إيمانويل ماكرون.. حامل مشعل الأمل ضد "نحس الإليزيه"
"حياة أشبه بألبوم صور متعدد الألون.. صعود سياسي سريع وكبير.. نأي بالذات عن أي تصنيف سياسي واضح.. قيادة وسط أمواج متلاحقة"
4 عبارات تصف مسيرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على المستويين الشخصي والسياسي، وترسم ملامح شخصية استثنائية وقادرة على كسر أكثر التابهوهات قوة وثباتا.
ويخوض ماكرون زعيم "الجمهورية إلى الأمام"، غمار الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، غدا الأحد، بأفضلية في استطلاعات الرأي التي تتوقع حلوله في المرتبة الأولى بـ26% من الأصوات.
هذه النسبة، تعني عدم حسم السباق من الجولة الأولى، والتوجه لجولة ثانية في الـ24 من أبريل/نيسان الجاري، مع ثاني مرشح في عدد الأصوات، من ضمن قائمة تضم 12 مرشحا عتيدا.
ويخوض ماكرون السباق ضد منافسيه الـ12 المنتمين إلى جميع أنواع الطيف السياسي، وضد "قاعدة أو نحس" لاحق ساكن الإليزية منذ 2007، حيث لم ينجح نيكولا ساركوزي أو فرانسوا أولاند في الفوز بولاية ثانية على رأس السلطة.
من هو ماكرون؟
حياة إيمانويل ماكرون تعد رحلة استثنائية بامتياز، السياسي المولد في إميان ديسمبر/كانون الأول 1977، حظي بمسار تعليمي ناجح في معهد "هنري 4"، أبرز المدراس والمعاهد الفرنسية، قبل أن يلتحق بمعهد العلوم السياسية في باريس (2001) والمدرسة العليا للإدارة بمدينة ستراسبورج (2002-2004).
حياته التعليمية الاستثنائية ارتبطت أيضا بحب حياته، إذ وقع ماكرون قبل أن يتجاوز الـ16 سنة في حب مدرسة اللغة الفرنسية برجيت ترونيو، التي كانت تكبره بعشرين عاما. قبل أن يتزوجا في وقت لاحق ويبقيا معا حتى اليوم.
كما لعبت ترونيو دورا مفصليا في صعود نجم ماكرون على الصعيدين المهني أو السياسي، ومنحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى أعلى المناصب.
وبعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، عمل ماكرون كمفتش عام للمالية لمدة 3 سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة جاك أتالي المستشار السابق في الرئاسة الفرنسية.
حياة البنوك
وبعد ذلك بـ4 أعوام فقط، غادر ماكرون عالم الإدارة العليا والتحق بالعمل في بنك "روتشيلد" ليكتشف أسرار البنوك والمالية، وقال عن هذه الفترة في مقابلة مع صحيفة "لوموند" قبل أعوام "لقد تعلمت مهنة، واكتشفت كيف يسير عالم المال والاقتصاد".
وفي عام 2012، عاد ماكرون مجددا إلى الرئاسة، حيث عمل مستشارا اقتصاديا للرئيس فرانسوا أولاند، لمدة عامين، قبل أن يعينه الأخير وزيرا للاقتصاد في 2014.
وفي أروقة وزارة الاقتصاد، أمضى ماكرون عامين في الفترة بين 2014 و٢٠١٦، وظف خلالها خبرته في مجال البنوك لإعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الفرنسي وتخفيض نسبة البطالة التي طالت ملايين الفرنسيين.
لكن ماكرون استقال فجأة دون مقدمات ودون حتى أن يقدم تفسيرا لسبب الاستقالة، واكتفى بالاعتراف عندما غادر الحكومة، بوجود عوائق كثيرة في الشركات والإدارات الفرنسية تحول دون القيام بإصلاحات عميقة وكفيلة بإخراج فرنسا من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها منذ سنوات عديدة.
الجمهورية للأمام
بعدها، عمل السياسي الشاب آنذاك، في الظل وبعيدا عن أنظار الإعلام حتى تأسيس حركته "الجمهورية إلى الأمام" في أبريل/نيسان 2016، واستقطب عشرات الآلاف من المساندين، غالبيتهم من الشباب الذين رأوا فيه السياسي النظيف الذي جاء بأفكار حديثة ويتحدث لغة أخرى غير لغة السياسيين الفرنسيين التقليديين، وفق تقرير سابق لـ"فرانس برس".
ومنذ ذلك الوقت، يرفض ماكرون بشكل قاطع ربطه بأي توجه أو انتماء سياسي، وأكد مرارا وتكرارا ضرورة الدفاع عن مشروع متناغم يقوم على رؤية شاملة.
وبذلك، لا ينتمي ماكرون لأي تيار سياسي تقليدي، بل شق طريقه برفقة مسانديه وبلور أفكارا جديدة أصبحت تحظى بصدى كبير في المجتمع الفرنسي.
وفي 2017، دخل ماكرون معركته الانتخابية الأولى للرئاسة، بقوة كبيرة رغم نقص الإمكانيات المالية، رويدا رويدا أصبحت تجمعاته الانتخابية تستقطب آلاف الشباب الذين رأوا فيه رجل المستقبل الذي سيقود فرنسا نحو التألق والازدهار.
ومنذ ذلك الوقت، بات ماكرون يحمل رؤيته السياسية المستقلة وخطابه المميز، الذي يستخدم فيه كلمات عادية يستخدمها العام والخاص، ويتصرف بكل عفوية على عكس السياسيين التقليديين الذين تعودوا على لغة خشبية غريبة عن الشعب.
الرئاسة الأولى
بدأ ماكرون فترة رئاسته الأولى في 2017 كمتفائل وديناميكي بوجه ليبرالي، بعيدا عن قوى اليسار واليمين، وأراد النهوض بالمشروع الأوروبي، وتقوية الجمهورية الفرنسية والديمقراطية، وإصلاح القوانين الاجتماعية والسياسية التي عفا عليها الزمن، وجعل الاقتصاد الفرنسي قادرًا على المنافسة.
وخلال رحلة الـ5 سنوات، فاز الرئيس الفرنسي بالعديد من الحلفاء، خاصة في وسط الطيف السياسي، ولكن أيضًا في المعسكرات المحافظة وذات الميول اليسارية، وتحولت حركته الجمهورية إلى الأمام إلى حزب حصل بعد أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية السابقة، على أغلبية في البرلمان.
ومع ذلك، طغت على فترة ماكرون الأولى في الحكم أحداث خارجة عن الإرادة، وكان لها تأثير حاسم على أجندته السياسية ودفعته إلى تعديل مسارها أو تغيير الاتجاه. وتشمل هذه الأحداث احتجاجات السترات الصفراء والهجمات الإرهابية وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا.
تلك الأحداث أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد والأوضاع المعيشية، إلى حد باتت معه قضية "القوة الشرائية" للمواطن الفرنسي هي القضية الحاسمة في الانتخابات الرئاسية المقررة غدا، وفق استطلاع رأي نشر مؤخرا.