قبل أيام، أصدرت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، وهي نادٍ للدول الأوروبية الغنية في معظمها، تقريرها السنوي عن المساعدات الإنمائية الرسمية عبر العالم لعام 2016
قبل أيام، أصدرت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، وهي نادٍ للدول الأوروبية الغنية في معظمها، تقريرها السنوي عن المساعدات الإنمائية الرسمية عبر العالم لعام 2016، وقد تصدّرت دولة الإمارات العربية المتحدة دول العالم من حيث المساعدات المقدّمة قياساً إلى الدخل القومي للدولة. وفي منطقة اعتادت تصدير الأخبار السيئة، فإن الإنجاز الإماراتي ربما يخفف شيئاً ما من التشوهات التي أصابت صورة الدول العربية والشرق الأوسط، وهو يكتسب أهمية أكبر مع ارتباط العالم العربي بأشكال من العنف الذي يبلغ حد الوحشية، والصراع الذي لا يعرف للانتقام حدوداً أو قيوداً، ومن هنا فإن الإنجاز الإماراتي المشرق في ساحة العطاء الإنساني ليس مهماً لدولة الإمارات وحدها، أو لدول الخليج، بل للمنطقة العربية قاطبة. ليس هذا السبق الأول من نوعه، فقد أحرزت الإمارات المركز الأول أيضاً في التقرير نفسه عامي 2013 و2014، ولا يمكن اعتبار الأمر مفاجأة أو تطوراً خارجاً عن المألوف، لكن ما دفعني إلى الكتابة عنه هو التصدّي لمحاولات خبيثة للإساءة إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والتحالف العربي الذي قاد عمليات «عاصفة الحزم» و «إعادة الأمل»،
والتشكيك في نواياهما، وإطلاق سحابات سوداء من الأكاذيب التي تروّجها بدأب وإصرار وكثافة آلات دعائية مغرضة، والإيحاء بتنوع المصادر وتعدُّدها فيما يكون مصدرها واحداً في الحقيقة، وهو عصابات «الإخوان المسلمين» التي تقف وراء الاضطراب والفوضى العارمين في المنطقة، ولا يقل دورها التخريبي عن دور إيران. والطرفان يتكاملان ويتعاونان لتحقيق الأهداف نفسها، وإن أبديا عداءً ظاهراً لا يخفي اتفاقهما على تدمير الدول العربية من طريق اختراقها من الداخل. لم أكن لأهتم أيضاً بالكذب المفضوح لـ «الإخوان المسلمين» وتابعيهم لولا أن أي دارس أو ممارس للإعلام يعرف أن أسلوب الدعاية النازية الشهير الذي قاده غوبلز قادر على تحقيق أهدافه أحياناً، وهو يتلخص في الكذب المتواصل والإلحاح على تكراره ليل نهار حتى يصدّقه الجمهور، وحتى يصدّقه من أطلق الكذبة في نهاية الأمر. و «الإخوان المسلمون» أكثر من يطبّق هذا الدرس النازي بحذافيره. وقد اختار «الإخوان المسلمون» قبل أسبوعين تقريباً موضوع المساعدات الإنسانية الإماراتية لينسجوا حوله إحدى أكاذيبهم التي أفرطوا في الترويج لها، فقد انتشر كالوباء خبر اختلقته الآلة الدعائية للجماعة المخرِّبة مفاده بأن المساعدات الإماراتية المُقدَّمة إلى جزيرة سقطرى اليمنية هي غطاء للسيطرة عليها أو «احتلالها» من جانب الإمارات. وسأورد في مقالي بعض الحقائق التي تكشف مدى تهافت هذا الاتهام. أولى الحقائق أن المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الإمارات العربية المتحدة ليست وليدة اليوم ولم تُستحدث خلال السنوات الماضية، بل تعود إلى قيام الإمارات عام 1971، وحتى إلى ما قبل قيام الدولة، فقد أنشئ «صندوق أبو ظبي للتنمية» قبل إعلان الاتحاد ليكون تقديم المساعدات التنموية عملاً مؤسسياً، وهذا هو إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. واسم «زايد الخير» الذي يُجمع عليه كل العرب، لم يكن من فراغ. وحين تقدّم الإمارات المساعدات اليوم، وخلال السنوات القادمة أيضاً، فإنها تواصل نهجاً التزمته ما يقرب من خمسة عقود. والمركز الأول الذي احتلته الإمارات في تقرير «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» واحد من ثمار جهود إماراتية لم تنقطع يوماً. من الحقائق أيضاً، أن دولة الإمارات قدمت منذ إنشائها وحتى عام 2015، ما يقارب 173 بليون درهم، وهو مبلغ بالغ الضخامة بالنسبة إلى دولة بحجم الإمارات، كانت في طور البناء لسنوات طويلة، لكنها لم تبخل بخيرها على الجميع. وقد وصلت مساعدات الإمارات إلى 178 دولة حول العالم، أي إلى كل دول العالم تقريباً، ولم تفرق بين إنسان وآخر بسبب لون أو جنس أو دين، بل كانت تُقدَّم لاعتبارات إنسانية خالصة. ولو كان للمساعدات هدف سياسي لتركزت في مجموعة من الدول وفقاً للمصالح، وهذا ما تُكذبه الإحصاءات والبيانات الموثوق بها،
والموجودة في تقارير عالمية معتبرة. وفي السياق نفسه، فإن تقرير «منظمة التعاون الدولي والتنمية» يفيد بأن نحو 54 في المئة من مساعدات الإمارات عام 2016 ذهبت إلى أفريقيا، وتبلغ قيمتها 8.95 بليون درهم. ويمكن لكل ذي عينين وقلب سليم أن يدرك من هذه النسبة أن المساعدات الإماراتية تتجه إلى حيث يكون الفقر والبؤس والظروف المعيشية الصعبة، وحيث يكون الناس أحوج إلى من يمد لهم يد المساعدة. ولو كان للمصالح السياسية أي اعتبار لاتجهت المساعدات إلى مناطق غير أفريقيا. في اليمن نفسه، لم تكن المساعدات الإماراتية بالأمر الطارئ، فقبل 35 عاماً تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تمويل بناء سد مأرب، لتكون المساعدات ذات مردود مستدام، ولم تنقطع مساعدات الإمارات لليمن يوماً، ولم ترتبط بوقت أو ظرف. ففي عام 2014،
وقبل أن يبدأ التحالف العربي عملية «عاصفة الحزم» لإنقاذ اليمن من الحوثيين، كانت المساعدات الإماراتية تتدفّق إلى اليمن، إذ وصل حجم المساعدات في الأشهر العشرة الأولى من عام 2014 نحو 1.3 بليون درهم، فهل كانت هناك خطط لـ «الاحتلال» وقتذاك؟ وهل كانت موجودة عندما تكفّل زايد الخير، طيب الله ثراه، بإنشاء سد مأرب؟ ألم يقرأ من احترفوا الكذب من «الإخوان المسلمين» وذيولهم أن مؤسسة «الهلال الأحمر الإماراتي»، وهي واحدة من مؤسسات خيرية متعددة في الدولة، تنفّذ منذ عام 1986 برنامج «كفالة اليتيم» الذي يكفل أيتاماً في 28 دولة معظمها في قلب أفريقيا وآسيا، وتزيد كلفة رعاية الأيتام حتى عام 2015 عن 1.2 بليون درهم، وقد وصل عدد من استفادوا من البرنامج إلى 104 آلاف يتيم؟ ليست هناك دولة عربية أو إسلامية، بالمعنى الحرفي، لم تصلها مساعدات الإمارات. وليس مصادفة أن تعلن دولة الإمارات مبادرة «عام الخير 2017»، فمعنى الخير متأصل فيها، ولا يكاد يمر شهر حتى تنطلق من دولة الإمارات واحدة من مبادرات الخير التي تمدّ يد المساعدة والعطاء إلى بلد أو آخر في العالم. ولا تكاد نازلة من النوازل أو كارثة طبيعية أو حادثة تقع في بلد من البلدان، حتى تصل إليه يد الخير الإماراتية توفر الغذاء والكساء والدواء والمأوى، وتخفف آلام الحرمان والفقر، وينطلق متطوعون إماراتيون إلى بلدان قد لا تربطها بالإمارات علاقات ديبلوماسية، من أجل أداء رسالة الخير التي نذروا أنفسهم لها. أراد الله تعالى لأكاذيب «الإخوان المسلمين» أن تندحر أمام تقرير «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، وأمام حملة إغاثية جديدة أطلقها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وتولى تنفيذها الهلال الأحمر الإماراتي، وتنادى فيها الإماراتيون إلى التبرُّع من أجل إخوانهم في الصومال الذي ضربته الشقاقات والصراعات والحروب منذ ثلاثة عقود ونصف، ودفع الأبرياء من مواطنيها ثمناً باهظاً ومؤلماً طوال تلك السنوات. العمل الخيري أمر ينسجم مع تاريخ الإمارات وشخصيتها وسجلها الإنساني الطويل، ومع رؤيتها للتنمية والتطوير، وها هي قد أطلقت منذ أيام «البرنامج الوطني للفضاء» لتؤكد أن الإنسان العربي قادر على العمل في أصعب الظروف، وأن الأوضاع المضطربة من حولها لم تحُل دون تحقيق أهدافها الطموحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة