الضربات عن بعد.. عامل حسم باهظ التكلفة في الحروب الحديثة

تفرض الأسلحة بعيدة المدى معادلات جديدة في ساحات الحرب، إذ لم تعد الخطوط الأمامية التقليدية تحدد مجريات القتال.
بل أضحت القدرة على إلحاق الضرر بالخصم من مسافات هائلة هي العامل الحاسم، في مشهد عسكري متشابك يذوب فيه الفاصل بين الهجوم والدفاع.
وقد أدى هذا التحول، وفقا لمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إلى إعادة تعريف مفاهيم السيادة والأمن القومي، حيث لم تعد المسافات الجغرافية تشكل حصناً منيعاً ضد التهديدات المحتملة.
ويقف وراء هذا التحول طفرة تكنولوجية غير مسبوقة شملت أنظمة الاستشعار والدقة وسرعات الصواريخ، حيث أصبحت الأقمار الصناعية المتطورة قادرة على رصد تحركات القوات بدقة عالية، فيما تمكّن أنظمة الملاحة المتقدمة من توجيه الضربات إلى أهداف على بعد آلاف الكيلومترات بأخطاء لا تتجاوز بضعة أمتار.
كما ساهمت أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة وخفض زمن اتخاذ القرار من ساعات إلى ثوانٍ معدودة.
لم يعد هذا التطور حكراً على القوى العظمى، فقد انتقلت تقنيات الضرب الدقيق من دائرة الاحتكار الأمريكي إلى ما يشبه "ديمقراطية الضربات البعيدة"، حيث أصبحت تقنيات الصواريخ متوسطة المدى في متناول العديد من الدول، بل وحتى أطراف من غير الدول.
ووفق المجلة، مكن هذا التحول دولاً مثل إيران وكوريا الشمالية من تطوير قدرات ردع تهدد مصالح القوى التقليدية.
من جهة أخرى، قدمت الحرب في أوكرانيا درساً مهماً حول أولوية "الكم" على "النوعية" في بعض السياقات، حيث أثبتت الذخائر التقليدية وفيرة العدد فاعليتها في مواجهة أنظمة التسليح المتطورة.
وأظهرت المعارك أن القدرة على الحفاظ على وتيرة عالية من إطلاق النيران قد تكون أكثر تأثيراً من امتلاك أسلحة متطورة ولكن محدودة العدد.
استجابة استراتيجية
هذا الواقع دفع واشنطن إلى إعادة النظر في عقيدتها العسكرية، حيث تعمل وزارة الدفاع الأمريكية على تطوير استراتيجية هجينة تجمع بين امتلاك أسلحة متطورة بعيدة المدى وقدرات تقليدية وفيرة العدد.
وتشمل هذه الاستراتيجية برامج لتطوير صواريخ فرط صوتية يمكنها اختراق الدفاعات الحديثة، إلى جانب زيادة الإنتاج من الذخائر التقليدية ذات التكلفة المعقولة.
في المقابل، يواجه انتشار الأسلحة بعيدة المدى تحديات لوجستية ومالية جسيمة، حيث تتطلب هذه الأنظمة بنية تحتية متطورة للصيانة والتخزين، وتدريباً متخصصاً للطواقم، ونظم قيادة وسيطرة متطورة.
كما أن تكلفة إنتاج هذه الأسلحة وصيانتها تشكل عبئاً كبيراً على الميزانيات الدفاعية للدول، مما يفرض خيارات صعبة بين الاستثمار في القدرات الهجومية أو الدفاعية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzcg جزيرة ام اند امز