«القاعدة» تخرج من جحرها.. تصعيد في استراتيجية الإرهاب بمالي

كشفت الأحداث الأخيرة في مالي عن سعي الجماعات الإرهابية للتحول إلى سلطة موازية تحاول إدارة الحياة اليومية.
وبحسب خبراء في الشؤون الأفريقية، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، بدأت في فرض قواعد على المسافرين تشمل منع التعاون مع الجيش، وفرض غرامات في حوادث الطرق.
وجاءت هذه التطورات عقب هجوم دموي على قافلة وقود يوم الجمعة الماضي، ، أُحرقت خلاله أكثر من 50 شاحنة في منطقة سيكاسو جنوبي البلاد، ما كشف ضعف السيطرة الحكومية وسعي التنظيم الإرهابي على توسيع نفوذه.
وتشهد مالي تصعيدًا جديدًا في نشاط الجماعات الارهابية، إذ أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الإرهابية، عن فرض قواعد جديدة على المسافرين في مختلف طرق البلاد، في خطوة تعكس مدى تمدد نفوذها خارج مناطق القتال التقليدية، وتحولها إلى سلطة أمر واقع على الأرض.
الهجوم الأخير الذي استهدف قافلة من شاحنات الوقود قادمة من ساحل العاج يوم الجمعة الماضي في منطقة سيكاسو جنوبي البلاد، كشف مدى قدرة الجماعة الإرهابية على ضرب شرايين الاقتصاد وفرض سيطرتها على الطرق الحيوية رغم وجود الجيش المالي، بحسب إذاعة "إر اف اي" الفرنسية.
من جانبه، قال الدكتور عبد الكريم كيتا، الباحث في المعهد المالي للدراسات الأمنية، لـ"العين الاخبارية" إن ما يحدث هو "تحول خطير في استراتيجية الجماعات المسلحة".
وأوضح أن "فرض القوانين على المدنيين يعني أن الجماعة الإرهابية لم تعد تكتفي بالهجمات العسكرية، بل أصبحت تسعى إلى إدارة الحياة اليومية وخلق نموذج حكم خاص بها".
وقال إن الجماعة "لم تكتف بشن الهجمات العسكرية ضد الدولة أو قواتها، بل أصبحت تسعى إلى إدارة الحياة اليومية للسكان وخلق نموذج حكم خاص بها يقوم على فكرة فرض الطاعة لا على الشرعية".
وأضاف أن "هذا التحول ينذر بمرحلة جديدة من الصراع، يكون فيها المدنيون هم الضحية الأولى لغياب الدولة وهيمنة السلاح".
من جانبها، قالت الدكتورة فيونا مافومبو، الباحثة في مركز الدراسات الأفريقية بجامعة نيروبي، لـ"العين الإخبارية" إن "هذا التوسع في النفوذ يعكس تراجع قدرة الدولة على فرض سيادتها، ويهدد بتحويل مالي إلى نموذج شبيه بالصومال في تسعينيات القرن الماضي، حيث تصبح الطرق والمناطق الريفية تحت سلطة أمراء الحرب".
وحذرت من أن صمت الدولة والمجتمع الدولي سيؤدي إلى ترسيخ سلطة موازية يصعب تفكيكها لاحقًا.
50 شاحنة محترقة وصمت رسمي
بحسب تقارير ميدانية، أقدمت عناصر الجماعة الإرهابية، الذين كانوا يستقلون دراجات نارية، على مهاجمة القافلة بين بلدتي كولوندِيبا وكاديانا بالقرب من الحدود مع ساحل العاج، حيث تم إحراق نحو 50 شاحنة وقود رغم وجود مرافقة عسكرية.
ولم تصدر السلطات الانتقالية أو الجيش المالي أي بيان رسمي حول الخسائر البشرية، بينما تداولت الجماعة مقاطع دعائية تُظهر ألسنة اللهب تتصاعد من الشاحنات، في استعراض جديد لقوتها الميدانية.
الهجوم جاء بعد أيام من عملية مشابهة على الطريق ذاته، ضمن حملة ممنهجة تهدف إلى فرض حصار على واردات الوقود التي تعاني منها العاصمة باماكو وعدة مناطق داخلية، مما تسبب في أزمة وقود خانقة خلال الأسابيع الأخيرة.
في تطور آخر، بثت الجماعة مقاطع فيديو لثلاثة رهائن جدد، بينهم رئيس المجلس الإقليمي لمدينة سيغو، سياكا ديمبيلي، الذي اختُطف في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بالإضافة إلى جنديين ماليين أُسرا في التاسع من الشهر نفسه في منطقة تمبكتو.
وظهر الرهائن في التسجيل وهم يناشدون السلطات العمل على إطلاق سراحهم، في مشهد اعتبرته مصادر حقوقية دليلًا على استمرار الجماعة في استخدام الرهائن كورقة ضغط سياسية.
منع التعامل مع الجيش وفرض الحجاب على النساء
ورغم إعلان الجماعة رفع الحظر عن شركة "ديارا ترانسبورت" للنقل، بعد أن كانت قد منعتها سابقا بسبب اتهامات بالتعاون مع الحكومة، فإن هذا القرار جاء مقابل شروط جديدة صارمة تشمل جميع المسافرين وشركات النقل في مالي.
وتثير هذه القواعد تساؤلات واسعة بين الماليين حول ما إذا كان بإمكان المدنيين رفضها، في ظل غياب الدولة عن مناطق واسعة وسيطرة المسلحين على الطرق الحيوية.
وقال أحد السائقين في حديث لراديو فرنسا الدولي: "إنهم يسيطرون على كل شيء، من ملابس النساء إلى حركة الشاحنات.. ومن يرفض يُخاطر بحياته."
صمت السلطة ومخاوف من "إمارة الطرق"
حتى الآن، لم تُصدر الحكومة الانتقالية في باماكو أي رد رسمي على التطورات، مكتفية بالدعوة إلى "الصمود" و"الثقة في القوات المسلحة"، واصفة الهجمات الإرهابية بأنها “آخر أنفاس عدو يلفظ أنفاسه”.
لكن محللين يرون أن الجماعة باتت تفرض نظاما موازيا للدولة، خاصة في المناطق الجنوبية التي كانت تُعتبر سابقًا آمنة نسبيا.
في الوقت الذي يُفترض أن تتجه مالي نحو الاستقرار بعد انسحاب القوات الأجنبية، يبدو أن البلاد تدخل مرحلة جديدة من الفوضى، حيث بات المسافرون، لا الجنود، في مواجهة مباشرة مع الجماعة الإرهابية التي تتنامى على طرق الجنوب.