الأسباب والنتائج.. خبراء يرجحون «سقوط» باماكو في يد «القاعدة»
هل يمكن أن يسيطر تنظيم "القاعدة" الإرهابي على واحدة من أهم عواصم دول الساحل الأفريقي؟ الإجابة المرجحة في نظر عدد من الخبراء: نعم.
إنها باماكو عاصمة دولة مالي وأكبر مدنها، تُطل على نهر النيجر وتعتبر مركزها الاقتصادي. هي الآن محاصرة من مسلحين جماعة "نصر الإسلام والمسلمين" التابعة لـ"القاعدة" والتي تسيطر على مساحات كبيرة من مالي، وتسعى للتوسع في النيجر وبوركينا فاسو، وفقا لتقرير أممي رسمي.
"نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لـ"القاعدة" اقتربت من السيطرة على باماكو، في تطور خطير قد يجعل مالي أول دولة في العالم تدار فعلياً من قبل التنظيم الإرهابي، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال".
الميدان
الجماعة فرضت منذ أسابيع حصاراً خانقاً على المدينة ومنعت وصول شحنات الغذاء والوقود إليها، ما تسبب في شل الحركة بها.
ومع تفاقم الأوضاع وتقدم "نصرة الإسلام والمسلمين"، حضت أمريكا ودول أوروبية رعاياها على مغادرة مالي فورا.
وأكدت السفارة الأمريكية في مالي أن "نقص الوقود، وإغلاق المدارس والجامعات في كل أنحاء البلاد، والصراع المستمر بين الحكومة المالية وعناصر إرهابية قرب العاصمة باماكو، كلّها تفاقم تقلبات الوضع الأمني في باماكو".
وتحت ضغط الأزمة، أعلنت الحكومة في مالي تعليق الدراسة في المدارس والجامعات بالعاصمة مؤقتا بسبب نفاد الوقود، وأدى ذلك إلى توقف شبه كامل للأنشطة الاقتصادية، بينما تواجه المستشفيات والمصانع خطر الإغلاق مع استمرار انقطاع الإمدادات.
وبحسب إعلام محلي، يحرق الإرهابيون شاحنات الصهاريج يوميا تقريبا.
وأكد وزير الأمن في مالي الجنرال داود علي محمدين، أنه سيتم "قريبا" تطبيق "تدابير حازمة" جديدة لضمان إمدادات العاصمة من الوقود، داعيا إلى عدم الذعر.
استراتيجية جديدة
جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي ذكر آخر تقرير لفريق الخبراء التابع لمجلس الأمن المعني برصد نشاط تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، بلغت درجة جديدة من القـدرة العملياتية تمكنها من شن هجمات معقـدة على ثكنات جيدة التحصين باستخدام مسيرات مفخخة وأجهزة متفجرة يدوية الصنع وأعداد كبيرة من المقاتلين.
وغيّرت الجماعة استراتيجيتها لتتحول إلى "التمترس السياسي"، إذ تموضعت بشكل متزايد كجهة حاكمة ساعية إلى السيطرة على الأراضي وإقامة أشكال الحكم الأولية وكسب الدعم المحلي".
وفي مالي تحديدا، أشار التقرير الأممي إلى أن الوضع أكثر تنوعًا وعلى قدر أكبر من التعقيد ولكنه في تدهور، إذ أنها أبرمت وفقا لاستراتيجيتها الجديدة اتفاقات محلية لتأمين التعاون وجذب مجتمعات جديدة، وذلك غالبا تحت الإكراه.
مكمن الخطورة في أن التقرير أوضح أن الطموح الأساسي لـ"القاعدة" هو "إقامة إمارة يمكنها الطعن في شرعية الأنظمة العسكرية، وإجبارها على التنازل عن السلطة وتطبيق الشريعة الإسلامية".
حسب التقرير، فإن "نصرة الإسلام والمسلمين"، يملك في غرب أفريقيا ما يقرب من 5 آلاف إلى 6 آلاف مقاتل.
معادلة قابلة للتحقق
وقال العميد خالد عكاشة الخبير الأمني وعضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب في مصر، إن سيطرة "القاعدة" على العاصمة المالية "معادلة قابلة للتحقق" في ظل الظروف الحالية.
وأوضح عكاشة في حديث لـ"العين الإخبارية" أن التنظيم بات يمارس نشاطا كبيرا في تلك الدولة الأفريقية وسط هشاشة كبيرة في مؤسسات الدولة ومنظومتها الأمنية، معتبرا أن "التغييرات السياسية التي حدثت مؤخرا أضرت بمالي بشكل كبير".
وأضاف: "الخروج الفرنسي والتراجع الأمريكي رغم كل المآخذ المفهومة من شعوب أفريقية على سياسيات البلدين، أضر ضررا بالغا بالمعادلة الأمنية لمنطقة الساحل بالكامل".
وتابع "أحد أكبر المتضررين هي مالي نظرا لطبيعتها الجغرافية والتعقيد الكبير على أراضيها، بمتابعة جهود مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي منذ العام 2011، يمكن القول إن التحالفات الدولية لفرنسا والولايات المتحدة والوحدات الخاصة بمكافحة الإرهاب التي كانت تُرسل إلى الساحل الأفريقي كانت تفيد بلدان المنطقة في محاصرة الظواهر الإرهابية".

وأكد أن فرنسا وأمريكا لديهما قدرات استخباراتية عالية لجمع المعلومات ومتابعات نشاط الجماعات الإرهابية من الجو وعبر الأقمار الاصطناعية وبعمل على الأرض أيضا، وهذه المعلومات كان يتم تبادلها مع أنظمة هذه البلدان، ما أفادها كثيرا في مواجهة الإرهاب.
وقال "على مستوى البعد الأمني لا يمكن إنكار أن فرنسا كانت تفيد تلك الدول، حتى لو كانت هناك عمليات أكبر من قدرات فرنسا نفسها، كانت قادرة على حشد الدعم من أمريكا وألمانيا لتنفيذها في إطار جهود مكافحة الإرهاب على الأرض".
وشدد على أن "خروج فرنسا من مالي ساهم في تدهور الحالة الأمنية بشكل كبير جدا"، لافتا إلى أن "أحد المآخذ على فرنسا أنها لم تقم بإعداد الكوادر ولا الدعم والتأهيل الكبير للمؤسسات الأمنية والعسكرية لبلدان الساحل الأفريقي، فما أن خرجت منها تدهورت الحالة الأمنية بشكل يسمح للتنظيمات الإرهابية بالتمدد".
ولفت أيضا إلى "انشغال المجتمع الدولي والمعنيين بمكافحة الإرهاب بساحات أخرى، ما أكسب التنظيمات في غرب أفريقيا قوة إضافية، فضلا عن سقوط تنظيم "داعش" في سوريا والعراق"، واستقطاب القارة السمراء الخبرات والقيادات في هذا التنظيم المنهار".
وخلص إلى أن سيطرة "القاعدة" على باماكو "للأسف الشديد باتت معادلة قابلة للتحقق، وقد رأينا نماذج لها، فكل دولة مكامن ضعف يمكن أن ينفذ منها الإرهاب".
دعم استخباراتي؟
واتفق الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب مع عكاشة في أن خروج فرنسا من مالي لعب دورا مهما في تقدم "نصرة الإسلام والمسلمين".
وقال أديب في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "الخطورة في أن القاعدة في غرب أفريقيا لا تضع عينها على مالي فقط، النيجر وبوركينا فاسو أيضا ضمن دائرة الاستهداف القريبة".
وقال إن "قرب سيطرة القاعدة على باماكو لا يصادف الحقيقة فقط، ولكنه عين الحقيقة، بسبب ضعف القوات الأمنية وخروج القوات الفرنسية".
وحذر من أن الوضع في باماكو "في منتهى الخطورة"، لافتا إلى أن لتر الوقود تخطى سعره 3 دولارات، متوقعا أن "تسقط العاصمة المالية في يد القاعدة قريبا، لأن كل المؤشرات تذهب إلى تلك النتيجة".
ودق ناقوس الخطر من أن "سيطرة القاعدة على باماكو لو حدثت فستكون بداية لاضطراب في غرب أفريقيا كلها".
واعتبر أديب أن "دولا أرادت صعود جماعة نصرة الإسلام والمسلمين". وقال "لا استبعد أن دولا قدمت دعما استخباراتيا للجماعة من أجل السيطرة على باماكو، وإلا كيف نفسر هذا الصمت الدولي على التطورات الدراماتيكية التي يشهدها البلد الأفريقي؟".
وأضاف "دائما التنظيمات المتطرفة تنشأ في الفراغ السياسي والصراع بين الدول الكبرى. القاعدة ستسيطر على أول عاصمة في دولة أفريقية".
خطورة كبيرة
وكتوقعات عكاشة وأديب، قال ماهر فرغلي الباحث المختص في شؤون الإسلام السياسي، إن تنظيم "القاعدة متمثلا في جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" يقترب بالفعل من السيطرة على أول عاصمة أفريقية وهي باماكو عاصمة مالي".
وأشار فرغلي إلى أن هذا الوضع ليس مفاجئا بالنسبة إليه، لافتا إلى أنه حذر منذ أكثر من عام من هذا الخطر، الذي بات وشيكا الآن.
وأضاف "الآن نعيد التحذير ليس من السيطرة على باماكو الذي بات قريبا، ولكن يجب الانتباه إلى أن الخطورة ستكون كبيرة على دول الساحل والصحراء وشمال أفريقيا وغربها".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODcg جزيرة ام اند امز