"مانغا".. سحر الثقافة اليابانية
متحف يوكوتي ماسودا للقصص المصورة ”مانغا“ في محافظة أكيتا يعد منشأة فريدة لعرض وحفظ المانغا
يعد متحف يوكوتي ماسودا للقصص المصورة ”مانغا“ في محافظة أكيتا، منشأة فريدة لعرض القصص، تضم مجموعة تتجاوز 230 ألف عمل فني.
ماسودا ”مخزن المانغا“
وبحسب موقع "nippon" الياباني، فتقع بلدة ماسودا في وادي يوكوتي جنوب شرقي محافظة أكيتا، عند مكان التقاء نهرين.
كانت المدينة مركزا رئيسيا للشحن النهري منذ ما قبل فترة إيدو (1603-1867)، وظلت البلدة واحدة من المناطق التجارية الرائدة في المحافظة حتى القرن العشرين، وأصبحت ماسودا في الوقت الراهن جزءا من مدينة يوكوتي، إلا أنها لا تزال تحتوي على مبان خشبية كبيرة تنتصب شاهدة على أيام مجدها، وقد تم تصنيفها باعتبارها ’’منطقة محمية‘‘ لمجموعات من المباني التقليدية.
تشتهر المباني التقليدية في ماسودا بمخازنها الأرضية المبهرة والمعروفة باسم أوتشيغورا، وفي حين أن المخازن ’’كورا‘‘ كانت تشيد عادة بشكل مستقل عن المبنى الرئيسي، إلا أنه في حالة أوتشيغورا كان يتم تمديد السقف من الجهة الخلفية للمبنى الرئيسي للسماح ببناء المخزن ضمن الهيكل الرئيسي. تم ابتكار أوتشيغورا بحيث يمكن للتجار والعمال الوصول إلى المخازن بشكل متكرر في جميع الفصول، حيث كانت ماسودا تتحول لمنطقة تجارية مزدهرة مع تساقط الثلوج في فصل الشتاء.
كان الشارع المسمى ”نانوكاماتشي دوري“ في أحد الأوقات منطقة التسوق في وسط البلدة، وحتى يومنا هذا تصطف على جانبيه مبان مجهزة بمخازن ويشير السياح إلى هذا الشارع باسم ”الطريق الكلاسيكي“.
إلى جانب منطقة المخازن يوجد متحف يوكوتي ماسودا للمانغا والذي أعيد افتتاحه بعد تجديده في شهر مايو/أيار عام 2019، ويضم المتحف أكثر من 230 ألف قطعة فنية فريدة من نوعها من عمل 179 فنان مانغا، ويمكن وصف المنشأة بأنها ’’مخزن‘‘ بحد ذاتها لأعمال المانغا الفنية.
الحفاظ على ثقافة المانغا
إن بلدة ماسودا هي مسقط رأس فنان المانغا الشهير ياغوتشي تاكاؤ، فبعد نشر عمل المانغا بعنوان ”تسوريكيتشي سانبيي (صياد الأسماك سانبيي)“ – وهو العمل الذي كان وراء شهرة ياغوتشي – في عام 1973، شكل العمل مصدر إلهام لموضة صيد الأسماك في جميع أنحاء البلاد، وبثت قنوات تلفزيونية نسخة رسوم متحركة من ”سانبيي“ في إيطاليا وفرنسا، وكذلك في أماكن أخرى في آسيا. لا يزال عمل المانغا هذا يحظى بشعبية على مستوى العالم، وقد تم تحويله إلى فيلم حركة حية في عام 2009.
اُفتتح متحف يوكوتي ماسودا للمانغا في الأصل في عام 1995 بهدف تشارك ثقافة المانغا بين الزوار من اليابان والخارج. وقد عُين ياغوتشي تاكاؤ مديرا فخريا للمتحف.
وفي حين أن المجمع في البداية كان يحتوي أيضا على مكتبة وغيرها من المرافق العامة، إلا أن معارض المانغا الدائمة والمؤقتة للمتحف والتي تضم أعمالا فنية أصلية لفناني مانغا مشهورين أثبتت أنها تحظى بشعبية كبيرة لدرجة أنه في عام 2017 تمت إعادة هيكلة المبنى وجعله مساحة مخصصة لحفظ وعرض أعمال المانغا الفنية، وبدأت عمليات إعادة هيكلة رئيسية له.
وعلى الرغم من أن المانغا هذه الأيام تغدو بصورة متزايدة رقمية، إلا أنه في الأيام السالفة كان الفنانون يرسمون جميع اللوحات يدويا، ثم تقوم دور النشر بعد ذلك بكتابة الحوار والنص على اللوحات، وأخيرا تتم طباعة المانغا وجمعها وتسليمها.
وبعد الطباعة كانت الأعمال الفنية تعاد إلى الفنان الذي كان يتعين عليه الاهتمام بها بنفسه. وبالإضافة إلى أن الأعمال الفنية تشغل قدرا كبيرا من المساحة، قد يتغير لونها أو تتدهور حالتها بطرق أخرى إذا لم تخزن بشكل صحيح. ولتخزين الرسومات بالطريقة الأمثل، كان الفنانون يتكبدون الكثير من المال والجهد، وعندما يتوفى فنان المانغا، كانت مهمة العناية بالعمل الفني تنتقل إلى أفراد الأسرة الآخرين.
كانت أعمال المانغا تباع في بعض الأحيان، سواء من قبل الفنانين الذين لم تعد لديهم مساحة كافية لحفظها أو من قبل عائلات الفنانين المتوفين، ونتج عن ذلك احتمال أن تواجه هذه المانغا مصير اللوحات المطبوعة بقوالب خشبية ”أوكييو-إيه“ وتتبعثر بعد بيعها لمشترين من جميع أنحاء اليابان والخارج.
وقد تبرع ياغوتشي الذي كان يشعر بالقلق إزاء مثل ذلك الوضع بجميع رسوماته البالغ عددها 42 ألف رسمة إلى المتحف، على أمل أن ينقل ”قوة المانغا وجمالها وشغف فناني المانغا“.
ألهمت جهود المتحف في الحفاظ على اللوحات وأرشفتها فنانين آخرين من ضمنهم هيغاشيمورا أكيكو صاحبة عمل ”كوراغيهيمي (الأميرة قنديل البحر)“ للتبرع بأعمالهم الفنية كذلك، ليصل عدد المجموعة الفنية للمتحف إلى 230 ألف عمل فني، وهو الأكبر في اليابان.
زاد المتحف في نهاية المطاف من تركيزه على الحفاظ على الأعمال الفنية وأصبح مرفقا مكرسا لعرض تلك الأعمال وتخزينها.
يقول ساساكي هاروكا الموظف في المتحف: ”أنظر إلى اللوحات باعتبارها مستودعا لثقافة المانغا التي تفخر بها اليابان كثيرا، وباعتبارها ثروة ثقافية. أريد أن أمرر هذه الثقافة إلى جيل الشباب“.
جاذبية فريدة
عندما تخطو داخل باب المتحف، أول ما تقع عينيك عليه هو لوحة مانغا مركبة يبلغ طولها 10 أمتار وعرضها 7 أمتار، لن تتمالك نفسك من أن تشعر بالحماس.
ويتركز المتحف حول مجموعة ”مانغا نو كورا“ الموجودة في الطابق الأول، والتي لا تهدف فقط إلى الحفاظ على الأعمال الفنية فحسب بل وإثارة اهتمام الزوار. ولحماية الأعمال الفنية من التدهور، يتم إبقاء مساحة التخزين العملاقة ذات الواجهة الزجاجية – والتي يعني اسمها حرفيا ”مخزن المانغا“ – عند درجة الحرارة والرطوبة المثلى على مدار الساعة. عندما يرى مبدعو هذا الفن المنشأة، فإنهم يدركون أنه يمكنهم الاعتماد عليها للعناية بأعمالهم الفنية.
بدلا من مجرد عرض اللوحات على الجدران، يركز مخزن المانغا على تشارك والاستمتاع بمعلومات فريدة من نوعها خاصة بالأعمال الفنية الأصلية لن تكون موجودة في المانغا المطبوعة. في نظام الأدراج المستخدم تحتوي كل خزانة على عملي مانغا مختلفين. يمكن للزوار قراءة قصة كاملة بالبدء من الدُرج العلوي والانتقال نحو الأسفل دُرجا تلو الآخر.
ويمكن للزوار في غرفة الأرشيف التي تشكل جزءا من مخزن المانغا، مشاهدة الأعمال الفنية أثناء تحويلها إلى بيانات رقمية ورؤية العمليات المنجزة لمنع تأكسد الورق.
كما يمكن عرض اللوحات المؤرشفة على شاشات تعمل باللمس وتكبيرها لإظهار حدود الخطوط وتتبع أدلة على وجود تعديلات بسيطة وحتى الاطلاع على التعليمات الموجهة للمساعدين.
يتم عرض المجموعة الدائمة للمتحف على كل من الحائط بجانب المنحدر المنحني الذي يلتف من الطابق الأول إلى الطابق الثاني، وفي إحدى غرف الطابق الثاني. يتم تدوير لوحات رسمها 74 فنان مانغا مختلفين بشكل دوري.
نقل الزوار إلى عالم آخر
في متحف يوكوتي ماسودا للمانغا المساحات من الممرات إلى الجدران مملوءة بالأعمال الفنية وغيرها من الملامح الممتعة التي تنقل الزوار إلى عالم المانغا. وباستثناء مخزن المانغا ومساحة المعرض الدائمة التصوير مسموح في المتحف مما يجعله وجهة شهيرة لمشاهير موقع انستغرام وغيرهم من الأشخاص الذين يبحثون عن لقطة من الأعمال الفنية المفضلة لديهم.
ومنطقة ”Line Alley“ مليئة بنصوص مؤطرة بأشكال تشبه الفقاعات تحتوي على استشهادات من مشاهد شهيرة وجملا شهيرة قالها أبطال أعمال مانغا فنية. كما أن المقعد المصمم على شكل حروف يابانية تستخدم في قصص المانغا للتعبير عن الاندهاش يغري الزوار بالتقاط صور شخصية مشابهة لشخصية المانغا المحببة لديهم، وقد حقق نجاحا كبيرا على تطبيق "أنستقرام".
وإذا كنت تشعر أنك بحاجة لأخذ قسط من الراحة، توجه إلى مقهى المانغا في الطابق الأول، وتحتوي هذه المساحة المغرية لالتقاط صور فنية على طاولات مرسوم عليها مشاهد من قصص مانغا وجدرانها عليها نصوص مؤطرة بأشكال تشبه الفقاعات. تستطيع أيضا التقاط بعض الصور الفريدة للأطعمة حيث أن شكل الوجبات الخفيفة والحلويات والمشروبات المتوفرة في قائمة المقهى تشير إلى أعمال مانغا شهيرة.