آخر الدراسات العلمية المتعلقة بظاهرة (الإرهاب) تنحى إلى أن الدوافع التي تدفع بعض السلمين إلى التشدد والغلو ثم (التأسلم السياسي) المنهجي
آخر الدراسات العلمية المتعلقة بظاهرة (الإرهاب) تنحى إلى أن الدوافع التي تدفع بعض السلمين إلى التشدد والغلو ثم (التأسلم السياسي) المنهجي، وفي النهاية (الإرهاب), هو المرض النفسي المسمى (الاكتئاب والقلق)، حيث يجد الشخص المضطرب نفسياً ملجأ له مما يكتنفه من ضيقة وقلق، فيلجأ إليه، ويغرق في فقهياته، وشيئاً فشيئاً يذهب بعيداً في سلوكياته العنيفة التي يجد فيها -دون أن يعي- طمأنينة وراحة وخلاصاً من براكين نفسية مرضية تعتلج في أعماقه.
علماء نفسيون فرنسيون رصدوا وتتبعوا ملفات مجموعة من الشباب الأوروبي المسلم، الذين التحقوا بداعش والنصرة في سوريا، فوجدوا أن العامل المشترك الرئيس بينهم هو القلق والاضطراب النفسي، ولكي يتخلصوا من ضغوطاته ذهبوا إلى التطرف، بعد أن وجدوا تناول المخدرات، أو الإغراق في شرب الكحوليات لم يجد نفعاً؛ خاصة إذا ما واكب الاكتئاب الفقر والفشل الحياتي في الاندماج بمجتمعاتهم وضيق ذات اليد، وكذلك النظرة الدونية من قبل محيطهم الاجتماعي الصغير - (الأسرة) - أو الكبير - (المجتمع الذي يعيشون فيه) -، وكانوا قبل أن يكتشفوا متنفس (التأسلم السياسي) ينحون إلى لوم مجتمعهم (العنصري)، وليس إلى عدم قدرتهم إلى التفاعل الإيجابي معه؛ وما إن اكتشفوا التأسلم السياسي، الذي أفرز الحركات الإرهابية العنفية، حتى انخرطوا في دهاليزه، ثم شدوا رحالهم إلى حيث يُمكن لهم أن يجدوا أقراناً لهم، لينتقموا كمجموعات من مجتمعهم، بالنكاية به، وهز أمنه.
هذا التحليل أجده في رأيي موضوعياً إلى درجة كبيرة.. وهذا -طبعاً- لا يعني أن كل متأسلم مسيّس هو بالضرورة مصاب بعلة نفسية في البدء، ولكن أجزم أن كل متأسلم سياسي يُقدم على الانتحار، أو كما يسميه القرضاوي (الاستشهاد)، كان في البدء قطعاً مضطرباً نفسياً، ثم وجد في الانتحار، وفي الخرافات التي تكتنف هذ الفعل الإجرامي، دافعاً ومبرراً دينياً؛ فاستحوذت على عقله الباطن دون أن يعي، ليقتل نفسه، ويقتل معه أبرياء.
ارتباط التأسلم السياسي العنيف بالاكتئاب ارتباط معقول ومنطقي، خاصة وأن هناك عدة أعراض تجدها في المتأسلم السياسي كما تجدها -أيضاً- في الإنسان المكتئب، مثل الانسحاب من مجتمعه الصغير ومجتمعه الكبير، ومثل كراهيته للآخرين وبغضهم دونما سبب وجيه، وسرعة الغضب والانفعال عند أبسط الأمور، وفقدان الرغبة في ملذات الدنيا، وكثرة التفكير، وتقلبات المزاج الحادة، وشكوكه في استقامة من حوله لأتفه الأسباب، وعدم الثقة في غالبيتهم. كل هذه الأعراض يعاني منها المكتئب مثلما يعاني منها الإرهابي، لذلك فإن علاج ظاهرة التأسلم السياسي المفضية للعنف وكراهية الآخر وبالتالي الإرهاب، يجب قراءتها والتعامل معها من منطلقات نفسية، وليس فقط دينية.. فالإرهابي مهما جادلته، وبيّنت له الإسلام القويم، لن يعبأ بك، وسيجد ما يقوله للرد عليك، ليس -طبعاً- من منطلقات منطقية، وإنما من منطلقات رغبوية، لأنه وجد في الإرهاب تنفيساً وخلاصاً مما يعاني منه من ضيق واكتئاب وقلق.. أضف إلى كل ذلك أن الإقدام على الانتحار في النهاية هو أهم المشتركات بين المكتئب والمتأسلم الإرهابي.
بقي أن أقول إن التعامل مع المتأسلمين المتشددين على أساس أنهم مرضى نفسيون، وليس من كونهم (إخواننا بغوا علينا) كما يحاول أن يبرر أحد الوعاظ البسطاء، سيُغير تناولنا لظاهرة الإرهاب برمتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة