كلُّ الدروبِ إلى الأهداف مغلقةٌ.. هكذا يبدو واقع حال سوريا والسوريين.
من السياسة إلى السيادة إلى الاقتصاد إلى المجتمع، متشابكاً حالهم مع جميع ما أنتجته الأزمة من ظواهر سورية صرفة بدءاً بالتشتت، مروراً بتيهٍ خارجي في أربع جهات الأرض، وصولا إلى مرارة العيش.
هل الركون إلى هذا الواقع القائم مجديا؟ هل التمرد عليه وتحطيم أسواره خيار عقلاني أم انتحاري؟ ما هي الخيارات الضرورية التي لا بد للدولة السورية من سلوكها لفتح ثغرة في جدرانه؟
يزخر المشهد السوري العام بشتى أنواع التعقيدات الذاتية والخارجية، بعض التعقيدات الذاتية تسهم في إبطاء التحرك نحو هدم الأسوار التي تطوق البلاد وتخنق العباد، وهي عوامل مرتبطة بحساباتٍ برهنت الوقائع والأيام والتحديات عدم فاعليتها لأنها أشبه بالمراوحة بالمكان؛ حيث الآخرون يتقدمون ويحصدون من غلالها، وبعضها الآخر ذاتي أيضا يوحي بضعفٍ متنامٍ يفتح شهية المتربصين على مزيد من التوحش دون أي اعتبارات أخلاقية وإنسانية.
بعض التعقيدات الخارجية نابعة من صراع اللاعبين المنخرطين بشكل مباشر في الأزمة السورية على النفوذ وعلى المصالح، حوّلوا الساحة السورية إلى حديقة خلفية للتنازع فيما بينهم، لا يوجد واحد من سياقات المعضلة السورية إلا ويدفعك للاصطدام بنهاياته بسبب انسداد المخارج والآفاق.
المسارات المتاحة تتقلص، والبقاء عند تخوم المتاح تراجُع، وحده تغيير المسار يمكن أن يمنح السوريين فرصة النهوض والانطلاق مجددا، وذلك ليس بالأمر العسير، الحاضنة العربية وغطاؤها متاح على رؤوس الأشهاد باعتباره اللحظة الفارقة بين حقبتين من التراجيديا السورية، حقبة سنوات الصراع، وحقبة انكشاف واقع ما بعد صمت المدافع، إنها الحاضنة العربية، بل العنوان الأكثر أملاً كونه يحمل أمانا وطمأنة للسوريين دولة وشعبا.
لا يختلف العرب على سوريا ولا على أهلها ولا على سيادتها ولا على حاضرها وكذلك حول مستقبلها، ولا يتوانى شقيق عن توفير متطلبات ومستلزمات غد السوريين الكريم، لا مقايضات على مجدِ وعزة وتاريخ ومستقبل سوريا والسوريين.
مراجعة شفافة ووقفة صادقة مع الذات انطلاقا من معطيات الواقع السوري كفيلة بإحداث هزة، أو ربما صدمة من شأنها نفض ما علق في الأرواح وعلى جدران الواقع من غبار سنين الحرب، شرط أن تكون بعيدا عن عمليات الترقيع أو التجميل، لأنها لن تضيف جديدا إلى جسد تناهبته مختلف أنواع الضواري.
النهوض ليس مستحيلا رغم الصعوبات والعوائق التي أفرزتها وتفرزها مخططات الآخرين ومقتضيات مصالحهم على مختلف مشاربهم.
ليس البقاء على آلات التنفس الاصطناعي وحدها السبيل لاستمرار الحياة، أو لإطالة العمر، نعم، قد تمنح العافيةَ حينا من الدهر، لكنها، وبمرور الوقت تسلب الجسدَ مناعته الذاتية تدريجيا، ويصبح هدفا أسهل لفيروسات هدامة.
وفي خضم الريح العاتية التي تضرب مفاصل البلاد وتعصف بتفاصيل العباد، لا تزال تلوح في الأفق البعيد بارقةُ أمل، يتسلل شعاعُها بين سحب قاتمة ترخي بظلالها الثقيلة على الصدور.
قاسيةٌ هي الخيارات المغلقة بنعم أو بلا فقط، عندما يتعلق الأمر بمصالح المجموع لا بد من تنحية، أو على الأقل تأجيل المكاسب الآنية لأن ذلك يجعل الاستفادة مما راكمته السنين العجاف من عِبَرٍ، تفيد، في الحالة السورية تحديدا، في عملية المعايرة والموازنة بين الضار والأقل ضررا.
التجارب القاسية تتحول غالبا بين أيدي المبدعين إلى منارات إرشادية نحو طريق المستقبل المأمول عندما يكون الهدف تغيير المسار الذي تسبب بطريقة ما بتلك القسوة.
الوقت يمضي مسرعا على السوريين وعلى ديارهم، ونذر العواصف تتجمع شيئا فشيئا في فضاءاتهم، وهم في غمرة الأمل لا يزالون يحصدون الريح، ويستولدون أسئلة علّها تكون عونا لهم وزاداً في مواجهة طواحين الهواء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة