المناخ الحار على شاشات البورصة.. مؤشرات حمراء بنكهة الخسائر المليارية
يمر العالم خلال شهر يوليو/تموز الجاري بواحد من أكثر الشهور احترارا منذ بدأت سجلات الطقس في منتصف القرن التاسع عشر، وفق ما ذكرته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية، وهو ما كبد اقتصادات العالم خسائر بالمليارات وصلت آثارها إلى شاشات البورصات.
وقالت الإدارة الأمريكية إنه من المرجح أن يكون عام 2023 أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، منذ بدء سجلات الطقس.
وشهد النصف الأول من العام درجات حرارة قياسية، تحديدا في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، بسبب ظاهرة النينيو وآثار تغير المناخ.
والنينيو هو حدث مناخي دوري يحدث عندما يتحول دوران المحيط الهادئ الاستوائي وترتفع درجة حرارته، مما يتسبب في تأثيرات حرارية غير مباشرة في جميع أنحاء العالم.
وفي الأثناء، تتسبب موجات الحر في تأثيرات ضخمة على الاقتصاد والزراعة وصحة الإنسان وتوافر المياه والغابات وأضرار بالبنية التحتية.
درجات حرارة قياسية
حطمت روما الإيطالية أعلى رقم قياسي لها في درجات الحرارة في 18 يوليو/تموز، حيث سجلت 42.9 درجة مئوية.
وشهدت أجزاء من الولايات المتحدة حرارة قياسية، ومرت فينيكس في أريزونا بـ19 يوما على التوالي فوق 43 درجة مئوية.
كما سجلت الصين رقما قياسيا وطنيا جديدا لدرجات الحرارة بلغ 52.2 درجة مئوية.
في الشرق الأوسط، أعلنت المديرية العامة للأرصاد الجوية المغربية وصول درجات الحرارة في بعض المناطق بالبلاد إلى 48 درجة مئوية، وهو نفس الرقم الذي وصلت له مدينة بسكرة في شمال شرق الجزائر.
في مصر، وصلت درجات الحرارة في بعض أجزاء البلاد إلى 45 درجة مئوية، كما شهدت دول الجوار، لبنان وفلسطين، درجات حرارة عالية وصلت لـ44 درجة مئوية.
وفق المركز الوطني للأرصاد بالسعودية، ارتفعت درجات الحرارة بشكل قياسي في 4 مناطق بالمملكة، وتراوحت بين 46 إلى 50 درجة مئوية.
سجلت أعلى درجات حرارة حول العالم، على الإطلاق، في وادي الموت بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، 56 درجة مئوية، ومدينة الأهواز بإيران، 54 درجة مئوية، ومنطقة صحراء مطربة بالكويت، 53.9 درجة مئوية، ومدينة البصرة في العراق، 53.9 درجة مئوية، وبوابة الجزيرة الحدودية في الإمارات، 52 درجة مئوية.
حرائق الغابات
ساهمت درجات الحرارة الشديدة في عام 2023 في اندلاع حرائق الغابات في أماكن عدة، أبرزها كندا وتركيا وكرواتيا وبعض دول البحر الأبيض المتوسط.
تسببت حرائق الغابات في كندا، هذا الصيف، في تدمير 25 مليون فدان، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة البرتغال.
شهدت الجزائر 97 حريقا في 16 ولاية كان أشدها في بجاية والبويرة وجيجل، وأسفرت عن تدمير 288 هكتاراً (الهكتار يعادل 10 كيلومترات) من الغابات عبر عدة ولايات.
كما انتقلت الحرائق إلى تونس المجاورة، ودمرت نحو 470 هكتارا من الغابات في ملولة التابعة لمدينة طبرقة الساحلية، وسط موجة حر "عنيفة" عبر البحر الأبيض المتوسط.
كما تسببت حرائق الغابات المندلعة في اليونان بمناطق رودوس وكورفو وإيفيا، في تدمير 35 ألف هكتار من الغابات، بحسب تقديرات الفرع اليوناني لمنظمة WWF غير الحكومية.
في قبرص، تسببت حرائق الغابات في تدمير حوالي 20 هكتارا من وسط إحدى أطول موجات الحر في تاريخ الجزيرة.
فيما انتشرت الحرائق في 3 ولايات بتركيا، أنطاليا ومانيسا وكهرمان مرعش، وتسببت في تدمير 180 هكتارا في أنطاليا فقط.
كما اشتعلت الحرائق في إيطاليا، بمناطق صقلية وباليرمو وبارتينيكو وميسيلميري وبولونيا وسفالو، وفي كرواتيا بمنطقة دوبروفنيك، وذلك بسبب الرياح القوية ودرجات الحرارة المرتفعة.
100 مليار دولار.. خسائر أمريكا
تسببت موجة الحر الأخيرة في خسائر اقتصادية ضخمة في العديد من دول العالم، وضربت قطاعات الزراعة والسياحة بشكل رئيس.
في الولايات المتحدة الأمريكية، قد تصل الخسائر الاقتصادية لموجة الحر الأخيرة في جميع أنحاء البلاد، إلى 100 مليار دولار، وتؤثر بالفعل على ثلث سكان البلاد، وفقاً لدراسة أجراها المجلس الأطلسي الأمريكي.
ذكرت الدراسة أن قطاعات الزراعة والبناء والخدمات العامة والتعدين، هي الأكثر تضرراً من ارتفاع درجات الحرارة ووصولها لمعدل قياسي بالولايات المتحدة.
كما أدت موجات الحرارة الأخيرة إلى انخفاض كبير في غلات المحاصيل، بما في ذلك الزيتون في إسبانيا والقطن في الصين، فضلاً عن نفوق الماشية في المكسيك.
2 مليار دولار تتكبدها الهند
وقدرت الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات في الهند حتى الآن بنحو ملياري دولار وفقاً لتقرير بنك الدولة الهندي.
واضطرت عدة دول لقطع التيار الكهربائي لساعات يومياً مع ارتفاع الطلب على الطاقة في ظل موجة الحر الشديدة، ما كان له تأثير كبير، لا يمكن حصره، على اقتصادات هذه البلدان.
اضطرت مصر إلى قطع التيار الكهربائي الدوار لتخفيف الأحمال لأول مرة منذ عدة سنوات وسط ارتفاع الطلب على الكهرباء لتشغيل مكيفات الهواء.
عانت الجزائر من انقطاع الكهرباء والماء لمدة أسبوعين مع اشتداد الحرارة، ونفاد الصنابير في العديد من المدن.
أدت موجة الحر في قطاع غزة إلى تفاقم انقطاع التيار الكهربائي وأثارت دعوات للاحتجاجات من قبل السكان الذين يفتقرون إلى الكهرباء للتبريد.
صيف حار يكدر السياح
تركت موجة الحر بصمتها أيضاً على قطاع السياحة العالمي، مع مخاوف من أن حرارة الصيف الشديدة ستبعد السياح عن أشهر الأماكن السياحية العالمية في إسبانيا وإيطاليا ومصر وتركيا واليونان.
اضطرت السلطات اليونانية بالفعل إلى إخلاء آلاف السائحين من فنادقهم، حيث نقلت ما يقدر بنحو 10 آلاف سائح بأمان إلى الجزء الشمالي من جزيرة رودس اليونانية، بعدما اجتاحتها حرائق برية كبيرة.
انخفضت أسهم عدد من شركات الطيران ومنظمي الرحلات السياحية في الاتحاد الأوروبي، بعد أن ألغت شركات أوروبية رحلات الطيران إلى جزيرة رودوس اليونانية المنكوبة بالحرائق.
كما أجبرت درجات الحرارة الشديدة شركات الطيران والمطارات حول العالم على تقليل أحمال الوقود، أو التخلص من الركاب أو الأمتعة، أو إلغاء رحلات النهار والانتظار للمساء حتى تنخفض درجات الحرارة.
أخرت شركة Allegiant Airlines، ومقرها لاس فيجاس، الرحلات الجوية بداعي الظروف الجوية التي قد تهدد سلامة الركاب.
كما أجبر مطار باليرمو في جزيرة صقلية الإيطالية على الإغلاق مؤقتاً بسبب حرائق الغابات القريبة.
شهدت شركات الطيران بشكل عام خسائر كبيرة بسبب موجة الحر، حيث تراجع سهم شركة النقل البريطانية EasyJet بنسبة 4.7%، فيما انخفض سهم الخطوط الجوية البريطانية بنسبة 1.7%، وهبط مشغل الرحلات السياحية Jet2 بنسبة 4.3%، في حين تراجع سهم TUI الألمانية، وهي أكبر مجموعة سفر في الاتحاد الأوروبي، بنسبة 3.6%.
وفيات الحر والفيضانات
تتسبب موجات الحرارة الشديدة التي تؤججها أزمة المناخ في وفاة الأشخاص بجميع أنحاء العالم.
رغم أنه لا يوجد حصر حتى الآن لعدد الوفيات الناجمة عن الحرارة خلال هذا العام، إلا أن الأرقام المعلنة من بعض الدول بشكل فردي تدق ناقوس الخطر.
لقي 25 شخصًا حتفهم في ولاية أريزونا بالولايات المتحدة بسبب الحرارة، و249 حالة وفاة أخرى قيد التحقيق للتأكد من أن وفاتهم ناجمة عن موجة الحر.
كما توفي 659 شخصًا مسنًا في إسبانيا، بين 8 يوليو/تموز و17 يوليو/تموز بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وبين 21 يونيو/حزيران و8 يوليو/تموز تم تسجيل 309 وفيات زائدة، ليصبح المجموع 963، وفقاً لمعهد كارلوس الثالث الصحي.
في ألمانيا، قدر معهد روبرت كوخ أن ما لا يقل عن 830 حالة وفاة مفرطة مرتبطة بالحرارة حدثت في البلاد بين 10 أبريل/نيسان و9 يوليو/تموز.
مات أيضاً ما لا يقل عن ستة رجال في إيطاليا، منذ 11 يوليو/تموز، بعد انهيارهم أثناء العمل بسبب الحرارة الشديدة.
فيما لقي أكثر من 40 شخصاً حتفهم في حرائق الغابات في 7 دول تطل على البحر الأبيض المتوسط، معظمهم في الجزائر، التي شهدت مقتل 34 شخصاً على الأقل بينهم عشرة عسكريين، بسبب الحرائق في شمال شرق البلاد، وفق وزارة الداخلية الجزائرية.
قتل أيضاً أكثر من 100 شخص بسبب الفيضانات في الهند وما لا يقل عن 12 شخصاً قتلوا في فيضانات في كوريا الجنوبية.
كما ضربت الأمطار الغزيرة مناطق وسط وجنوب كوريا الجنوبية منذ الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل 46 شخصاً وفقدان أربعة، نتيجة الانهيارات الأرضية والسيول، والتي دمرت أيضاً مئات المنازل و30 ألف هكتار من الأراضي الزراعية وقتل 700 ألف من الماشية.