الإخوان في فرنسا.. من "اللعب الحر" إلى "المكافحة"
بين مسار تفضله أذراع الإخوان، وآخر فرض عليها، تباينت أدوارها في فرنسا خلال نصف قرن، قبل أن تجرفها موجة عاتية لمكافحة التطرف في البلاد.
وتعرض "العين الإخبارية" في عدة حلقات، الأدوار الحالية لأذرع الإخوان في فرنسا، وتحركات هذه الأذرع على المستوى الأوروبي، ومصير محاولات الجماعة اختراق المجتمع الفرنسي، وممارسة نفوذ على الجاليات المسلمة في فرنسا.
في الحلقة الثالثة، تعرض "العين الإخبارية"، لتطور العلاقة بين الإخوان الإرهابية، والحكومات الفرنسية المتعاقبة، وصولا إلى حملة حكومة إيمانويل ماكرون الحالية، لمكافحة التطرف والإسلاموية، وإعادة تنظيم الأطر الإسلامية بما يتناسب مع قيم المجتمع.
وكانت جماعة الإخوان وضعت أقدامها في فرنسا عبر بوابة الجامعات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما فعلت في المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية،
ولعب النشطاء التونسيون المرتبطون بحركة التيار الإسلامي، رافد حركة النهضة التونسية النشطة في الوقت الحالي، دورًا حاسمًا في تطوير شبكة الإخوان الإرهابية في فرنسا.
وفي حين أن منظمة مسلمو فرنسا هي "قوة الإخوان" الرئيسية ومنظمتها المظلية في الأراضي الفرنسية في الوقت الحالي، شهدت السنوات الأخيرة ظهور نشطاء ومنظمات يرتبطون بهذه المنظمة المظلية بشكل جزئي أو غير مباشر، ويجري تشغليها وإدارتها من جيل شاب من مواليد البلد الأوروبي، مثل لجنة مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا.
"علاقة ثابتة"
وبصفة عامة، لا تعد علاقة منظمة مسلمو فرنسا، بالتنظيم الدولي للإخوان، محل خلاف أو جدل في فرنسا، ومن المعتاد أن تشير السلطات الفرنسية إلى المنظمة على أنها "مرتبطة" أو "منبثقة" من جماعة الإخوان.
حتى أن معظم كبار أعضاء المنظمة يعترفون بهذا الارتباط، ووصل الأمر إلى تصريح طارق أوبرو، وهو إمام بارز في بوردو كان منتسبًا إلى منظمة مسلمو فرنسا لفترة طويلة، بأن قرار المنظمة تغيير اسمها في عام 2017 كان محاولة "لتنأى بنفسها" عن جماعة الإخوان.
وعملية تغيير الاسم من أجل محو سمعة الارتباط بالإخوان، استراتيجية معتادة للجماعة في أوروبا، حدثت في فرنسا مع منظمة مسلمو فرنسا، وحدثت في ألمانيا مع منظمة المجتمع الإسلامي الألماني، لكن المحاولات تبوء بالفشل في النهاية، لأن السمعة تلاحق هذه المنظمات.
وخلال السبعينيات والثمانينيات، حاولت أذرع الإخوان اختراق المجتمع الفرنسي والسيطرة على الجالية المسلمة، فضلا عن تسويق صورة الجماعة كمدافعة عن الأقلية المسلمة في البلاد، لكن الأمر سرعان ما تطور إلى صدام مع السلطات.
تقلبات مستمرة
ووفق تقرير لمركز الإسلام السياسي في النمسا "حكومي"، فإن علاقة منظمة مسلمو فرنسا مع السلطات الفرنسية، معقدة للغاية منذ فترة طويلة، ومرت بنقطة تحول رئيسية في عام 1989، حين حركت المنظمة مظاهرات ضد قرار مدرسة فصل طالبات مسلمات بسبب الحجاب، ومحاولة الإخوان إظهار نفسها في الصورة المدافع عن المسلمين في مواجهة الدولة.
ومنذ ذلك الوقت، سيطر طابع الصدام على العلاقة بين منظمة مسلمو فرنسا، والحكومات الفرنسية المتعاقبة، مع قبول المنظمة كطرف في الحوار مع السلطات حول أوضاع المسلمين من حين إلى آخر.
وفي عام 1999، رفض مجلس الدولة الفرنسي طلب أحد قادة منظمة مسلمو فرنسا، عبد الله بن منصور، الحصول على الجنسية الفرنسية على أساس أن المنظمة "تعد كيانا ينتسب إليه العديد من الحركات المتطرفة التي تدعو إلى رفض القيم الأساسية للمجتمع الفرنسي ".
وفي نفس العام، تمت دعوة منظمة مسلمو فرنسا، لأول مرة للمشاركة في الحوار المعقد حول مأسسة الإسلام في البلاد الأوروبي.
وفي عام 2003، قام الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي بإدراج المنظمة، في المجلس الفرنسي للمسلمين؛ الهيئة التي أنشأها، لتمثل المسلمين بشكل رسمي.
وفي ذلك الوقت، انتقد كثيرون قرار ضم مسلمو فرنسا إلى المجلس، لكن ساركوزي دافع عن القرار قائلا: "بمجرد دمج" الراديكالي "في هيكل رسمي، فإنه يفقد راديكاليته لأنه يصبح جزءًا من حوار".
توتر ونهج جديد
وفي الفترة بين 2003 و٢٠١٩، شهدت العلاقة بين منظمة مسلمي فرنسا والدولة الفرنسية عدة تقلبات.
فمن ناحية، كانت المنظمة حاضرة في المبادرات العامة وينظر إليها على أنها شريك موثوق به من قبل العديد من البلديات على المستوى المحلي.
ومن ناحية أخرى، تعرضت المنظمة بشكل روتيني للتدقيق والانتقاد من قبل وسائل الإعلام والسياسيين الفرنسيين بسبب مواقفها من العلمانية أو التصريحات المثيرة للجدل للدعاة المرتبطين بها.
وفي عام 2019، تصاعدت التوترات بشكل كبير منذ عام 2019، حيث حددت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإسلاموية والمنظمات المرتبطة بها، على أنها لا تتوافق مع القيم الجمهورية الفرنسية.
تزامن هذا مع الخطاب العام المتنامي، الذي يجد إجماعًا واسعًا عبر الطيف السياسي الفرنسي، ويرى أن جميع أشكال الإسلاموية إشكالية للغاية، وفق التقرير النمساوي.
لذلك، كانت شبكة الإخوان في فرنسا، في قلب وابل من الانتقادات من مختلف فئات المجتمع الفرنسي، وخرج تقرير من مجلس الشيوخ الفرنسي في عام 2020، يحذر من أن الجماعة تشكل أكبر تهديد لفرنسا، بسبب استراتيجية الخداع التي تتبعها لتقويض المجتمع من الداخل.
فكرة التقرير عبر عنها ماكرون في خطاب في أبريل/نيسان 2019، قال فيه "نحن نتحدث عن أناس، باسم الدين، يتبنون مشروعًا سياسيًا، مشروع إسلام سياسي، يريد الانفصال عن جمهوريتنا"، مدشنا عدد من الإجراءات لمكافحة الإسلاموية في فرنسا.
منتدى الإسلام
وفي الفترة الأخيرة، عملت الحكومة الفرنسية على تنفيذ استراتيجية ماكرون وتنفيذ عملية مراجعة شاملة للأطر الإسلامية، تشمل إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والإسلام، قبل الانتخابات الرئاسية.
ففي الخامس من فبراير/شباط، عقد "منتدى الإسلام في فرنسا" اجتماعه الأول، بمشاركة مسؤولي جمعيات، وأئمة، ونشطاء، وشخصيات اعتبارية.
ويحتاج منتدى الإسلام، لعامين أو 3 على الأقل لكي يصير فاعلاً.
والفرق الأساسي الذي يحمله في الوقت الحالي، هو أنه يضع حداً لدور "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" الذي تأسس عام 2003، وكان المحاور الأساسي للدولة، في المسائل المتعلقة بالعبادة والشعائر الإسلامية، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وفي ورقة نشرها مركز الإمارات للسياسات، كتب الباحث باسم راشد، أن فرنسا تستهدف عددا من الأهداف من وراء منتدى الإسلام، أبرزها وضْع إطار جديد لتنظيم شؤون الديانة الإسلامية؛ وذلك عبر تجديد أساليب الحوار مع مُمثلي الديانة الإسلامية.
أما ثاني أهداف تأسيس منتدى الإسلام في فرنسا، فيتمثل في مكافحة التطرف والجمعيات المتطرفة على الأراضي الفرنسية، وفق الورقة البحثية ذاتها.
ويمثل "منتدى الإسلام" استكمالاً للجهود الفرنسية لمحاولة تخليص الإسلام الفرنسي من جميع أشكال التطرف والعنف؛ وبرز ذلك في أجندة الهيئة الجديدة، وفي تكوينها نفسه الذي يضم مجموعة متنوعة من رجال الدين والعلمانيين والنساء للمساعدة في قيادة أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية.
وتركز ملامح المنتدى الجديد، في تنظيم شؤون الديانة الإسلامية في فرنسا بشكل أفضل، والاستجابة لحالة التنوع الأوسع لدى المسلمين الفرنسيين الذين يصل عددهم إلى 5 ملايين نسمة، ودعم تدريب الأئمة داخل فرنسا بدلاً من جلبهم من الخارج بأيديولوجيات وأفكار لا تتناسب مع قيم النهج العلماني الذي يقوم عليه الدستور الفرنسي.
aXA6IDUyLjE1LjIyMy4yMzkg جزيرة ام اند امز