مهمة ضد الفيزياء.. لولا وبايدن يعيدان "التيار" لحلف برازيليا-واشنطن
في الفيزياء، تتنافر الأقطاب المتشابهة والعكس صحيح، لكن هذه القاعدة لا تنسحب على مضمار السياسة، خاصة العلاقات الأمريكية البرازيلية.
فالقاعدة في هذه العلاقات الثنائية هي العكس تماما: الأقطاب المتشابهة تتجاذب، فالرئيسان السابقان دونالد ترامب وجاير بولسونارو تشابها فتحالفا، ثم توترت العلاقات عندما وصل جو بايدن للسلطة في يناير/كانون الثاني 2021.
التوتر الذي دام عامين كاملين تراجع بشكل حاد مع وصول الرئيس اليساري لولا دا سيلفا الذي دعمه بايدن بشدة في الحملة الدعائية، إلى سدة السلطة في البرازيل.
واليوم الخميس، يصل لولا دا سيلفا إلى واشنطن لترميم العلاقات التي توترت بشدة مع واشنطن في عهد بولسونارو، إذ من المقرر أن يلتقي نظيره الأمريكي البيت الأبيض بعد ظهر غد الجمعة.
أجندة الزيارة
وقال المسؤول في قسم أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي في وزارة الخارجية البرازيلية ميشال أرسلنيان نيتو، قبل يومين: "ما يجب تذكّره من هذه الزيارة هو طابعها السياسي ورمزية أنها تأتي في بداية ولاية الرئيس لولا".
وأضاف قائلا "إنها فرصة للمسؤولَين.. لإعطاء زخم وتوجيه (جديد) للعلاقة"، متحدثا عن "أجندة زيارات متبادلة" متوقعة.
بدوره، قال البيت الأبيض إن الرئيسَين سيبحثان "الدعم الأمريكي الثابت للديمقراطية في البرازيل" و"التحديات المشتركة" مثل "التغير المناخي والأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية وتعزيز السلام والأمن وحركات الهجرة الإقليمية".
لكن الأهداف تبدو أكبر من المعلن، وفق الخبيرة في الشؤون الأمريكية في مؤسسة أرماندو ألفاريس بنتيدو في ساو باولو، فرناندا مانيوتا، التي قالت إن لولا يريد "إعادة التأكيد على الشراكة الاستراتيجية" مع الولايات المتحدة و"تنشيط التعاون في المجالات الرئيسية".
كما يريد الرئيس البرازيلي "تعزيز التحالف بشأن القضايا الحساسة في الوقت الراهن للرئيسين: البيئة والدفاع عن الديمقراطية"، إذ تأتي الزيارة بعد أسابيع فقط من تنصيب لولا، واقتحام أكثر من أربعة آلاف من أنصار الرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو، مقرات مهمة في برازيليا، ما أحدث هزّة للديمقراطية.
يناير يرسم تشابها
أحداث برازيليا ذكّرت بأحداث السادس من يناير/كانون الثاني 2021، حين اقتحم مناصرون للرئيس الأمريكي الجمهوري السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول، رفضا لهزيمته في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الديمقراطي جو بايدن، ما رسم تشابها من نوع خاص بين الأخير ولولا دا سيلفا.
وفي هذا الإطار، قال الخبير السياسي غييرمي كاسارويس لوكالة "فرانس برس": "إحدى نقاط التقارب الرئيسية بين إدارتَي بايدن ولولا (...) هي محاربة تطرف اليمين المتطرف الذي تمثله البولسونارية في البرازيل والترامبية في الولايات المتحدة، وهما حركتان شقيقتان".
وكان الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو المقيم حاليًا في ولاية فلوريدا الأمريكية، وهو ما يُتوقّع ألّا يتطرّق إليه لولا وبايدن، وفق الرئاسة البرازيلية، من آخر المسؤولين الذين هنّأوا الرئيس الأمريكي بايدن لدى فوزه بالانتخابات. وكانت العلاقات بينهما فاترة.
لكن لم يكن الأمر كذلك في عهد ترامب، الذي تٌرجم إعجاب بولسونارو به بتحالف تام بين برازيليا وواشنطن وبتقليد أسلوبه في الحكم.
ملف البيئة
المناقشات المتوقعة بين لولا وبايدن لن تقف عند السياسة وتشابه الخط الفكري، إذ لفت كاسارويس إلى أن أحد الملفات الكبيرة الأخرى المشتركة هو الملف البيئي، "خصوصًا على صعيد صون الأمازون والتأثير على التغير المناخي".
ومضى موضحا "إنه أولوية مطلقة" بالنسبة للولا، "وبوجود فريق كفء على المستوى التقني، كل شيء يشير إلى أنه سينجح في مطابقة الأجندة البرازيلية مع التوقعات الأمريكية" في الملف البيئي.
وتسارعت إزالة الغابات في منطقة الأمازون بنسبة 60% في كلّ عام من سنوات حكم بولسونارو (2019-2022). أمّا لولا فوعد بوقف إزالة الغابات حتى عام 2030 في أكبر غابة استوائية في العالم، وهو أمر بالغ الأهمية للسيطرة على مناخ الكوكب.
واعتبر السفير البرازيلي السابق لدى الولايات المتحدة روبنز باربوسا أنه "لا يوجد أي بديل.. سيتعين على لولا أن ينجح في معركته ضد الأنشطة غير القانونية في منطقة الأمازون، مثل إزالة الغابات واستخراج الذهب".
فيما كتب الخبير الأمريكي نايغل بوفريس في مجلة نيوزويك الأمريكية أنه "عندما يأتي الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى واشنطن ستتاح للرئيس جو بايدن الفرصة لإقامة شراكة تاريخية لإنهاء إزالة الغابات في منطقة الأمازون".
لكنه قال بوضوح "لتحقيق النجاح في هذا الملف سيحتاج بايدن إلى حشد القوة الكاملة للحكومة والاقتصاد الأمريكي"، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في المجلة الأمريكية.
ضغط من أجل الاقتصاد
الزيارة من المنتظر أن تشمل أيضا مساحة كبيرة للحوار حول زيادة التبادلات التجارية والاستثمارات الثنائية، وعمليات نقل التكنولوجيا واتفاقيات التعاون العلمي، وفق مراقبين.
وفي هذا المحور، كتبت صحيفة ذا هيل الأمريكية "بالنسبة لمجتمع الأعمال في الولايات المتحدة ليس هناك شك في أن البرازيل فرصة لا تضيع".
وتابعت: "يعمل التباطؤ الاقتصادي العالمي والتوترات الجيوسياسية على تغيير كيفية ومكان حصول الناس في جميع أنحاء العالم على طعامهم وطاقتهم وغيرها من الضروريات".
ومضت قائلة "البرازيل والولايات المتحدة في وضع جيد للعمل معًا لإحداث فرق مؤثر.. يجب على واشنطن أن تمد يدها وتقترح أهدافًا أكثر جرأة لشراكتنا الاقتصادية".
وأوضحت "لا يمكننا توقع حدوث تزايد في العلاقات الاقتصادية دون اتخاذ إجراءات حاسمة وشراكة بين البرازيل والولايات المتحدة بالتشاور مع القطاع الخاص".
وتابعت "لسنا وحدنا من يسعى للتعرف على الفرص المتاحة في البرازيل، تتحرك البلدان الأخرى بسرعة للاستفادة من المرحلة الانتقالية في البرازيل وإقامة علاقات أوثق.. طلب الاتحاد الأوروبي بالفعل من الرئيس لولا تحديث التزامات الاستدامة لاتفاقية التجارة المبرمة مؤخرا بين الطرفين، لتحسين احتمالات الموافقة عليها من قبل البرلمان الأوروبي".
تباين حول الصين وروسيا
لكن الأمر لا يخلو من تباينات في المواقف، إذ لا يسعى لولا لتطبيع العلاقات مع فنزويلا التي تملك علاقات متوترة مع واشنطن، فضلا عن امتلاكه موقفا مختلفا في ملفي أوكرانيا والصين.
وبشأن الحرب في أوكرانيا مثلًا، نددت البرازيل بالهجوم الروسي أمام الأمم المتحدة، لكنها لم تفرض عقوبات اقتصادية على موسكو ولن ترسل ذخيرة لكييف.
وعلى عكس الولايات المتحدة، لا تعتبر برازيليا أن الصين تشكّل تهديدًا ولا روسيا. وهذه الدول الثلاث أعضاء في مجموعة "بريكس" التي تضم أيضا جنوب أفريقيا والهند.
بل إن الصين هي الشريك التجاري الأول للبرازيل: 152,6 مليار دولار في عام 2022، متقدمة بفارق كبير على الولايات المتحدة (88,8 مليار دولار أمريكي).
وذكّر السفير السابق باربوسا بأن القوة الاقتصادية الأولى في أمريكا اللاتينية "تعتمد كثيرًا على آسيا خصوصًا على الصين من أجل التجارة والاستثمارات".
فيما اعتبر الخبير السياسي كاسارويس أن على لولا، أثناء إعادة العلاقات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة، أن يعود إلى عهد السياسة "المتوازنة" للبرازيل التي "تتمتع بعلاقات بناءة مع جميع الدول دون أن تنحاز إلى أي قوة".
aXA6IDMuMTMzLjE1Mi4yNiA= جزيرة ام اند امز