراً يسيء إلى حضارتنا. وأنت تعلم. وفي المقاربتين، ليس هناك اقتراب من هؤلاء الناس. والسؤال هو: من هم هؤلاء الناس ومن أين جاءوا؟ وأنا لا أريد تبرئتهم، هم متورطون أيضاً وهم تربية هذه الأنظمة التي ربما دفعتهم إلى التهجير. تأثرت لحالة هؤلاء الناس وكأنني أردت أن أنصفهم.
هل عبرت هذه الرسائل المتنوعة عن روح الشخصيات في الرواية؟
حرصت على أن تكون الرسالة بلغة مَنْ هو مفترض أن يكون كاتبها، وأن تكون على شيء من التماسك المنطقي، فهي تعبر عن شخصيات الرواية. كان اختلاف النكهات والأفكار لكل رسالة مقصوداً، وحجة للكتابة. وأنا لا أدعي أنني اكتشفتُ الحقائق وأريد أن أوصل أفكارا عظيمة لحل المشاكل البشرية المعقدة، إنها نوع من الشكوى، أو إعطاء صوت لمن لا يتكلمون أو المهمشين والمهجرين، أي حاولت أن أكون لسان حالهم.
هل تعتقدين أن هذه الرواية تعتبر عملاً تجريبياً في أعمالك الروائية؟
كلما كتبت رواية جديدة يقولون هل هذه مرحلة جديدة، وهذا جميل.
أقول ذلك لأنك استخدمت الرسائل في روايتك لأول مرة؟
كما قلت أنا لغّمت الرواية بالرسائل ولم أكتب رواية ضمن أدب الرسائل. وأنا أحاول أن لا أنشر كثيراً، ويفصل بين كل رواية وأخرى خمس أو ست سنوات. لذلك تأتي الرواية الجديدة مختلفة عن السابقات. هناك من يحب الحضور المستمر في الجو الثقافي، وأنا لست منهم.
هل تعتقدين أن عنوان "بريد الليل" موفق للرواية؟
أنا أريد رأيك.
أقول إن في الليل رمزية عالية.
يمثل لي العنوان انسداد الرؤية للحقيقة. إنهم أناس وضعناهم وراء النافذة، وجميع الشخصيات تكتب الرسائل من وراء النافذة، وتجد ليلاً كثيفا، ولا ترى مستقبلاً لها ولا تعرف كيف تنتهي قصصها لأن مصائرها مكسورة، وغير قادرة على لّم تشظيها لكي ترسم مستقبلها، وكأنها تنظر إلى الليل، مع الوحدة والوحشة.
هل يمكن القول إن هذه الشخصيات تعاني من العزلة؟
إنها في لحظة الكتابة تعاني من عزلة عالية، ومن فشل شخصي ذريع، تحاول أن تكذب على نفسها أو على الآخر لتقول إنها تريد النهوض من جديد، ولكننا نرى فيما تكتب كم أن الأفق مسدود.
موقع البوسطجي قديم.. ما دوره في الرواية؟
يعبّر البوسطجي عن التواصل بين البشر، إلا أن هذا العهد قد انتهى. كان التواصل بسيطاً مع ساعي البريد، وهو على دراجته الهوائية، ويحمل حقيبة جلدية، ويوزع الرسائل ويعرف الأهالي. أردت أن أقول إن هذه الوسيلة ماتت، وانتهى التواصل بين البشر رغم ازدياد قنوات التواصل وتطورها، بل هي تغلق الأفق في الوقت ذاته، بحيث أصبح كل فرد وحيد وراء شاشاته. أي أننا لا نتواصل من أجل التعاضد بيننا، بل نتسلى ونملأ أوقات فراغ، لذلك ليس لدي موقع في الفيسبوك، أغلقته بعد يومين، لأنني لست بحاجة إلى تلك المعلومات كما أنه يجبرني على الدخول في حوار غير مجدٍ.
هل من الصعب الجمع بين كتابة الرواية والصحافة التي تعملين فيها طوال حياتك؟
توزعت كثيراً، لكنني لم أعد أعمل في الصحافة.
هل تعملين على رواية جديدة؟
نعم. ما زالت في علم الغيب. يجب أن أعرف أين سأستقر لكتابتها.
هل تقيمين في باريس بشكل منتظم؟
نعم، أنا مستقرة مبدئياً في باريس لكن حين أكون في بيتي، تشغلني أمور العائلة كثيراً. أعتقد حين أذهب إلى استضافة أدبية، أشعر بأنني منصرفة بالكامل إلى هذا التأليف. يعني الكتابة، أنت تعلم، تكتب في نفس أوقات تأمل الكتابة، أي ليس لدي أفكار وأضعها على الورق. لذلك أنا بحاجة إلى تركيز عالٍ وعزلة كبيرة. ليس الأمر سهلاً.