يلاحظ المتابع المدقق لوسائل إعلام جماعة الإخوان الموجهة من خارج مصر من عدة أماكن، سواء كانت التقليدية أم الإلكترونية، أن القائمين عليها في تناولهم الشؤون المصرية المتنوعة من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، لا يحكمهم منطق واحد متماسك.
ويتضح الأمر بصورة جلية في تناولهم الشؤون والتطورات الاقتصادية في مصر، خصوصاً في الفترة الأخيرة، حيث من فرط التناقض والتعارض بين ما يطرحونه ربما في نفس السياق وبفارق دقائق قليلة، لا يمكن لك أن تعرف قاعدة التفكير سواء المنطقي أو الأيديولوجي لهم.
ولعل المثال الأبرز لهذه الحالة من التناقض والازدواجية التي تكاد تصل لحد الشيزوفرانيا أو الانفصام المرضي، هو طريقة تناولهم وطروحاتهم فيما يخص الاقتصاد المصري ودور القطاع الخاص والاستثمار المباشر فيه، خاصة العربي والأجنبي.
الوجه الأول لإعلام الإخوان والملتحقة بهم في هذا الشأن، هو هجوم مرضي يكاد يصل لحد الوسواس على تجربة مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فيما يخص قيام الدولة بتأميم عديد من الشركات والمصانع وإنشاء القطاع العام التابع لها.
فعلى الرغم من أن السياق التاريخي والعالمي الذي أحاط بهذه التجربة، يجعلها جزءاً أصيلاً من توجه دولي واسع حينها شمل كثيراً من الدول المسماة نامية وحديثة الاستقلال، فإن كل هذا يغيب عن إعلام الإخوان وملتحقيهم في ظل كراهية عميقة لتجربة عبدالناصر بكل أبعادها، فيفيضون في ذكر مساوئ الاقتصاد القائم على ملكية الدولة وإدارتها، ويعتبرونه المثال الأبرز للفشل الاقتصادي.
وفجأة، وحين ينتقل نفس الإعلام وشخوصه إلى الواقع الاقتصادي الراهن، بما يتضمنه من سياسات وإجراءات تقوم بها الدولة الآن في مصر من أجل توسيع قاعدة الملكية الخاصة وتشجيع الاستثمار المباشر المصري والعربي والأجنبي في البلاد، خصوصاً في مجال الصناعة، واعتماداً بصورة واضحة على سياسة التخارج الحكومي من ملكية وإدارة بعض الشركات والوحدات الإنتاجية المملوكة للدولة، ترى هؤلاء يفرطون نفس الإفراط في توجيه الاتهامات للحكم "بالتفريط" في ملكية الشعب و"بيعها" للقطاع الخاص، خاصة العربي والأجنبي منه.
ولا يجد إعلام الإخوان وملتحقوهم في هذا السياق من مصطلحات واتهامات لكي يوجهوها للحكم في مصر أقل من "التفريط" في ملكية الشعب و"الخيانة" لمصالحه، لصالح هؤلاء المستثمرين من عرب وأجانب ومصريين.
ومن اللافت والمؤسف معاً أن وجهي حالة الانفصام تلك يأتيان معاً من نفس الشخص في ذات السياق وبفارق دقائق كما ذكرنا، فلا يتبين المتابع حقيقة المتكلم ولا خلفيته الفكرية والأيديولوجية نظراً لما يهذي به من تناقضات وتعارضات جذرية.
والحقيقة أن مشاعر الكراهية العميقة الموروثة من تاريخ جماعة الإخوان منذ ثورة يوليو/تموز 1952 حتى اليوم تجاه كل نظم الحكم التي تعاقبت على البلاد من حينها، وحالة "الثأر" المتأصل بعمق بداخلها تجاهها جميعاً، هي وحدها التي تفسر هذا الانفصام المرضي.
ولا شك أن هذه المشاعر وتلك الحالة قد تفاقمتا بصورة هائلة، بعد إسقاط حكم الإخوان البائس في 30 يونيو/حزيران 2013 بثورة شعب مصر العظيم التاريخية، ما زاد من حالة الانفصام المرضي هذه.
من هنا، فإن المتابع لهذا الإعلام الإخواني والملتحقة به، يكاد يستنتج في جزء من متابعته لما يتناوله من شؤون اقتصادية مصرية أنه أمام فكر اشتراكي أصيل متشدد يدافع عن ملكية الدولة لوسائل الإنتاج كلها، ولا "يفرط" فيها تحت أي ظروف أو ملابسات.
وبعدها بدقائق قليلة، يكتشف المتابع أن نفس المتحدث هو رأسمالي قح وأصيل أيضاً، يدافع باستماته عن القطاع الخاص ونظرية السوق الحرة ومبدأ "دعه يعمل... دعه يمر" الرأسمالي الشهير، ويرفض أي "عدوان" من الدولة على هذه الحرية الاقتصادية المفرطة.
والحقيقة هي أنهم ليسوا هذا ولا ذاك، إنهم تائهون مضطربون من فرط الكراهية التي يحملونها لنظم الحكم المصرية منذ عام 1952 وهيمنة حالة "الانتقام" عليهم، بحيث لا يتبين لهم التضارب الفادح والفاضح بين ما يقولونه في نفس السياق والوقت تقريباً، فالهدف الوحيد هو الإساءة والتشهير بكل هذه النظم وإلصاق كل شيء باطل بها، حتى لو تعارضت الاتهامات، وحتى لو ظهر هؤلاء بهذه الحالة المرضية العميقة من الانفصام أو الشيزوفرانيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة