كثيرة هي المعطيات الحقيقية التي تُنذِر بمواجهات عسكرية كُبيرة تهدّد مناطق النفوذ الثلاث التي ينقسم إليها الميدان السوري سياسياً وعسكرياً.
وهي: مناطق سيطرة الحكومة والمناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا والمناطق الشمالية الشرقية (شرق الفرات) الواقعة تحت سيطرة (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والمناطق الثلاث تشهد تحركّات نشطة وتصريحات سياسية وإعلامية متباينة من حينٍ إلى آخر.
فعلى الصعيد السياسي والإعلامي تتوالى التصريحات من كل الأطراف وبوتيرة متسارعة ولهجات مختلفة بين الحدّة والترقب، فحديث الحكومة السورية وحلفائها يتمحور حول الاستعداد التام لمواجهة التحركات الأمريكية المرتقبة، وتأتي هذه التصريحات على لسان وزير الخارجية السوري (فيصل المقداد) في مؤتمر صحفي عقده قبل يومين في دمشق مع نظيره الإيراني (حسين أمير عبداللهيان) وفي معرض إجاباته عن أسئلة الصحفيين شدد على أن التحركات الأمريكية على الأرض تأتي في إطار عدائي وغير شرعي، وربما تُنذر بحربٍ ومواجهةٍ لتغيير الوضع الراهن المتأزم أصلاً، مؤكداً على استعداد الحكومة السورية وحلفائها التام لمواجهة تلك المخططات بالصمود والمقاومة الشرسة وأنّ العراق لن يسمح للولايات المتحدة بشن عدوان على سوريا من أراضيه، وكأنه يشير إلى حرب ومواجهة عسكرية واقعة لا محالة.
بالإضافة إلى تصريحات أخرى من العراق وعلى لسان (نوري المالكي) رئيس الوزراء العراقي الأسبق الذي أكّد في مقابلة تلفزيونية على قناة الشرقية قبل 3 أيام على أنّ التحركات الأمريكية الأخيرة والنشطة بين سوريا والعراق ليست تحركات اعتيادية وإنما تشير إلى محاولة الولايات المتحدة الجادة في إغلاق الحدود العراقية السورية بوجه إيران وحلفاء الحكومة السورية والتهيؤ لمواجهات حقيقية؛ سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة من خلال الاعتماد على الحلفاء، والجدير بالذكر في هذا المقام هو أنّ الولايات المتحدة تقابل كل هذه التصريحات والتحليلات بتصريحات مقتضبة نافيةً وجود أية نية لديها في المواجهة العسكرية أو إغلاق الحدود أو التمدد وتوسعة مناطق النفوذ.
أما على المستوى الميداني، فالأمر مُختلف تماماً، إذ أنّ الولايات المتحدة تستقدم المزيد من التعزيزات والأسلحة النوعية إلى سوريا ومنذ أشهر، بالإضافة إلى إجراء العديد من المناورات في الفترة الماضية مع قوات سوريا الديمقراطية من جهة وقوات ما يسمى الجيش الوطني المدعوم أمريكياً في البادية السورية والتنف من جهة أخرى.
كما أنّ الحذر وتمكين الصفوف على الحدود العراقية السورية بات أشد وضوحاً لدى القوات الأمريكية، مما جعل الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين يربطون أحداث دير الزور السورية والمعارك المندلعة بين العشائر وقسد هناك التي جاءت بطبيعة الحال إثر قرار قسد بعزل واعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها ولقوات التحالف، وأنّ هذا العزل جاء بمباركة التحالف وبمشورته بحدث المواجهة المرتقبة وبأنّ هناك أهدافا جديدة وتحضيرات لمرحلة جديدة تخطط لها الولايات المتحدة باتَ طَرحاً حقيقياً وثابتاً.
أما في الشمال الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة المدعومة والمنقادة من قبل تركيا نجد أنّ الحكومة التركية قد فرضت عودة اللاجئين السوريين طوعاً أو قسراً إلى تلك المناطق، بالإضافة إلى توحيد المناطق الثلاث (درع الفرات) و (نبع السلام) و(غصن الزيتون) تحت قيادة إدارية واحدة تتمثل بوالٍ تركي واحد لها جميعاً بعد أن كانت كل منطقة منها تتبع لوالٍ أو مسؤول أمني وعسكريٍّ مختلف، أما على الجانب الحكومي فالواقع لا يخلو من الاضطراب على صعيد التحركات والمطالبات بالتغيير ولا سيما في السويداء، والحديث عن إخلاء ثكنات عسكرية فيها أو تحركات غامضة غير واضحة المعالم، بالإضافة إلى الوضع الميداني من حيث تصاعد القصف الروسي على مناطق خفض التصعيد شمالاً، وتسارع وتيرة التحركات الإيرانية والتسليح على الأرض.
كل هذه المعطيات وغيرها الكثير يشير بما لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ الأمور على الميدان السوري تتجه نحو التصعيدّ، وأنّ الحال الثابت منذ ما يقارب الخمس سنوات في المناطق الثلاث لن يبقى على ما هو عليه الآن، والأيام حُبلى بالكثير من الأحداث التي ربما لن تلبث طويلاً حتى تتحول إلى مواجهة كبرى تعيد ترتيب الأوراق ورسم خارطة النفوذ على الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة