تدهور الصحة النفسية للشعوب النامية.. ثمن باهظ لتغيرات المناخ
مدغشقر تمثل نموذجا كئيبا رغم الطبيعة النضرة

يبدو أنّ التغيرات المناخية تذهب إلى ما هو أبعد من المشاكل الصحية البدنية إلى الصحة العقلية؛ وقد حذرت عدة أبحاث من أنّ المشاكل النفسية قد تتفاقم تزامنًا مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري التي يعاني منها الكوكب اليوم.
لكن يبدو أنّ الدول الأكثر عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية هي التي تدفع الثمن من صحة أبنائها النفسية. على الرغم من كونها الأقل تسببًا في انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي تُعد الوقود الدافع لظاهرة الاحتباس الحراري.
والمفارقة أنّ تلك الدول عادة تكون منخفضة أو متوسطة الدخل، ما يقلل من فرص الاهتمام بأبحاث تربط بين الصحة النفسية والتغيرات المناخية.
وبعبارة أخرى، إنّ أصوات مثل تلك الدول منخفضة في المجتمع الدولي؛ لعدم تركيزهم على دعم تلك الأبحاث؛ إذ يتركز الدعم غالبًا على الأمور الاقتصادية أكثر منها العلمية.
إلى مدغشقر
عند جنوب القارة الأفريقية، تقع جزيرة مدغشقر، أكبر جزيرة تابعة لأفريقيا ورابع أكبر جزيرة عالميًا، تتميز تلك الجزيرة الكبيرة بالتنوع البيولوجي والبيئي والمناظر الطبيعية الخلابة، لكن عند التدقيق في موقعها الجغرافي نجدها بالقرب من خط الاستواء، وهي من الدول المتأثرة بالتغيرات المناخية.
وبسبب ذلك، يعاني شبابها ومراهقيها أيضًا من مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب وبعض المشاعر السلبية مثل الشعور باليأس. وهذا وفقًا لبحث منشور في عام 2024 في "ذا جورنال أوف كلايمت تشانج آند هيلث" ( The Journal of Climate Change and Health).
حياة بائسة!
أجرى الباحثون دراسة تعتمد على بيانات استقصائية لنحو 83 مراهقًا، ومجموعات تركيزية ضمت نحو 48 مشاركًا في 6 قرى ريفية في مدغشقر. وأبلغ الشباب الذين استجابوا للمشاركة في الدراسة عن مستويات مرتفعة من المشاعر السلبية مثل القلق والاكتئاب بسبب التغيرات المناخية، ويرى الكثير منهم أنّ مستقبلهم غير واضح ويشعرون باليأس تجاهه، وعبر بعضهم عن شعورهم بالعجز.
مشاكل ملموسة!
وتتسلل تلك المشاعر السلبية للشباب والمراهقين في مدغشقر؛ نتيجة الضغط المناخي والمشاكل التابعة له والملموسة في حياتهم اليومية. وذلك عبر 3 مسارات: فقدان الموارد، الشكوك حول المستقبل، وتعطل آليات التكيف. وتُشكل مشكلة الغذاء تحديدًا معضلة كبيرة لدولة مدغشقر؛ ففي أحد الأعوام، عانت 90% من الأسر من نفاد الطعام، وقضى 69% من المراهقين يومًا كاملًا بدون طعام. وقد يترتب على هذا فقدان المجتمعات لأبنائهم الذين قد يموتون جوعًا بسبب معاناة أسرهم من الجوع وعدم القدرة على توفير الموارد الغذائية للأسرة.
ليس الطعام فقط، بل يعاني الناس في مدغشقر أيضًا من قلة توافر المياه؛ وهذا يرتبط أيضًا بتاريخ مدغشقر مع المعاناة المائية؛ إذ يفتقر ما يقترب من نحو نصف سكانها للمياه النظيفة، ما يقود إلى انتشار عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، وتنتشر الأمراض.
أشارت الدراسة أيضًا إلى المعاناة من ارتفاع درجات الحرارة التي يعانيها سكان الجزيرة؛ فمدغشقر من أكثر المناطق عرضة لارتفاع درجات الحرارة بسبب موقعها الجغرافي؛ ويتجلى هذا في الأرقام القياسية التي تُسجلها. على سبيل المثال، في فبراير/شباط 2020، سجلت درجة الحرارة في مدينة "رانوهيرا" نحو 49.4 درجة مئوية؛ علمًا بأنّ شهر فبراير يُعد أحد أشهر الصيف.
يرى مؤلفو الدراسة أنه من المهم دمج الصحة النفسية في خطط التكيف مع التغيرات المناخية؛ لمساعدة الشباب مستقبل تلك البلاد التي تعاني من تأثيرات التغيرات المناخية على بناء مستقبل أفضل.
aXA6IDEzLjU4LjIxNC44MiA= جزيرة ام اند امز