سجن معيتيقة.. حصن مليشيا "الردع" الإرهابية بطرابلس
"الداخل مفقود والخارج مولود".. سجين سابق في معتقل معيتيقة ومختصون بالمجتمع المدني يكشفون عن خفايا السجن سيئ السمعة
تتولى مليشيا إرهابية تابعة لحكومة السراج غير الدستورية في طرابلس تسمى "الردع" عمليات التعذيب والتنكيل بالمواطنين والناشطين المساندين للجيش الوطني الليبي في العاصمة.
- الجيش الليبي يعلن سيطرته على منطقة الكسارات جنوبي طرابلس
- الجيش الليبي: أردوغان يدعم الإرهاب بشكل مباشر في طرابلس
وتتخذ مليشيا "الردع" من قاعدة معيتيقة الجوية مقرا ونقطة انطلاق لعملياتها العسكرية إضافة إلى تخصيص سجن القاعدة لإخفاء العديد من الناشطين الحقوقيين والسياسيين والمدونين، وبحسب مصادر مطلعة فإن عددهم تجاوز 750 ناشطا.
وتواصلت "العين الإخبارية" مع "ع. طه" سجين سابق في معيتيقة من شرق ليبيا الذي كشف عن خفايا هذا السجن سيئ السمعة الذي لخص حكايته بأن "الداخل مفقود والخارج مولود"، وكذلك مع عدد من المختصين بالمجتمع المدني والحقوقيين الليبيين وجاءت تصريحاتهم مؤكدة لشهادة طه.
اعتقالات لمؤيدي الكرامة
"أريد أن أرفع قضية على هؤلاء المجرمين الذين سرقوا 4 سنوات من زهرة شبابي ودمروا مستقبلي وحرموني من استكمال دراساتي العليا.. لأن توجهي في ذلك الوقت كان مناصرا للجيش الوطني الليبي وثورة الكرامة"، كانت هذه هي الكلمات الأولى لطه بخصوص سجن معيتيقة الذي تسيطر عليه مليشيا الردع.
وقال طه الذي اعتقل في سجن معيتيقة لنحو 4 سنوات، إنه سجن بشكل قسري أثناء عودته من مطار معيتيقة دون أن يحال إلى المحاكمة، أو يعرض على النيابة، أو أن يوجه له أي اتهام.
وتابع طه أن عناصر المليشيا أجبرته على التوقيع على الأوراق والمحاضر وهو مغمض العينين، ولا يدري ما محتواها، وأن غالبية من في السجن حدث معهم نفس الشيء حتى النساء.
وأشار طه إلى أن من يتولى إدارة السجن شخص يدعى أسامة نجيم من سكان منطقة عرادة وكان يعمل سائق سيارة قبل الثورة ثم اندمج في اللجنة الأمنية التي أسسها المدعو فوزي عبدالعال ومنها إلى قوة الردع، وملفه القضائي كبير خاصة أنه ضبط أثناء عمله في الاتجار بالمخدرات في ألمانيا قبل الثورة.
تعذيب ممنهج
تابع طه أنه رصد مدير سجن معيتيقة وهو يتلذذ بتعذيب السجناء، ويعتدي على النساء في طوابير المصرف إضافة إلى إطلاق الرصاص بشكل عشوائي من سلاح من نوع "بي آر كي".
ونقل طه شهادته لإحدى عمليات القتل التي نفذها نجيم لشاب صغير لا يتجاوز العشرين عاما، قائلا: "جاء أسامة على أساس تفقد الحبس فشاهد سجينا جديدا.. ما زلت أذكر اسمه (أبوبكر) وسأل عن قضيته، فأخبره أحد الحراس وقال خطف، فسحب نجيم المسدس ورماه بطلقتين في رجليه، فنزف على إثرها لعدم إسعافه ومات".
وشدد طه على أن مليشيا الردع لا تفرق بين صغير وكبير ويتعرض الجميع للإهانة في السجن، مستدلا بحالة "الحاج عبدالله النيجري" 75سنة، الذي مات كمدا بعد أن تعرض للإهانة من مدير السجن التي لم يمكث بعدها أسبوعا.
ظروف غير إنسانية
يتكون سجن معيتيقة من 12 قطاعا وكل قطاع يحتوي على عدة غرف لا يتجاوز مساحة الواحدة منها 3×4 م في حين تحتوي على أكثر من 85 سجينا وحمام واحد.
وفي حين يضم السجن 3000 سجين، فإن آمر مليشيا الردع عبدالرؤوف كاره يدعي أن أغلبهم من المتهمين بقضايا إرهاب في حين ثبت أن أغلبهم لم يوجه لهم اتهامات حقيقية ولم يتم التحقيق معهم.
كما يضم السجن قسما نسائيا ويتولاه خالد الهيشري الملقب بالبوتي، دون وجود حرس من النساء، ويتولى البوتي تعذيب المعتقلات.
ويقيم المسجونون بمعيتيقة في ظروف غير إنسانية فهم في الغالب لا يرون الشمس إلا نادرا، مع انقطاع روتيني للمياه، بحيث لا تصل إلى الزنزانات إلا ساعة في اليوم، ويعاني غالبية المسجونين من أمراض مزمنة نتيجة للإهمال الطبي وسوء ظروف الاحتجاز، وفي عام 2016، توفي عشرات من المعتقلين نتيجة الإهمال الطبي وانتشار مرض الدرن الرئوي.
مليشيا الردع التي تدير السجن
يتزعم مليشيا الردع عبدالرؤوف كاره الذي وصل إلى رتبة رائد وهو على هرم السلطة، وشخصية نادرة الظهور، وفي حين لا يمارس عمليات التعذيب شخصيا فإنه يأمر أتباعه بتعليق السجين من يديه وضربه وقد حضر تنفيذ الكثير من تلك الوقائع.
كما يتولى أتباعه تنفيذ والإشراف على هذه الانتهاكات وعلى رأسهم محمود حمزة آمر مليشيا 2020 أو ما تعرف بالزلزال والمتحدث الرسمي سابقا باسم الردع، وهو شخصية متعجرفة.
مليشيا "الردع" هي إحدى أكبر المليشيات المسلحة في طرابلس، ويبلغ عدد مسلحيها نحو 5000 عنصر، وتسيطر على العديد من المنشآت الليبية الكبرى في طرابلس وعدة مصارف ووزارة الخارجية والجزء العسكري من مطار معيتيقة، وهو نفسه الجزء الذي تنطلق منه الطائرات التركية المسيرة التي تحاول قصف الجيش الوطني الليبي، الذي استهدف طائرتين في هذا الجزء أثناء محاولتهما الهبوط.
وتنقسم المليشيا لعدة فصائل جميعها تحت إمرة "كاره" في حين أن لديها انقسامات داخلية خاصة فصيل محمود حمزة الذي يعد هو الأهم والأقوى رغم قلة عدده مقارنة بغيره نتيجة للتجهيزات والتدريبات العالية التي تلقتها خاصة على الاقتحامات والقنص والعمل الجماعي.
يذكر أن مطار معيتيقة هو في الأصل قاعدة عسكرية، تم تحويل جزء منها إلى مطار مدني بعد تدمير مليشيا الصمود للإرهابي المطلوب دوليا صلاح بادي مطار طرابلس الدولي عام 2014 ضمن عمليات "انقلاب فجر ليبيا"، وتضم القاعدة سجنا ضخما تسيطر عليه مليشيا "الردع".
تقارير دولية
وتقول المنظمة العربية لحقوق الإنسان الليبية إن "سجن معيتيقة غير خاضع لمعايير السجون، وقد قُسِّمت غرف الاحتجاز فيه بصورة غير صحيحة؛ ما أدى لانتشار الأمراض الجلدية بين المحتجزين".
وأضافت المنظمة العربية في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أن لديها العشرات من قرارات الإفراج الصادرة عن النائب العام التي لم تنفذ منذ 2017، وأن عدد النساء غير متأكد منه.
وتابعت المنظمة أنه بفضل تنسيقها مع البعثة الأمنية للدعم بليبيا تم الإفراج عن ٣٠٠ شخص سنة ٢٠١٨ وهم ممن أنهوا فترة محكوميتهم ومن المعتقلين بدون أمر القضاء، ومن صدرت أوامر الإفراج لهم من النيابة العامة، فيما لا يزال كثيرون لم يتم الإفراج عنهم.
كما صدر في حق سجن معيتيقة عشرات التقارير الحقوقية الليبية والدولية لإدانة الأوضاع المأساوية غير الآدمية والتعذيب الممنهج الذي يتعرض له المسجونون بسجن معيتيقة.
وتوجت هذه الجهود بقبول مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الشكوى المقدمة من إحدى المنظمات الحقوقية الليبية يناير/كانون الثاني الماضي، للتحقيق في الانتهاكات الواسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان في سجن معيتيقة .
كما اتهمت المنظمة مليشيا الردع بتعذيب والاعتقال التعسفي لمئات النساء في سجن معيتيقة محتجزين في ظروف قاسية تفتقر للتهوية والضوء، مبينة أن من يقوم بحراستهم حرّاس ذكور.
ورغم كونها غير حيادية ومتهمة بالعديد من التحيزات اعترفت منظمة هيومان رايتس ووتش في مارس/آذار 2019 بأن مليشيا الردع كانت تحتجز بـ"سجن معيتيقة"، 120 سجينا بعد انقضاء مدة عقوبتهم.