الخطيئة التي وقعت في ستينيات القرن العشرين في أعقاب حادثة المنشية 1954 عندما حاولت جماعة الإخوان تصفية الزعيم العربي جمال عبدالناصر، من بعدها اعتمدت السلطات الأمنية إجراءات حازمة بدأت بحلّ وحظر الجماعة واعتقال أعضائها وحرق مقرها بالحلمية.
وتمت محاكمة والحكم بإعدام عدد منهم، أبرزهم المرشد العام حسن الهضيبي، ونفي عدد كبير من أفرادها إلى خارج مصر.
والخطيئة حدثت مع المنفيين الذين قدموا المظلومية لكل أرض نُفوا إليها ومعها وقعت دول في المحظور عندما احتوت أفراد الجماعة ومنحتهم الأمان.
كانت المنطقة تعيش مرحلة تحول هي الأكثر حدّة في تاريخها ورغم تباعد الأزمنة فإنها ما زالت حتى اللحظة الراهنة من القرن الحادي والعشرين متأثرة بارتداداتها.
صعود القومية العربية مع قوة الحركة الناصرية كانا المحرك للشعوب العربية في نطاق حركات التحرر الوطنية من الاستعمار الأجنبي، تخفيفاً لتوصيف الحالة آنذاك سنستخدم لفظ "التنافس" السياسي الحاد بين النظم الجمهورية والملكية بدلاً من استخدام اللفظ الصريح بأنه كان "صراعاً" ومع كل ما يمكن أن توصف به المرحلة السياسية فإن ما حدث لم يكن هامشياً فلا يمكن تبرير الخطيئة مهما كانت المبررات بما تم منحه للجماعة من فرصة انتهزتها وتسلل أفرادها إلى مفاصل الدول العربية حتى بات باستطاعتهم توجيه الإرادات السياسية.
في مقابل إذاعة صوت العرب من القاهرة، ظهرت إذاعة صوت الإسلام من مكة فيما يؤكد حالة الانقسام الحاد التي كانت حاصلة بين القوميين وخصومهم.
المسألة ليست انتهازية مجردة من جماعة الإخوان فهذه قضية أشبعت بحثاً بعد ما كان يعتقد أنها إفاقة من الغفوة، والإنصات للمظلومية دون تقدير المواقف من أهمية الانتماء للدولة الوطنية كان مغيباً بمفاعيل مختلفة، حتى نكسة 1967 وما قابلها من خطاب فيه من التشفي لم يكن كافياً للاستدراك فلقد مضت المسارات على نحو أودى بأن تمتلك الجماعة كل المقومات للسيطرة والتوجيه حتى تمكنت من فرضها عند عام 1979.
الأسوأ وقع بعد أن نجحت الثورة الإسلامية الإيرانية واقتحم جهيمان العتيبي المسجد الحرام في مكة، تعاملت البلاد العربية مع الحوادث على أنها تهديدات وجودية ففضلت احتواء الموجة الإسلامية دون النظر إلى خصائصها والأفق المنظور لها، حتى مع الحروب التي كانت قائمة من الحرب الباردة إلى الحرب العراقية الإيرانية وحتى الحرب اللبنانية لم يستوعب أحد أن اللغة كان فيها إفراط مبالغ فيه أدى إلى إرسال الشبان لحرب أفغانستان دون استيعاب لمعنى المعركة التي كانت تؤكد عملياً مقدار ما بلغته جماعة الإخوان، ما سُمي "الصحوة"، كان بمثابة الوقوع في الوحل فهذا ما احتاجته الجماعة لتسيطر على أدمغة الشعوب بعد أن تمكنها من توجيه الإرادات السياسية.
حتى وقعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 استفاق الكل على حقيقة واضحة أن العرب وقعوا ضحية ما عملته أيديهم، وحتى مع الحقيقة الدامغة تبنت الدول شعار "الإرهاب لا دين له"، وكالعادة استخدمت الجماعة رخاوة الأنظمة لتقدم نفسها على أنها البديل الديمقراطي للنظم الحاكمة، وحتى ما بعد عشرية النار والرماد التي أشعلت كل شيء حولها ودفع ثمنها ملايين القتلى والمشردين ما زال هناك مَن يحاول منح الجماعة صكوك البراءة.
لا شيء يقتل الدولة الوطنية سوى العاطفة وكذلك السذاجة فلا يمكن بعد ما دفعته المنطقة والعالم من خراب أن يمنح أفراد وتيار جماعة الإخوان مساراً للعمل تحت مبررات أنها جماعة لها امتداد قبلي أو غيرها من المسوغات التي لا تستقيم مع حكم سيادة القانون، فحتى لا تتكرر الخطيئة لا مفرّ من قرار عربي سياسي بمنع أيّ نشاط كان سياسياً أو دعوياً أو خيرياً لتيار ذي توجه ديني، إن حدث ذلك فلن تتكرر الخطايا أبداً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة