نهاية السلام في مالي.. رهان «فائض القوة» لإخضاع الأزواد
بإعلان عسكر مالي إنهاء اتفاق سلام أقر قبل نحو 9 سنوات مع الأزواد، بات السؤال يدور حول مستقبل بلد مضطرب في منطقة مشتعلة.
وأنهى المجلس العسكري في مالي، أمس الخميس، اتفاقا للسلام برعاية جزائرية مع المتمردين الانفصاليين الأزواد يعود لعام 2015، وقال في بيان بثه التلفزيون الرسمي، إنه لم يعد من الممكن الاستمرار في الاتفاق بسبب عدم التزام الموقعين الآخرين "ببنوده".
ويرى مراقبون أن عسكر مالي يراهنون في خطوتهم على فائض قوة حصلوه من التأييد الشعبي، خاصة فيما يتعلق بعلاقات البلاد مع فرنسا، والدعم الروسي.
وكانت تنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية، التي تُقاتل ضد الجيش المالي، قد تعهدت باستمرارها في القتال، وتوسيع جبهاته، رغم خسارتها معقلها في إقليم أزواد شمال البلاد، مدينة كيدال التي استعاد الجيش السيطرة عليها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
روسيا والمسيرات
ويعتقد محمد أغ إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باماكو في مالي، أن المجلس العسكري ينطلق من استبعاده لسيناريو عام 2012، حينما أجبرت تنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية السلطات في باماكو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وقال إسماعيل، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن الجيش المالي يستند إلى وجود روسي داعم وإلى أسطوله من المسيرات، الأمر الذي يمنحه أفضلية في الصراع الحالي.
وأوضح أن السلطات تستعد لحوار داخلي مع الحركات الموالية لها في الأشهر المقبلة، وهي ترى فرصة لفرض أمر واقع جديد يعبر عن فائض القوة الراهن، سواء على المستوى الداخلي أو في علاقتها الخارجية.
واستبعد أستاذ العلوم السياسية أي دور فرنسي فيما يدور حاليا من صراع بين الجيش والأزواد، قائلا إن إنهاء الاتفاق يعد ضربة جديدة لفرنسا.
متوقع
من جانبه، رأى الدكتور توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن إنهاء الاتفاق غير مستغرب.
وأضاف بوقاعدة في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن مالي مهدت لإنهاء الاتفاق عمليا منذ أغسطس/آب الماضي ببدء العمل العسكري وصولا إلى اجتياح "كيدال" عاصمة المعارضة.
وأشار إلى أنه منذ طرد بعثة الأمم المتحدة من البلاد، بدا واضحا أن الحكومة المؤقتة تعمل على استثمار فائض القوة بعد طرد الفرنسيين والأوروبيين.
وقال إن الحكومة المالية أصبحت ترى في نفسها الحكومة القادرة على تحصين سيادة بلادها، ومنع أي أشكال للتدخل الخارجي مهما كانت صيغته وطبيعته، مضيفا أن هذا ما حاول الرئيس المؤقت رسمه في خطابه في مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، وذلك بتوطين الحل في مالي وإطلاق حوار وطني داخلي.
وأعرب بوقاعدة عن اعتقاده أن الهدف من إطلاق دعوة الحوار الوطني تغطية العمليات العسكرية التي سيقوم بها ضد من يرفض الاستجابة، وبالتالي تحقيق ما يريد من شرعية للقضاء على المناوئين.
وحذر من أن هذا الأمر يعني عمليا العودة إلى الحرب الأهلية، لكن بشكل أخطر عما كان في 2012، لأن بيئة الساحل كلها غير مستقرة.
وتابع: "ما يواجه الأزواد في مالي سيستدعي دعما من كل الطوارق على طول الساحل، وبالتالي إشعال بؤر توتر في النيجر وبوركينا فاسو أيضا، وربما يستفيدون أيضا من قاعدة إمداد في ليبيا والجزائر وموريتانيا، لافتا إلى أن خطر تحول الصراع في مالي إلى حرب إقليمية وارد جدا.
البحث عن "شماعة"
وقال الخبير الجزائري في الشأن الأفريقي، إن الحكومة المالية كانت تبحث عن "شماعة" لتعليق الاتفاق وفقط، وإن التهم الموجهة ضد الجزائر لا تقنع أحدا في الأزمة أو خارجها.
وتتهم الحكومة المالية الجزائر بتقديم الدعم لمن تعتبرهم متمردين.
وأشار بوقاعدة إلى أن الجيش في مالي يعتمد استراتيجية الهروب إلى الأمام، معتبرا ما يجري مغامرة مالية في معاداة الجزائر، ووصفها بـ"غير المحسوبة".
ورأى الخبير الجزائري أن "المخاوف منذ اندلاع أزمة الحكومة المالية مع فرنسا تحققت"، قائلا إن "وجودها (فرنسا) كان عامل استقرار في البلاد، وحتما هي ستعمل مستقبلا لعودتها عسكريا وتجاريا، بعد أن تتدهور الأوضاع أكثر في البلاد"، معربا عن أسفه في أن "الجزائر لا تزال أسيرة عقيدتها الأمنية والدبلوماسية بعدم التورط في اقتتال خارج الحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
وقال لذلك ستبقى الجزائر تراقب حدودها وتدفع بالتحرك على مستوى الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة.
الحكومة ستندم
من جهته، قال البكاي أغ أحمد، مؤسس الحركة الوطنية للأزواد في شمال مالي، في تصريح لـ"العين الإخبارية": إن تعليق الاتفاق كان متوقعا، في إطار شعور متوهم بالقوة.
وأوضح أن الحكومة المالية تبدو اليوم مثل طفل ضرب صديقه ولاذ بالفرار، ويعتقد لهذا السبب أنه انتصر، الأسوأ أن هذا الطفل يظن أنه بنصره المتوهم بات أكثر قوة.
وتابع: "الحكومة المالية تعول على دعم روسيا، وطلبت من القوات الفرنسية الرحيل، وكذلك الأمم المتحدة، وبعد السيطرة على كيدال الاستراتيجية، بدعم قوات فاغنر (العسكرية الروسية الخاصة) والمسيرات التركية، تظن الحكومة أنها باتت تسيطر على الأرض".
اتفاق السلام
وكان الجيش في مالي قد أعلن في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سيطرته على مدينة كيدال الاستراتيجية التي دارت فيها وحولها معارك ضارية ضد تحالف من الحركات الأزوادية الساعية للانفصال بالإقليم أو الحصول على الحكم الذاتي.
وسبق أن وقعت الحركات الأزوادية، التي تتكوّن من الطوارق في معظمها بجانب بعض العرب، والمنضوية تحت الإطار الاستراتيجي الدائم، اتفاق سلام مع الحكومة عام 2015 بوساطة جزائرية، بعد حرب بين هذه الحركات والجيش بدأت عام 2012.
وبعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي العام الماضي، ثم بدء انسحاب قوات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام "مينوسيما" من أزواد، تجددت المعارك بين حركات "الإطار الاستراتيجي" والجيش المالي، بداية من أغسطس/آب.
وسبق أن استدعت مالي السفير الجزائري لديها في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتجاجا على ما وصفته بأنه تدخل جزائري في شؤونها الداخلية، وذلك عقب استضافة مسؤولين انفصاليين دون إشراك السلطات المالية، قبل أن تستدعي الجزائر هي الأخرى السفير المالي لديها للرد على الاتهامات.
aXA6IDE4LjIyNi4yMTQuOTEg جزيرة ام اند امز