"ملامح عهد".. مقتنيات أسرة محمد علي في معرض بقصر عائشة فهمي بالقاهرة
قصر عائشة فهمي الأثري بالقاهرة يستضيف معرض "ملامح عهد" الذي يضم لوحات ومقتنيات لأسرة محمد علي
بالعبور من بوابة قصر عائشة فهمي الأثري بالقاهرة، يستقبلك محمد علي باشا وأسرته العلوية بفخامة تليق بأحد أشهر أسر تاريخ مصر الحديث، فالقصر الأثري يستقبل "كنوز" أسرة محمد علي، التي شغلت المؤرخون ومحبي التاريخ، لخصوصية تلك الأسرة السياسية والدرامية على مدار ما يقرب من 150 عاماً من الزمان، متعاقبة عليه 4 أنماط من النظم، بدءاً من نظام الولاية، مروراً بالخديوية والسلطنة، وانتهاءً بالمملكة التي اختتمت المرحلة بانقضائها.
المعرض يحمل اسم "ملامح عهد"، ويُعد استكمالا لمشروع "كنوز متاحفنا" الذي، يرعاه قطاع الفنون التشكيلية ومجمع الفنون في مصر لإعادة الروح للثروات المتحفية المصرية.
وحسب الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري، فإن قيمة معرض "ملامح عهد" هو التذكير بقيمتها على مستوى العالم في ظل ما تعانيه أهم المتاحف المصرية من الإغلاق لفترات طويلة تعدت في بعضها ربع قرن، فتسبب ذلك بالتأكيد في ظهور جيل كامل لم يتسن له رؤية هذه الروائع الفريدة من المقتنيات الفنية التي لا تُقدر بثمن.
تحملك مقتنيات المعرض إلى عصر حيّر المؤرخون في تأمله ونقده، ويأخذك إلى احتفاء حُكام مصر في هذا العصر بقيمة الفنون التصويرية، والنحتية، بدءا من محمد علي باشا، ومرورا بأسرته مثل إبراهيم باشا، والملك فؤاد الأول، وإسماعيل باشا، والخديوي توفيق، والوالي محمد سعيد باشا، والملك فاروق، ومن الملكات الملكة ناريمان، ومن الأمراء الأمير عمر طوسون، والأمير إسماعيل، والأمير عبدالحليم.
ويعيد المعرض اكتشاف الأميرة سميحة كامل ابنة السلطان حسين كامل، التي تحول قصرها لمقر مكتبة القاهرة الآن، ويعيد اكتشافها كرسامة بورتريهات ملكية، ولعل أحد أبرز أبطال معرض "ملامح عهد" هم الفنانون المجهولون الذين قاموا برسم بورتريهات الأسرة العلوية، فأغلب اللوحات والتماثيل محّط إبهار الحضور، مكتوب في وصفها أنها "غير موقعة وغير مؤرخة"، ما يشي بالغموض المحيط بهذا العصر وتدوينه، واختفاء الكثير من المراجع الفنية والتاريخية المرتبطة بتلك الحقبة الثرية، فيما تبرز بعض أسماء الفنانين الأوروبيين كالفنان "إي.تشامبمارتان"،ن و"أو.شيمشيديان"، في انعكاس لحالة انفتاح الأسرة العلوية على أوروبا وفنونها بشكل كبير.
تجد للملوك والأمراء في المعرض أكثر من عمل يُخلد ذكراهم، بدءا من اللوحات المرسومة بالألوان الزيتية على القماش، التي تعدى ارتفاع الكثير منها المترين، فالخديوي إسماعيل، على سبيل المثال لا الحصر، له وحده أكثر من لوحة وتمثال في المعرض، منها تمثال نصفي مصنوع من البرونز غير مؤرخ للفنان شارل كوردييه، وتمثال نصفي آخر من الحجر السماقي الإمبراطوري الأسود (البورفير الأسود)، وتمثال نصفي من الرخام الأبيض يعود لعام 1873، وتوقيعه مطموس، وتمثال آخر بارز له، وهو وسط الحشود، وهو غير مؤرخ للفنان إرنستو جازيري، علاوة على عرض تمثال له بالحجم الطبيعي بالبرونز الذي صنعه الفنان مصطفى متولي عام 1951.
وبذكر التماثيل يُعد التمثال النصفي المصنوع من الجبس لمحمد علي باشا، أحد أبرز مقتنيات المعرض، واختار القائمون على معرض "ملامح عهد" وضعه في قلب قصر عائشة فهمي في استقبال الزائرين.
ويلمح المعرض للتكوينات الجمالية لتماثيل ميادين مصر آنذاك لاسيما في القاهرة والإسكندرية، كما يظهر في تمثال الخديوي إسماعيل الذي كان من المقرر وضعه في ميدان الإسماعيلية "التحرير حاليا"، وكذلك تمثال آخر بارز لمحمد علي باشا وهو يعتلي حصانا، وهو مصنوع من البرونز، وهو مُصغر أصلي للتمثال القائم حاليا بميدان المنشية بمدينة الإسكندرية للنحات هنري ألفريد جاخمار، وهو غير مؤرخ.
تمُر المقتنيات على المشاهد اليومية لأسرة محمد علي، عاكسة معها وجوها للحياة التي لا تنفصل كثيرا عن الحالة السياسية التي عرفتها قصور تلك الفترة الزمنية، ففي إحدى أجنحة العرض يُعرض طاقم شاي من الفضة المُذهبة كان إهداء لوالدة الخديوي إسماعيل، مُحلى بنقوش ومكون من 32 قطعة ومدموغ تحت كل قطعة اسم الشركة الصانعة بباريس، وهي إهداء من شركة قناة السويس، لتصبح قطع الشاي تلك إحالة لتاريخ كامل يعود لما يقرب من 150 سنة من افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل.
ومن مظاهر اليوميات حرص الملك فاروق على أن يتم تصويره في لوحات زيتية خلال عدد من أنشطته الشهيرة، منها الصيد، أما الإطار الذي احتوى تلك اللوحة التي رسمها الفنان "ح.ب.زانيلني"، تم نحته بما يلائم موضوع الصيد في اللوحة، فظهر عليها البط وبنادق الصيد علاوة على التاج الملكي وعلم مصر آنذاك، كما ظهر الملك فاروق في لوحة أخرى، وهو يرتدي ملابس "أمير البحار".
تبرز في إحدى قاعات قصر عائشة فهمي لوحة مكتوبة بالأحبار، تتفرع عليها أسرة محمد علي العلوية "ِشجرة العائلة العلوية المحمدية"، وتنحدر حسب سلسلة نسب العائلة الشهيرة، وإلى جوار الشجرة المكتوبة تبرز لوحة أخرى لشجرة تضم صور أفراد العائلة، ومقتنيات تضم ميداليات ذات موضوعات تذكارية وفنية ودينية، منها ميدالية تتضمن نقشا يستلهم أسطورة "بروميثيوس" الإغريقية، وأخرى لتكريم ذكرى الأديب الفرنسي الشهير "أناتول فرانس".
وحسب الفنان إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون ومُعد المعرض، فإنه إلى جانب خصوصية معرض "ملامح عهد" من حيث المحتوى التاريخي والفني، فإن خصوصيته تنبع كذلك من إعادة التنقيب في الثروات الفنية التى طال احتجابها، وإلقاء الضوء على النفيس منها، والكشف عن المجهول.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المعرض هو الحلقة الثالثة من سلسلة "كنوز متاحفنا" التي ينظمها مجمع الفنون بمصر، وبدء بمعرض "كنوز متاحفنا 1"، الذي تم الاحتفاء فيه بكنوز مصر من اللوحات العالمية، ثم "كنوز متاحفنا 2"، الذي عرض لأول مرة منذ عقود روائع النسيج الإسلامي والقبطي.
ومن المقرر أن يستمر المعرض حتى يوم 27 مارس/ آذار المقبل.