صدام أممي مع عسكر مالي.. نزاع قانوني بملف سياسي
على أرضية قانونية وفي ملف سياسي يتفجر صدام بين الأمم المتحدة والمجلس العسكري في مالي، منذرا بلهيب يهدد الوجود الأممي بالبلد الأفريقي.
وقبل أيام، أعلنت السلطات الحاكمة في باماكو إمهال رئيس قسم حقوق الإنسان في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمعروفة اختصارا بـ"مينوسما"، 48 ساعة لمغادرة مالي، بعد إعلانها أنه شخص غير مرغوب فيه.
وقالت في بيان صدر حينها إن قرار طرد غيوم نجيفا أتوندوكو أندالي مرتبط بما وصفته باختياره المتحيز لشهود المجتمع المدني في جلسات مجلس الأمن الدولي بشأن مالي، والتي عقد آخرها في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ومنذ ذلك الحين، اختلفت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مع الحكومة المالية حول شرعية القرار.
وتقول اللجنة الحقوقية إن ميثاق الأمم المتحدة يوفر حصانة لموظفي المنظمة الدولية، مما يجعل مبدأ الشخص غير المرغوب فيه غير قابل للتطبيق.
فيما ترد الحكومة الانتقالية في مالي بالاستشهاد باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، والتي بموجبها يُسمح لمالي بالفعل بإعلان أي شخص دبلوماسي غير مرغوب فيه، دون الاضطرار حتى إلى تبرير قرارها.
نقاش قانوني
اتفاقية فيينا أم ميثاق الأمم المتحدة؟ سؤال يفجر الجدل هذه الأيام في باماكو وبأروقة المنظمة الدولية، ويسيل الكثير من الحبر في محاولة لتبين ملامح الخطأ والصواب بموقف كل جانب.
خبير فرنسي متخصص في القانون الدولي يرى أن المسألة تحولت لنقاش قانوني بامتياز، مشيرا إلى وضعيات مشابهة حدثت ببوركينا فاسو نهاية ديسمبر/ كانون أول الماضي، حين تم طرد منسق الأمم المتحدة.
وأوضح الخبير الذي تحدث لإعلام فرنسي مفضلا عدم ذكر هويته، أنه "في كل مرة، تحتج الأمم المتحدة بنفس الحجة ولكن في الواقع لا تزال العديد من الدول تطبق مبدأ الشخص غير المرغوب فيه على دبلوماسيي الأمم المتحدة".
واعتبر أنه بغض النظر عن طبيعة الخطوة من حيث قانونيتها، فإن السلطات الانتقالية المالية لن تعيد النظر في هذا القرار السياسي بالذات.
ومنذ أشهر، وضعت السلطات المؤقتة في مالي قسم حقوق الإنسان ببعثة مينوسما نصب أعينها، وذلك على خلفية تحقيقات أجراها حول مزاعم انتهاكات يرتكبها الجيش المالي.
وتعتبر باماكو أن السلوك العام لرئيس قسم حقوق الإنسان، غيوم نجيفا، يتعارض مع التزاماته "بالحياد".
وكان غيوم نجيفا خارج مالي عندما أُعلن طرده. وبغض النظر عن رأي الخبراء القانونيين، يبدو من الصعب تخيل عودته إلى باماكو في ظل الظروف الراهنة.
وضع صعب
بآخر الجلسات بشأن مالي، المنعقدة في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، شدد أعضاء مجلس الأمن الدولي على استحالة استمرار "الوضع الراهن" لبعثة مينوسما.
وكشف الاجتماع آنذاك انقسامات الدول الأعضاء بشأن كيفية تطوير عمل البعثة، وسط تعقيدات يفرضها الوضع الأمني في مالي.
وفي إفادة قدمها حينها أمام المجلس، قال القاسم وان، رئيس بعثة الأمم المتحدة في مالي، إن الوضع الأمني في البلاد معقد، والمجموعات المسلحة لا تزال تحتفظ بالقدرة على شن عمليات معقدة ومنسقة رغم الجهود المكثفة لقوات باماكو.
وخلال الجلسة، نظر المجلس للمرة الأولى في تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يؤكد أن استمرار المهمة في شكلها الحالي "غير ممكن" بدون زيادة عدد الجنود.
وشدد التقرير على ضرورة سحب القوات إذا لم يتم توفير الشروط الأساسية لبقائها، وهو القرار الذي يجب أن يتخذه المجلس قبل يونيو/ حزيران المقبل تاريخ التمديد للبعثة.