إن للمفاهيم الدينية، سلطاناً طاغياً على النفوس، فإذا كانت محرّفة حولت صاحبها وقوداً لنار الإرهاب، وليست العلة في المفهوم، ولكنها في قراءة المفهوم
خلصت دراسة لدار الإفتاء المصرية إلى أن الولاء والبراء يعد قاعدة محورية في خطاب التكفير، وإنتاج 90 بالمئة من فتاوى تحريم التعامل مع المسيحيين، يأتي ذلك عقب تفجيرات في كنيستين في طنطا والإسكندرية، أسقطت 45 ضحية، فيما قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب: إن الإرهاب مرض فكري ونفسي، وليس إفرازاً لدين سماوي، ومع تأييدي لفضيلته، فإن ما سميت بعقيدة الولاء والبراء، كانت وراء تضليل أجيال من الشباب المسلم، لاعتناق فكر داعش، فما هي عقيدة الولاء والبراء؟
الولاء والبراء من ضمن المفاهيم الدينية العديدة، التي جرى تحريفها، كالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرمة التشبه بالكفار، وكل بدعة ضلالة، ومجتمعاتنا تعيش اليوم، عصر انتشار المفاهيم المحرفة، وطغيانها على عقول قطاع كبير من الشباب المسلم، إن للمفاهيم الدينية، سلطاناً طاغياً على النفوس، فإذا كانت محرّفة حولت صاحبها وقوداً لنار الإرهاب، بطبيعة الحال فليست العلة في المفهوم، ولكنها في قراءة المفهوم، وأزمة المسلم المعاصر، اليوم، مع العالم، تكمن أساساً في هذه المفاهيم الدينية الخاطئة التي تستولي على عقله ووجدانه، فيعيش متوتراً مع نفسه ومجتمعه ومع الآخر الداخلي والخارجي، لا يستطيع الاندماج في مجتمعات الغرب، نتيجة شحنه بمشاعر الكراهية، انقياداً لقراءة خاطئة لمفهوم الولاء والبراء! فما أصل هذا المفهوم؟ وما هي الموالاة المحرمة؟
يرجع أصل مفهوم الولاء والبراء إلى آيتين كريمتين: الأولى: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم، أن تؤمنوا بالله ربكم) نزلت هذه الآية في الصحابي حاطب بن أبي بلتعة، كتب سراً إلى الأعداء في مكة يخبرهم بأن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، يتجهز لحربهم، وكشف المولى تعالى أمره للرسول فقبضوا على المرأة المرسلة، فنزلت الآية تحرم اتخاذ الأعداء أولياء، وهذا أمر طبيعي لا يمكن لأحد أن يعترض عليه، لأنه متفق مع الطبيعة البشرية، وعلاقة الناس الطبيعية بعضهم ببعض، وعند جميع الشعوب، وحتى في زماننا، فإن من يوالي العدو أثناء الحرب وينقل الأسرار الحربية، يرتكب جريمة عظمى. الآية الثانية (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وهذه الآية نزلت في عبدالله بن سلول، رأس المنافقين، الذي وعد اليهود بالمعاونة ضد المسلمين ونقل إليهم أسرار المسلمين.
إن للمفاهيم الدينية، سلطاناً طاغياً على النفوس، فإذا كانت محرّفة حولت صاحبها وقوداً لنار الإرهاب، وليست العلة في المفهوم، ولكنها في قراءة المفهوم
واضح إذن أن الآيتين، نزلتا في أجواء حرب بين المسلمين وأعدائهم، فمن الطبيعي أن يحرص القرآن الكريم على تحصين الجبهة الداخلية من أي اختراق، فما علاقة الآيتين بما يروج له بعض الدعاة، من وجوب كراهية غير المسلم؟! عجباً لمن جعل ديناً، بعث رسوله رحمة للعالمين، إلى دين كراهية، وجعلوا الكراهية جزءاً من عقيدة المسلم! وقالوا: على المسلم أن يحسن معاملة غير المسلم، لكن يجب عليه أن يضمر كراهيته في قلبه! سبحان الله تعالى! كيف إذن أباح الإسلام الزواج من كتابية؟ هل أعاشرها وأنا لها كاره، وأتظاهر بمودتها؟! وكيف تستقيم الكراهية مع العشرة الزوجية المبنية على المودة والرحمة وجعل بينكم مودة ورحمة؟! وكيف نكرههم، وقد قال المولى تعالى فيهم (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالوا إنَّا نصارى) فهل من خلق المسلم، كراهية من يوده؟!
ختاماً: فتاوى دعاة الكراهية، هدر بعد أن حسم كتاب الإسلام القضية (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) فغير المسلم صنفان: مسالم للمسلمين، فهذا لا حرج في موالاته ومودته، ومعادٍ للمسلمين فهذا يجب التبرؤ منه وعدم موالاته، وعلى المناهج التعليمية إعادة صياغة الولاء والبراء وفق خطاب إسلامي متصالح مع العالم، حماية لأبنائنا.
نقلاً عن "الوطن" القطرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة